أثار إعلان المبعوث الأممي إلى ليبيا، برنارد دينو ليون، عن لائحة الأسماء المرشحة لحكومة التوافق الوطني، وآخرين لتولي مناصب سيادية في الدولة الليبية، ردود فعل واسعة، خاصة في الداخل الليبي زادت من حالة الانقسام السياسي التي تعانيها البلاد، منذ ما يزيد على أربع سنوات. اقترح ليون، أن يكون فائز السراج رئيساً لهذه الحكومة، إضافة إلى عدد من الأسماء الأخرى؛ أما المجلس الرئاسي، فسوف يتكون من رئيس الحكومة، فضلاً عن ثلاثة نواب ووزيرين. والواقع، أن القراءة الأولى لهذه الحكومة، عبر الشخصيات التي أعلن عنها ليون (الصخيرات، الخميس: 8 أكتوبر الجاري)، لا تؤشر إلى أنها حكومة توافق وطني؛ بل، هي أقرب إلى أن تكون حكومة تراشق غير وطني بامتياز. إذ، يرى البعض أنها خليط غير متجانس، وغير منسجم؛ والأهم، أن الإجماع المستحيل يقيدها، مما يمكن أن يدفع بها إلى القصور في أداء المهمة الموكولة إليها، وربما الفشل. والواقع، أيضاً، أن اقتراحات ليون تلك، بخصوص الأسماء المرشحة، تُثبت أنه، ابتعد كثيراً عن التعامل مع الأجهزة والمؤسسات الشرعية في الدولة الليبية، تلك المنتخبة من الشعب الليبي.. نعني: مجلس النواب وحكومته المؤقتة.. هذا، بالرغم من موجة التفاؤل التي سادت ردود الفعل العالمية والإقليمية، بعد الإعلان عن هذه الحكومة. فيما يعبر عن الأمل في التوقيع على اتفاق نهائي، يُنهي الأزمة الليبية سياسياً، ويبدأ تطبيقه خلال الأيام القادمة، رحبت الأمم المتحدة بإعلان ليون عن تشكيل الحكومة؛ ودعا أعضاء مجلس الأمن الدولي الأطراف الليبية إلى التوقيع النهائي على مسودة الاتفاق النهائي. أما الأطراف الإقليمية والعربية، فقد اتخذت، أيضاً، نفس الموقف من إعلان ليون، ومن ورائه المنظمة الدولية، خاصة مصر والإمارات وغيرهما، اللتين أعلنتا أن هذه الخطوة هي بداية خروج الساحة الليبية من أزمتها. وبالنسبة إلى القوى الكبرى، خاصة الولايات المتحدة، ومعها خمس دول من الاتحاد الأوروبي، هي: فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا، فقد سارت على نفس الدرب الذي سارت فيه المنظمة الدولية؛ بل، وهددت بعزل الذين: لا يحترمون اقتراح تشكيل الحكومة في ليبيا. أما مجلس الأمن الدولي، فقد زاد خطوة على تهديد هذه الدول الست؛ إذ، هدد بمعاقبة من يزعزع سلام ليبيا ويسعى لمنع إنجاز الاتفاق.. وهذا، في حقيقة الأمر، نوع من التذكير بأن لجنة العقوبات في الأمم المتحدة، على استعداد لمعاقبة المخالفين لإنجاز الاتفاق. هذه الأطراف، جميعا، رأت في إعلان برنارد دينو ليون الخطوة الرئيسية نحو استقرار ليبيا، وخروجها من الأزمة التي تمر بها.. لكن، رغم ذلك، يبدو أن الاتفاق الجديد يواجه مشكلات على الأرض. فهناك رد فعل الجماعات المسلحة المختلفة، التي تسعى إلى تحقيق المزيد من المكاسب عبر القتال؛ إضافة إلى دور القوات المسلحة، بقيادة خليفة حفتر الذي أصبح شخصية مثيرة للخلاف.. هذا، فضلاً عن أن إعلان ليون لم يُشِر، من قريب أو من بعيد، في حال تشكيل الحكومة، إلى صلاحيات المجلسين التشريعيين المتواجدين على الساحة الليبية: مجلس النواب، أو البرلمان، الذي يحظى باعتراف دولي وإقليمي وعربي واسع، والمؤتمر الوطني المُنتهية ولايته، وهو أحد الأطراف الرئيسية في الحوار الليبي - الليبي. أضف إلى ذلك، الاختلافات الداخلية حول الشخصيات التي أعلن ليون عن ترشحها لتولي مناصب، سواء في حكومة التوافق الوطني، أو في المجلس الرئاسي. لم تكد تمضي ساعات على إعلان المبعوث الأممي إلى ليبيا، حتى خرجت تظاهرات بمدينتي طرابلس ومصراتة (الجمعة: 9 أكتوبر)، تحت شعار حماية السيادة ورفض الوصاية، وهي تظاهرات دعت إلى رفض اقتراحات ليون، بخصوص أسماء المرشحين للحكومة الجديدة. والمثير للتأمل، هنا، أن