قالت نائبة الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك الكويت الوطني، شيخة البحر، إن الاقتصاد الكويتي يواجه أزمة غير مسبوقة، وتداعياتها ممتدة، وقد فاقم من تلك التداعيات ما يعانيه الاقتصاد من اختلالات هيكلية واعتماد كبير على النفط. وأشارت البحر خلال مشاركتها في الملتقى الذي نظّمه بنك الكويت المركزي حول تقرير الاستقرار المالي لعام 2020، إلى أن تداعيات الأزمة على الاقتصاد الكويتي قد انعكست بوضوح في تقرير وكالة ستاندرد آند بورز، الذي خفضت فيه التصنيف الائتماني للكويت، وما ذكرته من وصول العجز المالي إلى 33 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد خلال عام 2020/ 2021، مسجلاً أعلى مستوى بين كل الدول التي تصنّفها. وأضافت البحر أن القطاع المصرفي يمثّل النقطة المضيئة في الاقتصاد الكويتي، وسط تلك التداعيات، وهو ما يرجع الفضل فيه بالأساس إلى جهود بنك الكويت المركزي على مدار السنوات الماضية، والتي أثمرت بناء نظام مصرفي قوي يتمتع بمستويات رسملة قوية وجودة أصول استثنائية وسيولة وافرة. وأوضحت أن البنوك نجحت خلال فترة زمنية قصيرة في التعافي من الأزمة المالية العالمية عام 2008 وما نتج عنها من تداعيات عام 2009، ورغم ما شهده العقد الماضي من تحديات على الصعيدين الإقليمي والدولي، فقد نجحت البنوك في تخطّي هذه التحديات بثبات، مع الحفاظ على تطوّرها طوال تلك الفترة، مما يجعلها اليوم قادرة على قيادة دفّة تعافي الاقتصاد. وقد أكد تقرير وكالة ستاندرد آند بورز قوة القطاع المصرفي، رغم خفض التصنيف السيادي للكويت، حيث أشارت الوكالة إلى مواجهة البنوك الكويتية لتداعيات الجائحة مرتكزة إلى ما تتمتّع به من أسس صلبة، إلى جانب ما تلقّته من دعم بفضل الإجراءات التي سارع بنك الكويت المركزي إلى تنفيذها لتخفيف وطأة التداعيات وزيادة قدرتها على دعم الاقتصاد. وأكدت البحر أن العديد من التحديات التي تواجهها البنوك لا تزال قائمة في ظل استمرار تداعيات الوباء على الاقتصاد والتي تتزامن مع استمرار الاختلالات التي تضع ضغوطاً تحد من قدرة الاقتصاد على النمو وقدرة القطاع المصرفي على قيادة تنمية اقتصادية مستدامة طويلة الأجل ترتكز إلى تمكين القطاع الخاص وتعزيز مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي وخلق فرص عمل. وأشارت إلى الدعم الذي تلقته البنوك الكويتية من بنك الكويت المركزي في مواجهة التحديات على صعيد الصناعة المصرفية، بسبب ما تشهده من تطور متسارع وجهود المركزي في ذلك الشأن والخاصة بحماية العملاء، وتمكين التقنيات المصرفية المتطورة، ومكافحة الجرائم الإلكترونية والاحتيال المالي. وعلى صعيد الاقتصاد الكلي، أكدت البحر أن هناك العديد من التحديات التي تأتي في مقدمتها التجاذبات السياسية وما ينتج عنها من تفاقم التحديات، مثلما نشهد بشأن تجديد قانون الدَّين العام، وأثر ذلك على استمرار مشكلة شح السيولة. إضافة إلى ما يعانيه الاقتصاد من غياب التنوع والاعتماد على الإنفاق الحكومي، وما ينتج عنه من تأثيرات سلبية على قدرة الاقتصاد على خلق الوظائف، مما يؤكد الحاجة إلى زيادة الاعتماد على القطاع الخاص في دفع النمو الاقتصادي. ودعت البحر إلى التكاتف في مواجهة ما وصفته بأبرز التحديات التي تواجه البنوك، والمتمثلة في مدى قدرتها على تحقيق نمو مستدام وتكثيف جهودها في مجالات حماية البيئة والمسؤولية الاجتماعية والامتثال لمعايير الحوكمة. وبينت أن البنوك الكويتية بقيادة بنك الكويت المركزي نجحت إلى حد كبير في الامتثال لمعايير الحوكمة العالمية، بينما تبقى ركائز التنمية المستدامة الأخرى من حماية البيئة والمسؤولية الاجتماعية بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود من أجل دعم احتفاظ البنوك الكويتية بمكانتها الريادية على مستوى المنطقة. وألقت البحر الضوء على ضرورة حماية البيئة ودور البنوك في ذلك الصدد، ليس فقط كركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة، ولكن أيضاً لما قد يحمله عدم التعامل مع التطورات في ذلك الصدد بشكل جيد من مخاطر كبيرة. وأشارت إلى المخاوف المتزايدة على مستوى العالم بشأن التغير المناخي، كما حذرت من عدم كفاية ممارسات حماية البيئة وما يمكن أن تتعرّض له المؤسسات من عقوبات مباشرة، مثل الغرامات المالية، وغير مباشرة من خلال الإضرار بسمعتها. وأكدت أن مسؤولية البنوك في حماية البيئة تتجاوز التأثير المباشر لأنشطتها التشغيلية، وتمتد إلى الآثار البيئية لأنشطتها التمويلية، مما يجعلها بحاجة إلى تطوير المناهج الخاصة بتقييم ممارسات حماية البيئة والمسؤولية الاجتماعية والحوكمة المؤسسية لكل أصحاب المصالح والإدراك الكامل لتأثير ما تقدمه من تمويلات على تغير المناخ وانبعاثات الغازات الدفيئة، وما يتطلبه ذلك من العمل مع أصحاب المصالح كافة، للتأكد من الالتزام بأهداف التنمية المستدامة وممارسات حماية البيئة والمسؤولية الاجتماعية والحوكمة. وأشارت إلى المكاسب التي يمكن أن تجنيها البنوك الكويتية من امتثالها لممارسات حماية البيئة والمسؤولية الاجتماعية والحوكمة من جذب مزيد من المستثمرين العالميين الذي يمنح البنوك قاعدة تمويل مستدامة، في الوقت الذي بلغ إجمالي حجم سندات تمويل ممارسات الاستدامة 1.6 تريليون دولار عالمياً، مع توقعات تشير إلى وصول حجم الأصول المستثمرة في ممارسات حماية البيئة والمسؤولية الاجتماعية والحوكمة إلى 53 تريليون دولار بحلول عام 2025. وأوصت البحر بضرورة وقوف البنوك على تأثير التغيرات المناخية على عملياتها وما قد تحمله من مخاطر على مركزها المالي، في ظل تصاعد وتيرة المخاوف العالمية بشكل متسارع خلال الآونة الأخيرة. كما دعت إلى ضرورة الاستعداد لتطبيق معايير امتثال أكثر صرامة بشأن الإفصاح والشفافية عن الممارسات المتعلقة بمعايير حماية البيئة والمسؤولية الاجتماعية والحوكمة، والتي أصبحت إلزامية في العديد من الأسواق حول العالم.
مشاركة :