شعراء زمان يحيون ليالي السمر بأشجانهم

  • 10/16/2015
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

لا تحلو ليالي السمر قديماً إلاّ بوجود شاعر أو أكثر يشدو بما لديه من قصائد بالشعر النبطي "الشعبي"، فيشد بها الحضور بحلاوة معانيها وجميل سبكها وبما تحويه من معان كثيرة في شتى فنون الشعر، من الحكمة، والفكاهة، والعشق، والمعاناة، وان لم يكن في تلك المجالس شاعر فإنها غالباً لا تخلو من وجود راوية للشعر يسمع الحضور عدداً من أبيات الشعراء التي قد يسبقها عدد من القصص والمواقف. مجالس الشعر كانت المتنفس الوحيد للهروب من هموم الحياة..واليوم انصرف عنها جيل الترفيه والفضائيات وكان الشعر لدى جيل الأمس متنفساً، يجد فيه الناس تسلية لهم مما يجدونه من صروف الليالي والأيام وحياة الكدّ والمعاناة، ولا زال هناك العديد ممن يهوى هذا الشعر ويعشقه في أيامنا هذه، رغم انشغال الناس بما أفرزته الحضارة من تقدم طغى على البساطة التي كان يعيشها جيل الأمس حيث كثرت الملهيات وزاد انشغال الناس؛ مما قلل فرصة اللقاءات التي إن وجدت فقد غلبت عليها الرسميات وعنصر المجاملات التي يطغى عليها الحديث عن واقع الحياة المرير، إثر لهث الجميع وراء آخر الأخبار العالمية وما أنتجته الأسواق من سلع -خصوصاً التقنية-، إضافة إلى متابعة أسواق المال مروراً بأخبار الرياضة التي لم تعد المحلية فقط بل تعدتها إلى العالمية، ففقدت ليالي السمر سماع أبيات القصيد الجميلة وصار من النادر أن تسمع شعراً يلقى إلاّ في مناسبة كزواج أو تخرج أو اجتماع، وصار جل الشعر الذي يسمع تصرف معانيه على هذه المناسبة مما أفرز جيلاً جديداً من الشعراء باتوا يسمون شعراء المناسبات. مجالس السمر وعندما تلامس أذنيك كلمات قصيدة جميلة ذات معان عذبة فانك لا شعورياً تنصت بإعجاب وتبدو عليك علامات الإشادة حتى ولو لم تنطق ببنت شفة، وذلك لما فطر الإنسان عليه عند سماع كلمات محببة إلى القلب من الارتياح وانشراح الصدر، فالشعر يعتبر واحداً من أكثر الفنون رواجاً واستعمالاً حتَّى على مستوى الحياة اليوميّة، فالعديد من الأبيات الشعريّة صارت أمثالاً تُحكى في المواقف المناسبة لها، ويتميّز الشعر بإيقاعه الموسيقيّ الجميل وتناسق مفرداته وسهولتها وجمال التشبيهات الأدبيّة فيه، فكل هذه الأسباب أسهمت وبشكلٍ كبير في نموّ حبّ الشعر عند الناس على اختلاف أصنافهم. وفي الماضي القريب كان (القصيد) وهو ما يطلقه الأجداد على القصائد الشعرية منتشراً بين الناس لكثرة الشعراء ولأن الجميع يردده في مجالس السمر وفي اللقاءات حتى ليخيل إليك بأن الجميع شعراء ولكن لمحبتهم لهذا الفن فقد باتوا من المبدعين فيه، لذا فقد كان الشعر فيما مضى مجال تنفيس عما يدور في النفس ومجال تسلية، لذا كانت معظم المجالس لا تخلو من وجود شاعر يصف معاناته أو تجاربه أو يطلق شعراً فكاهياً يثري به جلسات السمر، ويبرز كثيراً شعراء نجباء تعد قصائدهم درراً تتلألأ تنتشر بيت الناس فلجودتها وجمالها يطير بها الرواة بين البلدان فتذيع شهرتها، كما هو الحال مع الشاعر حميدان الشويعر الذي طغى لقبه على اسمه الحقيقي وهو حمد السياري من أهالي مدينة القصب والذي رغم رحيله منذ أكثر من قرنين من الزمان إلا أن شعره لا يزال باقياً بين الناس لعذوبته وفكاهته ولما فيه من الأمثال والحكم والتجارب التي لا زال ينهل منها الناس إلى يومنا هذا، ومن شعر الحكمة قوله: طالب الفضل من عند الشحاح مثل مهدي وقت الصرام لقاح أو مثل طابخ الفاس يبغي مرق أو مثل حالب التيس يبي مناح أربع يرفعن الفتى بالعيون الظفر والكرم والوفا والصلاح وأربع ينزلن الفتى للهوان البخل والجبن والكذب والسفاح تاريخ الشعر ولا يمكن التكهن ببداية قول الشعر ولكن الشعر وخاصة العربي قديم جداً فقد عرف