يقول موقع ديسموغ: "ثقافة التنقيب إلى ما لا نهاية وصلت إلى النهاية" كان ذلك التقييم للأمير عبد العزيز بن سلمان، أحد أكثر الأصوات المؤثرة في أسواق النفط، عن المستقبل المحتمل لقطاع النفط الصخري. وبكونه وزيرًا للطاقة في المملكة العربية السعودية، يعتبر الأكثر معرفة بالسوق. وجاء الرد من منتجي النفط في أمريكا – بالسكوت وتجرع الأمر – بصمت بما يؤكد هذه الحقيقة. الأرقام تؤيد استنتاج الوزير، فيبدو أن حقبة نمو النفط الصخري قد انتهت. والسبب يعود إلى أنه مع ارتفاع الطلب العالمي على النفط وارتفاع الأسعار، فإن اقتصادية الأعمال الخاصة بالنفط الصخري لا تزال غير صالحة للعمل بها. إن قطاع النفط الصخري الأمريكية قد خسر مئات المليارات من الدولارات في العقد الماضي بإنتاجه للنفط وبيعه بأقل من تكلفة الإنتاج. كان ذلك ممكنًا بالرغم من الخسائر، لم ينفك المستثمرون في ضخ الأموال لذلك القطاع لكن الآن يبدو أن المستثمرين قد بلغ معهم السيل الزُبى نتيجة خسارتهم المالية في شركات النفط الصخري الأمريكية حتى انخفضت عمليات الإقراض لذلك القطاع بشكل كبير. وكما أوردت صحيفة وول ستريت جورنال هذا الشهر في مقال بعنوان "الأسواق الكبرى لم تظهر حماسا كبيرا بتمويل شركات الحفر الجديدة" لقطاع النفط الصخري في الولايات المتحدة. وقال شايع حسين زادة، وهو شريك في شركة الاستثمار أونكس بوينت غلوبال مانجمنت إل بي (OnyxPoint Global Management LP)، إن المشكلة التي تواجه شركات التنقيب التي تستخدم تقنية التكسير الهيدروليكي هي أنها "لا تستطيع بعد الآن الوصول إلى رؤوس أموال ذات نسب فائدة قليلة ". موقع ديسموغ يقول إنه من دون دعم مالي جديد، لا يمكن الحفر لاستخراج النفط، وذلك هو السبب الذي يجعل السعوديين يشعرون بالثقة مع تراجع قطاع النفط الأمريكي. وكما قال محلل قطاع النفط روبرت كلارك من شركة وود ماكنزي مؤخرًا لصحيفة فاينانشيال تايمز: "إذا كان هناك وقت للتنقيب عن النفط الصخري، فالآن هو الوقت المناسب. (مع ارتفاع الأسعار)... لكن لماذا تغير الوضع؟ لأن التنقيب لا يصب في مصلحتهم". إن ما يحدث مع قطاع النفط الصخري الأمريكي، رغم ارتفاع الأسعار، أمر غير معتاد. إن النفط بالعادة تجارة تعتمد على فترات من النجاح والأرباح متبوعة بفترات من الركود والفشل التي يمكن توقعها: فعند ارتفاع الأسعار، يعمل منقبو النفط على إنتاج أكبر قدر ممكن، ويتوقفون عند انخفاض الأسعار. لكن بالنسبة للمنقبين الأمريكيين الآن، فإن الاستثمارات المالية غير متاحة لامتناع المستثمرين عن إقراض شركات التنقيب التي تستخدم تقنية التكسير الهيدروليكي على أساس وعود بمكاسب مستقبلية لم تتشكّل بعد بالنسبة للقطاع. وفي عام 2020 أصدرت شركة ديلويت للمحاسبة (DeLoitte) تقريرًا جاء فيه أن "قطاع النفط الصخري في الولايات المتحدة سجل صافي تدفقات نقدية حرة سلبية بقيمة 300 مليار دولار، بعجز أكثر من 450 مليار دولار من رأس المال الذي تم استثماره، وشهد أكثر من 190 حالة إفلاس منذ عام 2010" – مما يدعم الادعاء بأن القطاع قد بلغ ذروته دون أن يحقق أرباحا على الإطلاق. وقد انتبه المستثمرون لذلك الأمر، بما في ذلك قطاع رؤوس الأموال الخاصة الذي استثمر بشكل كبير في الطفرة التي حصلت في قطاع التكسير الهيدروليكي. وسلط دان بيكرينغ، رئيس شركة الاستثمار في الطاقة، بيكرينغ إنرجي بارتنرز، الضوء على