أكتب هذا المقال في شهر جولاي، وهو من أكثر شهور العام ارتفاعاً للحرارة، حيث بلغ الطقس اليوم 45 درجة مئوية خلال النهار. وحسب التوقعات، فسوف يستمر ازدياد درجة الحرارة السطحية المتوسطة في العالم، عاماً بعد عام، وهو ما يُعرف بظاهرة «الاحتباس الحراري» أو باللغة الإنجليزية Global Warming. ولكن.. ما الذي يسبب هذه الظاهرة..؟ وما هي أبعادها..؟ فلنتحدث قليلاً عن هذا الأمر.. ظهر الاحتباس الحراري، أو زيادة درجة الحرارة في العالم في منتصف القرن العشرين، نتيجة لزيادة كمية ثاني أكسيد الكربون وغاز الميثان وغازات أخرى تُسمى «بالغازات الدفيئة» في طبقات الجو. ورغم وجود عوامل بيئية مثل البراكين والنشاط الشمسي، إلا أن كمية انبعاث تلك الغازات قد ازدادت مع الممارسات البشرية السيئة، مثل زيادة نسبة التلوث الناتج عن احتراق الوقود لوسائل النقل والمواصلات، ومحطات الطاقة، وإزالة الغابات وحرائقها، وطرق إدارة الأسمدة الزراعية، وعمليات التصنيع، وزيادة أدخنة المصانع، وغيرها من الممارسات الضارة. ويتسبب انبعاث تلك الغازات الدفيئة في اختلال توازن طاقة الأرض، لأن زيادة تلك الغازات في الغلاف الجوي ينتج عنها زيادة في نسبة امتصاص الأشعة تحت الحمراء، والتالي تغيير نسبة الإشعاع الشمسي الذي يصل للأرض، مما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض حول العالم. وبالتالي، فإن زيادة درجات الحرارة العالمية يؤدي، مع مرور الوقت، إلى ارتفاع منسوب سطح البحر، وانحسار الأنهار والبحار والجبال الجليدية خاصة في القطبين الشمالي والجنوبي، وتوسيع الصحارى، وانكماش الغابات، وتغير كمية هطول الأمطار والثلوج. وهذا ما نراه اليوم، حيث أصبحت الدول الأوروبية الباردة ومناطق شاسعة في كندا والولايات المتحدة الأمريكية تعاني من ارتفاع درجات الحرارة صيفاً بشكل غير مألوف أو معتاد في تاريخها. وقد تسبب ذلك في اندلاع العديد من الحرائق والوفيات. كما أنه مُقدر أن يؤثّر الاحتباس الحراري على أربعة أخماس محيطات العالم، بحلول عام 2050م، في حال استمرت الغازات الدفيئة في التزايد، وهو ما سيهدد الحياة البحرية والأسماك التي هي المصدر الرئيسي للغذاء لمليار شخص حول العالم. ومن المتوقّع أن يستمر الاحتباس الحراري إلى ما بعد عام 2100م، حتى لو توقفت انبعاثات الغازات الدفيئة، وذلك بسبب العمر الطويل لغاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي وضخامة السعة الحرارية للمحيطات. ولكن... ماذا عن الجهود الدولية للبحث عن حلول...؟ في عام 2015م، تناقشت بلدان الأمم المتحدة من خلال اتفاق باريس للمناخ، والذي يهدف إلى إبقاء التغير المناخي تحت حدود درجتين مئويتين. وقد وقعت على المعاهدة 194 دولة مع الاتحاد الأوروبي. كما انعقدت العديد من المؤتمرات والاجتماعات الدولية خلال السنوات القليلة السابقة من أجل رفع الوعي بتداعيات الاحتباس الحراري وضرورة التعاون الدولي للوصول إلى حلول عاجلة. وبعد انعقاد قمة العشرين بقيادة المملكة العربية السعودية، بذلت المملكة جهوداً كبيرة، منها تصدير أرامكو لأول شحنة في العالم من الأمونيا الزرقاء لاستخدامها في توليد الطاقة الخالية من الكربون، وذلك لتقليل أو إزالة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وإعادة تدويرها واستخدامها، بدلاً من إطلاقها في الغلاف الجوي. كما تعمل المملكة على الاستفادة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والتوسع في استخدام الطاقة النظيفة والخضراء والمستدامة. إن الاحتباس الحراري يُشكّل قضية مهمة تستدعي التكاتف الدولي لأنها قضية تمس كوكب الأرض والحياة عليه، وخاصة للأجيال القادمة. ** ** - خبيرة تقنية وتحليل إستراتيجي
مشاركة :