بيروت/بروكسل - أبدى الرئيس اللبناني ميشال عون اليوم الجمعة تفاؤله بتجاوز لبنان الظروف الصعبة التي يمرّ بها حاليا، واعدا ببذل الجهود للخروج من الأزمات التي يعاني منها اللبنانيون، بحسب بيان صادر عن الرئاسة اللبنانية يأتي فيما يزداد الوضع قتامة بعد أن اعتذر رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري عن تشكيلة الحكومة بعد نحو تسعة أشهر من تاريخ تكليفه. وتفاؤل عون واحدة من المفارقات في المشهد اللبناني فتصريحاته تأتي على اتجاه مناقض تماما للواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في بلد يشرف بالفعل على انهيار شامل مع تعطل كل جهود الإنقاذ. ومن المفارقات أيضا أن تأتي تصريحات عون بعد يوم من اعتذار الحريري عن تشكيل الحكومة بسبب خلافات عميقة مع الرئاسة وصراع على الحقائب الوزارية والمصالح والنفوذ بينما يغرق لبنان في أسوأ أزمة في تاريخه وتزداد عزلته إقليميا ودوليا. وبرر الرئيس اللبناني تفاؤله بأن "الأحداث أثبتت أن إرادة الحياة عند اللبنانيين مكّنتهم دائما من التغلب على صعوبات كثيرة في الماضي"، مشددا "على رهانه على الجيل الشاب في بناء مستقبل لبنان الذي نريده". وقال "لا شيء يجب أن يُحبط اللبنانيين رغم قساوة ما يتعرضون له"، واعدا ببذل كل الجهود "للخروج من الأزمات المتلاحقة التي يعانون منها". ودعا "إلى التركيز على أهمية وجوب تكامل العلم والدين في تحسين ظروف التلاقي الإنساني، بما يكفل محاربة محاولات أخذ الأديان إلى وجهات لا تعكس قيمها ومبادئها". واعتبر أن ما يقال عن الحكم المدني "لا يستقيم إلا من خلال توحيد القوانين وأهمها قانون الأحوال الشخصية لما يحمله من مساواة للجميع وهو يحتاج إلى تعاون كل الفرقاء اللبنانيين وجمع الأفكار المختلفة". وكان يمكن أن ينظر لرؤية عون المتفائلة والتي ضمنها بعدا إنسانيا في ظرف غير الظرف الذي يعيشه لبنان وفي سياق غير سياق الأزمة الراهنة، فبدا الرئيس اللبناني كأنه في واد ومعاناة الشعب المتفاقمة في واد آخر. ويشهد لبنان منذ نوفمبر/تشرين الثاني عام 2019 أسوأ أزمة مالية واقتصادية تضعه ضمن أسوأ عشر أزمات عالمية وربما إحدى أشد ثلاث أزمات منذ منتصف القرن التاسع عشر، في غياب أي مؤشر على حل قريب للأزمة، بحسب تحذير البنك الدولي في يونيو/حزيران الماضي. كما يشهد أزمة سياسية حالت دون تشكيل حكومة جديدة بعد استقالة حكومة حسان دياب في 10 أغسطس/اب الماضي على خلفية انفجار 4 أغسطس/اب الذي هز مرفأ بيروت واعتذار رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري عن عدم تشكيل حكومة جديدة أمس الخميس. ومن شأن هذه التطورات أن تطيل الأزمة، حيث تشترط الجهات المانحة تشكيل حكومة تكون قادرة على تنفيذ إصلاحات ملحة، للإفراج عن قروض وهبات بمليارات الدولارات. وأصاب اعتذار الحريري الدول المانحة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بخيبة أمل. وقال وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الجمعة إن الاتحاد يشعر "بأسف عميق" لقرار رئيس الوزراء اللبناني المكلف الاعتذار عن عدم تشكيل حكومة وإبقاء البلاد في طريق مسدود. وأضاف في بيان "يشعر الاتحاد الأوروبي بأسف عميق للمأزق السياسي المستمر في البلاد وعدم إحراز تقدم في تنفيذ إصلاحات عاجلة". ويستعد الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات في نهاية الشهر الحالي على قادة سياسيين محددين يعتبرهم مسؤولين عن وصول الوضع إلى طريق مسدود في البلاد. وقد حصل بالفعل توافق سياسي بين وزراء خارجية الاتحاد خلال اجتماع في بروكسل الاثنين للتحضير لهذه العقوبات. وقال بوريل "منذ عام تقريبا لا توجد في لبنان حكومة قادرة على العمل، ما أدى إلى أزمة مالية واقتصادية غير مسبوقة يعاني الشعب اللبناني من عواقبها المأساوية"، مضيفا "تقع على عاتق القادة اللبنانيين مسؤولية حل الأزمة الداخلية الحالية التي تسببوا فيها هم أنفسهم"، مؤكدا أن "لبنان بحاجة إلى حكومة قادرة على تنفيذ إصلاحات اقتصادية والحكم والتحضير لانتخابات 2022 التي يجب إجراؤها في موعدها المحدد". وأكد وزير خارجية الاتحاد أن "اتفاقا مع صندوق النقد الدولي يبقى ضروريا لإنقاذ البلاد من الانهيار المالي". وتأتي هذه التطورات بينما يستعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لاستضافة مؤتمر دولي جديد حول لبنان الشهر المقبل في الذكرى الأولى لتفجير مرفأ بيروت وذلك بهدف مساعدة اللبنانيين في خضم الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي تواجه بلادهم، بحسب ما ذكرته وزارة الخارجية الفرنسية اليوم الجمعة. وقالت الوزارة في بيان إن ماكرون سينظم المؤتمر في الرابع من أغسطس/اب بالتعاون مع الأمم المتحدة "استجابة لحاجات اللبنانيين الذين يتدهور وضعهم كل يوم" بحسب قناة فرنسا 24. وأضافت أن فشل الحريري في تشكيل حكومة "يؤكد الجمود السياسي الذي فرضه القادة اللبنانيون منذ أشهر، حتى فيما يواجه لبنان أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة". وأوضحت أن هناك "ضرورة ملحّة" في الوقت الحالي لإزالة هذه "العقبة المتعمدة وغير المقبولة" والسماح بتشكيل حكومة في لبنان والتعجيل في تعيين رئيس للوزراء. وكان الرئيس الفرنسي استضاف في أغسطس/اب الماضي مؤتمرا أمميا عقب الانفجار المروّع الذي دمرّ مرفأ بيروت وأجزاء كبيرة من العاصمة، في الرابع من نفس الشهر، حشد خلاله نحو 250 مليون يورو من التعهدات.
مشاركة :