كيف فقدت رؤوس الأموال الخاصة اهتمامها بالمزيد من الاستثمار في صناعة النفط الصخري في عرضه الرئيسي في مؤتمر رؤوس أموال الطاقة السنوي في يونيو. ووفقًا لبيكيرينغ، وعلى الرغم من عجز القطاع في تحقيق الأرباح، أنشأت رؤوس الأموال الخاصة في عام 2016م 122 شركة نفط وغاز جديدة. وفي عام 2017 دعمت رؤوس الأموال الخاصة 132 شركة جديدة. وذلك بالمقارنة مع دعم رؤوس الأموال الخاصة لـ 16 شركة في عام 2020 وأربع شركات جديدة فقط هذا العام. "آلة تدمير رأس المال" بحاجة للمال لقد وصف قطاع النفط الصخري في الولايات المتحدة بدقة بأنه يتألف من "آلات تدمير لرؤوس الأموال". مئات المليارات من الخسائر التي تراكمت في هذا القطاع في العقد الماضي تثبت أن هذا صحيح. ومع استعداد عدد قليل من المستثمرين لتوفير رأس مال جديد لاستخدام تلك الآلة، فإن الخيار الوحيد هو عدم التنقيب، على الرغم من أن الأسعار هي الأعلى منذ سنوات، حيث تبلغ حوالي 75 دولارًا للبرميل. إذ وصلت أسعار النفط لفترة وجيزة إلى 75 دولارًا للبرميل في عام 2018 لكنها لم تكن مستمرة من تلك الأسعار المرتفعة التي كانت عليها منذ عام 2014. ووفقًا لقطاع النفط الصخري، فإن هذه الأسعار أعلى بكثير مما هو مطلوب لتحقيق الربح. مع هذا القطاع لم يعد يقوم بالتنقيب، وفي مناطق مثل باكين شيل بلاي (Bakken shale play) في داكوتا الشمالية، فإن الإنتاج يتهاوى في الواقع. وفي مارس 2020 قدم لين هيلمز، مدير إدارة الموارد المعدنية في ولاية داكوتا الشمالية، توقعات متفائلة لإنتاج النفط الصخري من الجزء الخاص بالولاية من تشكيل باكين، وهو مكمن للنفط الصخري تبلغ مساحته 200 ألف ميل مربع تحت ولايتي مونتانا وداكوتا الشمالية في الولايات المتحدة، وساسكاتشوان ومانيتوبا في كندا. ووفقًا لوكالة بلومبيرغ، أوضح هيلمز في ندوة عبر الإنترنت: "لقد نظرنا في عدد كبير من سيناريوهات الأسعار ولم يكن أي منها أقل من مليون برميل يوميًا في السنوات الأربع أو الخمس المقبلة". لكن رغم ارتفاع الأسعار إلى أكثر من 70 دولارًا للبرميل، لم يزد إنتاج حقل باكين. إذ انخفض المعدل الحالي الذي يزيد قليلًا على مليون برميل يوميًا بنسبة 26 % عن ذروته في عام 2019 البالغة 1.5 مليون برميل يوميًا. وكما وثّق موقع ديسموج مؤخرًا، فإن التحديات التي تواجه منتجي النفط في هذه المنطقة تعني أن "أفضل أيام حقل باكين باتت من الماضي". لكن ليس الأمر مقصورا على حقل باكين، إذ إن المستثمرين لا يرغبون في خسارة المزيد من الأموال بالاستثمار في أي حقل نفط صخري في الولايات المتحدة. والواقع أن أحدث دراسة استقصائية لشركات النفط والغاز أجراها بنك الاحتياطي الفيدرالي في دالاس تؤكد ذلك بوضوح تام إذ ذكرت: "لدينا علاقات مع حوالي 400 مستثمر مؤسسي وعلاقات وثيقة مع 100. ويرغب تقريبًا شخص واحد في ضخ رأس مال جديد للاستثمار في النفط والغاز. القصة هي نفسها بالنسبة للشركات العامة وشركات التنقيب الدولية ودون هذه الأموال، لا يمكن للمنقبين التنقيب. وطلب موقع ديسموج من المختص بجيولوجيا النفط آرت بيرمان إبداء رأيه حول سبب اختيار صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة عدم زيادة الإنتاج وسط ارتفاع أسعار النفط حاليًا. وقال بيرمان عبر البريد الإلكتروني": أعتقد أن العامل الرئيسي وراء عمليات التنقيب المحدودة إلى حد ما من قِبل شركات النفط