هذه التظاهرات التي خرجت في مدينة طرابلس، جاءت على النقيض من موقف ميليشيات فجر ليبيا، التي تسيطر على العاصمة الليبية. فقد أعلنت فجر ليبيا عن تأييدها ودعمها للمرشح لرئاسة الحكومة، فائز السراج (أحد أعضاء البرلمان الليبي المنتخب)؛ وعبر بيانها المنشور على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، أكدت أنها: تؤيد فائز السراج لرئاسة حكومة التوافق الوطني الليبية، وذلك لإقامة دولة مدنية، بعيداً عن العسكريين، وعن أحلام المتقاعد حفتر. وذلك في إشارة إلى القائد العام للجيش الليبي. يأتي هذا على خلاف رؤية بعض أعضاء وفد المؤتمر الوطني، المنتهية ولايته، الذين اتخذوا موقفاً مختلفاً. فقد أعلن عبد الرحمن السويحلي، كمثال، وهو المرشح لرئاسة المجلس الرئاسي، بأن: أعضاء وفد المؤتمر الوطني لم يشاركوا في اختيار الحكومة، ولم يقدموا مرشحيهم، التزاماً بقرار المؤتمر بضرورة تضمين تعديلات على مسودة الحوار.. والملاحظ، أن إشارة السويحلي إلى التعديلات، كان قد رفضها ليون، مؤكداً أن مسودة الاتفاق غير قابلة للتعديل. ولم يتوقف الاختلاف الداخلي عند هذا الحد.. بل، إن ملاحظة مواقف الأحزاب السياسية الليبية، تُبرز أن ثمة اختلافات متعددة في هذا الشأن. حزب العدالة والبناء، ذو الخلفية الإسلامية، كمثال، أعرب عن ترحيبه بما أسماه: مقدمات ميلاد حكومة التوافق الوطني، معلنا عن استعداده لدعمها حال نيلها الثقة. أما حزب الوطن، الذي يترأسه عبد الحكيم بلحاج، فقد اتخذ الموقف المناقض. فقد أعلن عن: تحفظ الحزب على الأسماء التي أعلنها المبعوث الأممي، ومؤكدا، في الوقت نفسه، على: اعتراض الحزب على أسلوب البعثة الأممية في التعامل، بسبب عدم استشارتها أطراف الحوار حول أسماء الحكومة. وهكذا، يبدو بوضوح أن إعلان ليون قد ساهم في بروز الاختلافات، وظهورها على سطح الأفق السياسي لكثير من القوى والأحزاب السياسية في ليبيا.. وفيما يبدو، أيضا، فقد كان اقتراح ليون بمثابة خطوة لالقفز على الجدال القائم، منذ أشهر طوال، حول التعديلات المطلوبة من قبل المؤتمر الوطني المنتهية ولايته على المسودة، والمرفوضة من جانب البرلمان الليبي. بل، إن ليون، بهذه الخطوة، ربما أراد الانتقال إلى مرحلة جديدة من الجدال السياسي الليبي، ليكون حول الأسماء وليس حول التعديلات. وأيًا ما يكن الأمر، فإن خطوة ليون التي مثلها إعلانه عن الشخصيات المرشحة لتشكيل الحكومة الليبية الجديدة، قد انتقلت بالجدال السياسي إلى مرحلة نوعية جديدة على الساحة الليبية. لكن رغم ذلك، فإنه من الواضح أن الانتقال المشار إليه، سوف يضع في دائرة الضوء الإشكاليات المرشحة للتنامي خلال ما يأتي من أيام. ولعل أبرز ما يأتي، بهذا الخصوص، أن الأسماء التي رشحها ليون لتولي مناصب في الحكومة الجديدة، لن تستطيع أن تشغل مثل هذه المناصب، إلا بعد نيلها الثقة من جانب المجلسين التشريعيين المتواجدين على الأرض الليبية، في طبرق وطرابلس. وهذه النقطة تحديدا، هي أبرز المعوقات أمام تشكيل الحكومة.. هذا، قطعا، بالإضافة إلى الإشكالية الخاصة بقصر المدة الزمنية لعمر الحكومة. وهو ما يعني أن هذه الحكومة ستكون أقرب إلى حكومة تسيير الأعمال لمدة قصيرة من الزمن (عام واحد)، بما يشير إلى محدودية الأهداف التي يمكن لها أن تحققها. وماذا بعد(؟!).. إن حكومة الوفاق الوطني، التي ترى فيها الأمم المتحدة حلاً سحرياً للصراع بين الأطراف الليبية، لن تكون مؤهلة وقادرة على القيام بمهامها، إلا من خلال سلطة شرعية، تحظى بدعم المجتمع الليبي أولًا، والمجتمع الدولي ثانياً.. وقبل هذا وذاك، أن تتمكن من القضاء على مكامن القوة لدى الميليشيات المسلحة على الأرض الليبية. حسين معلوم* *كاتب وباحث مصري maaloumh@yahoo.com
مشاركة :