قبل ظهور الإسلام بقرون، ففي الجاهلية كان الشعر منتشراً في شتى بلادهم وقد بلغ من حبهم للشعر والفصاحة أن جعلوا محكمين للشعر في سوق عكاظ الذي سبق ظهور الإسلام ويقام كل عام فيجتمع فيه كبار الشعراء ويتبارون في إلقاء قصائدهم أمام الشاعر النابغة الذبياني الذي كان تضرب له قبة من (أدم) فيجتمع إليه فيها فطاحلة الشعراء كأمثال حسان بن ثابت والأعشى والخنساء وغيرهم فيتم سماع قصائدهم ونقدها ومن ثم يتم الاتفاق على أشعرهم برضاً من الجميع، وبعد ظهور الإسلام كان للشعر شأن فقد كان سنداً قوياً للدعوة الإسلامية للرد على أكاذيب الشعراء وطعنهم وقد برز من هؤلاء الصحابي الجليل حسان بن ثابث رضي الله عنه حتى لقب بشاعر الرسول صلى الله عليه وسلم فشدا بأعذب الأبيات في وصفه صلى الله عليه وسلم والتي لا زالت تردد حتى اليوم. أغراض الشعر تعددت أغراض الشعر منذ القدم ولعل أكثرها كان في الغزل والمدح والحكمة وقليل منها في الهجاء، كما كان بعض الشعراء يكني بما يريد بأبيات من الشعر يختصر فيها مشكلته ويطلب حلها فيفهمها من لديه معرفة بالشعر وقد وردت العديد من القصص في هذا المجال ففي قصة قديمة مشهورة في بداية ظهور الإسلام كان المشتكي فيها امرأة شاعرة دخلت على الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه تشتكي زوجها فقالت: يا أمير المؤمنين إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل، وأنا أكره أن أشكوه وهو يعمل بطاعة الله - عز وجل- فقال عمر - رضي الله عنه - نعم الزوج زوجك، فقال كعب الأزدي وكان في مجلس عمر يا أمير المؤمنين إن هذه المرأة تشكو زوجها في مباعدته إياها، فقال عمر كما فهمت شكواها فاقض بينهما. وفي عصرنا الحاضر وردت العديد من القصص التي أوجز فيها صاحبها القصة في أبيات معبرة عن معاناته ومن تلك القصص قصة تلك المرأة التي استمرت لمدة ثماني سنوات هي عمر زواجها من شخص لم يعطها فيها حق الزوجية فلما طفح بها الكيل بعد صبر تلك السنين جاءت اللحظة الحاسمة التي لم تستطع فيها كبح مشاعرها حيث أنشدت أبياتاً تلخص فيها معاناتها بتورية لطيفة ليس فيها تشهير أو تجريح ويقال أن هذه الشاعرة قد قالت هذه الأبيات وهي خالية فسمعها زوجها وهي لا تدري. توثيق وتدوين ومن فوائد الشعر توثيق الأحداث المهمة والمناسبات وكذلك وصف بعض الأماكن، حيث أبقت لنا القصائد الشعبية خصوصاً إرثاً تاريخياً كبيراً يحكي الكثير من حياة الناس في الماضي القريب من حيث طبيعة الحياة ومن ذلك سنين الجوع والحاجة والحالة الاقتصادية والاجتماعية من خلال تدوين ونشر ورواية العديد من هذه القصائد التي تبين البون الشاسع الذي نراه بين حياة اليوم والأمس، فقد كانت القصائد في كل عصر تعكس حال الناس التي يعيشونها وتحكي همومهم وآمالهم وتطلعاتهم، لذا تعد هذه القصائد مرجعاً مهماً للعديد من الباحثين والمهتمين الذين يوردونها في مؤلفاتهم للاستشهاد بها، كما استطاع البعض تحديد تاريخ بعض الأحداث المهمة من خلال تلك القصائد التي ذاع صيتها. أعذب الشعر وقيل قديماً أن أعذب الشعر أكذبه وذلك في الوصف وخاصة معاناة الحب وألم الفراق تحديداً، فالشاعر يصف معاناته في الحب وصفاً يفوق الخيال، بينما يصور بعض الشعراء مثلاً قوته وصبره بوصف خارق لا تتصوره العقول ولكن مع ذلك نجد بأن هذه القصائد تحمل من المعاني والجمال الشيء الكثير الذي يمتع السامع ويجعله لا يمل، ولصعوبة سبك معان بهذه الصفة نجد أن قليل من فطاحلة الشعراء هم من يطرق هذا الوصف في قصائده، ولعل فن المحاورة هو من الفنون التي تتطلب حضور شاعر قوي سريع البديهة ليبدع أبياتاً في الحال من أجل الرد على الشاعر الذي يحاوره لذا نجد أن هذا الفن من أصعب فنون الشعر لذا تجد شعراء المحاورة أو (القلطة) كما يسميهم البعض قليلين؛ مما جعل صيتهم ينتشر ويزيد الطلب عليهم من أجل إحياء الزواجات والمناسبات، وبات لهم جمهورهم الخاص الذي يتابعهم ويسعى جاهداً لحضور حفلاتهم التي تثري المناسبات وتشيع جواً من الفرح. شعراء زمان يمتاز الشاعر المتمكن بقدرته على الوصف، فعند ظهور أي شيء جديد من المخترعات مثل السيارات والكهرباء والإسفلت والهاتف تجد الشعراء يتسارعون لوصفه إعجابا به فعند ورود السيارات مثلاً انبرى لوصفها العديد من الشعراء مثل قول الشاعر هايف النعيم المطيري : قم يانديمي فوق جمس منجب من الوكالة ساع ورد موديله مجمعين اجزاه توه مركب مواصفاته عن اخوانه قليلة لامن بخاخه ورى عايمه صب دقت بلوفه كل بلف وقبيله قامت بلوفه في سيستها تعاقب مازونة بالفيلسة مستطيله فره بسكروبه ويربط بلولب واحيان يشبك بينهنه بتيله وزع لها الشاكوش نار تلهب عن البساتم كل عادم تزيله زيته ورا الجالون صب اربع علب ان شيت سوبر شل والا موبيله لادرت مفتاحه على دقمته قب يرزم كما ترزم رعود المخيله إلى آخر القصيدة، كما قام عدد من الشعراء ذلك بتوظيف تلك المفردات الجديدة كأسماء السيارات وأوصافها لخدمة قصيدته حيث وصف معاناته في الحب بطريقة عملها مثل قول الشاعر: الا ياحن قلبي حن فرتٍ حن بالثاني ضرب عرق النفود وفارق التمرين والراحات والا يا حت قلبي حت حبٍ حته الجاني بعد حت الورق يبست سنابيله وعرقه مات صرخات التمدن وكان الشعراء يستخدمون كل مفردة جديدة أو أي شيء جديد يظهر فعلى سبيل المثال لما استبدل الناس أبواب منازلهم الخشبية بأبواب حديدية كانت تلك بمثابة صرخة جديدة من صرخات التمدن والترف وقد صور ذلك أحد الشعراء بقوله في قصيدة هذه الأبيات: ياراعي الباب الحديد انتهينا وان عاد جيتك صك في وجهي الباب ان قلت من ذا قلت غالي علينا ذا من جماعتنا وهذا من اصحاب لا تحسبنا في هواك ابتلينا بالحب ملينا لك خيشه من ورى الباب على جمعاك اول بكينا واليوم لا والله انا خاطري طاب واحرص على قل المعرفه قضينا لو ان بيتك مسجد وفيه محراب وما عاد يمديك التخفي درينا نحسبك مخلص وانت خاين ولعاب بعناك مجاني مع الخاينينا وشرواك ياحرف النون ما احسب له احساب مفردات صعبة وكان الناس حينما يسمعون قصيدة شعبية يعرفون معانيها ومفرداتها ولكن معظم جيل اليوم وخاصة من الشباب لا يكاد يعرف الكثير من معاني القصائد الشعبية وخصوصاً التي قيلت من عشرات السنين ويرجع ذلك إلى عزوف الكثيرين عن سماع القصائد وعدم اهتمامهم بالشعر مطلقاً نظراً لتغير الميول والاتجاهات وكثرة الملهيات مثل الانشغال بالترفيه ومشاهدة القنوات الفضائية والأفلام والمباريات إضافة إلى ظهور الأجهزة الذكية من جوالات وأيبادات وغيرها من أجهزة التواصل الاجتماعي، ولو قدر أن أسمعت أحد الشباب قصيدة شعبية قديمة فيها من أبيات الحكمة الكثير مثل أبيات للشاعر الأمير محمد السديري رحمه الله- لوجدته عاجزاً عن فهم الكثير من مفرداتها واستعصت عليه، حيث يقول في إحدى قصائده: لا خاب ظني بالرفيق الموالي مالي مشاريه على نايد الناس لعل قصرٍ ما يجيله اظلالي ينهد من عالي مبانيه للساس لا صار ماهو مدهل للرجالي وملجا لمن هو يشتكي الضيم والباس بحسناك يا منشي حقوق الخيالي يا خالق اجناسٍ ويا مفتي اجناس تجعل مقره دارس العهد بالي صحصاح دوٍ دارس ما به اوناس البوم في تالي هدامه يلالي جزاك يا قصر الخنا وكر الادناس متى تربع دارنا والمقالي وتخضر فياض عقب ماهيب يباس نشوف فيها الديدحان متوالي مثل الرعاف بخصر مدقوق الألعاس والحقيقة بأن عدد الشعراء الشعبيين اليوم في ازدياد وتضاعفت أعداد الدواوين التي تنشر في وقت وحين ولكن الكثير من هؤلاء الشعراء اتجه إلى المفردات السهلة التي يفهمها جيل اليوم ويستطيع من خلالها الوصول إلى ذائقة المستمع والقارئ بيسر وسهولة.

مشاركة :