التي تمر بضائقة مالية هو الافتقار إلى رأس مال خارجي". يتفاخر قطاع النفط الصخري - المعروف بتضليل المستثمرين – بممارسته ضبط النفس لتفسير عدم وجود عمليات تنقيب جديدة. وقد انعكست هذه الحجة في العنوان الرئيسي الأخير لصحيفة وول ستريت جورنال، "شركات التنقيب عن النفط الصخري في الولايات المتحدة يمارسون ضبط النفس بينما تتجاوز أسعار النفط 70 دولارًا". وهذا مضلل لأنه يعني ضمنًا أن شركات التنقيب تختار عدم الحفر بينما في الواقع الوضع المالي هو من يحدها على هذا الخيار. إذ تواجه هذه الصناعة قيدًا ماليًا حقيقيًا للغاية ناتج عن قرارات المستثمرين، وليس بسبب إرادة أولئك الذين يعملون في هذه الصناعة. موقع ديسموغ يقول إن الحقيقة هي أن المستثمرين يفرون من الاستثمار في هذا القطاع، ومن غير المرجح أن يعودوا للاستثمار فيه. ففي أوائل يونيو، في مؤتمر رؤوس أموال الطاقة السنوي الذي تنظمه هارت إنرجي في هيوستن، عُقدت حلقة نقاش حول حالة إقراض البنوك لشركات النفط، أدارها ستيف تون، رئيس تحرير مجلة أويل آند غاز إنفيزتور(Oil and Gas Investor). واختتم تون الجلسة بسؤال بسيط: "هل تعتقدون أن هناك ما يكفي من رأس المال المتوفر في سوق اليوم لزيادة الإنتاج في الولايات المتحدة؟". وجاء رد ستيف كينيدي، نائب الرئيس التنفيذي ورئيس الخدمات المصرفية لتمويل قطاع الطاقة في بنك أميغي: "لا أعتقد أن هناك ما يكفي من رأس المال المتوفر الآن لزيادة الإنتاج، ناهيك عن استبدال الاستهلاك". بينما قال بادي كلارك، الرئيس المشارك لممارسة الطاقة في شركة هاينز آند بون (Haynes and Boone):" ليس اليوم. ولكن في يوم ما. سيتم جذب رأس المال إلى هذه الصناعة عند ارتفاع الأسعار"، وأضاف "إذا كانت شركات النفط تجني أموالًا فإن المصارف تريد أن تشارك". وتشير بعض التقديرات إلى أن صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة خسرت نصف تريليون دولار من أموال المستثمرين خلال طفرة التكسير الهيدروليكي في الولايات المتحدة. وهذا هو المبلغ المطلوب لتمويل آلات تدمير رؤوس الأموال التي تنتج النفط بمقدار يتجاوز ما كان القطاع قادرا على كسبه وإعادة استثماره من بيع النفط. وهناك فرصة ضئيلة جدًا من أن يتمكن القطاع من استعادة هذه الأموال. إن تاريخ طفرات السوق مليء بالادعاءات بأن "هذه المرة مختلفة"، وأن اقتصادات السوق العادية لم تعد قائمة. ولا شك كان هذا هو الحال في طفرة الإسكان في الولايات المتحدة التي تسببت في الركود الكبير. وكما أوضح موقع ديسموغ في عام 2018م، فإن هذه الطفرات مدفوعة بالسياسة النقدية الأمريكية التي تسمح لها بالاستمرار لفترة أطول بكثير مما قد يبدو معقولًا. ومن هذا المنظور، كانت طفرة النفط الصخري في الولايات المتحدة طبيعية. ومع ذلك، وعلى غرار طفرة شركات تكنولوجيا المعلومات في التسعينيات وطفرة الإسكان في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، يسأم المستثمرون في النهاية من خسارة الأموال، وتصبح القواعد القديمة للاستثمار – حيث يتوقع المستثمرون الحصول على عائد من استثماراتهم – جذابة مرة أخرى. ويبدو أن طفرة النفط الصخري في الولايات المتحدة قد وصلت إلى تلك اللحظة. فهذه ليست النتيجة التي وعد بها أصحاب هذه الصناعة ومؤيدوها المستثمرين. وفُهمت أخيرًا حقيقة أن هذه الصناعة لم تحقق أربحًا، وفق موقع ديسموغ.
مشاركة :