يحتل الكاتب دينو بوزاتي (1906 – 1972) موقعاً متميزاً في الأدب الإيطالي المعاصر كروائي وقصّاص، كاتب مسرحي وشاعر، وصحافي لامع ورسّام، ومن هذا الخليط سجّل اسمه على خريطة الأدب، للتعبير عن قضايا فلسفية وتاريخية وإنسانية، كانت تشغل إيطاليا الثلاثينيات. هذه الأيام تحتفل إيطاليا بالذكرى المئوية لميلاد كاتبها الذي حقق شهرته العالمية بفضل الفيلم الفرنسي – الإيطالي، المقتبس عن روايته الشهيرة «صحراء التتار»، الذي يحكي ما حدث في منطقة كفرا الليبية خلال الحرب العالمية الثانية، ومحاولة الجيش الإيطالي أثناء احتلاله ليبيا أن يخضعها لحكمه. إيطاليا التي تكافح جائحة كورونا، لم تغفل عن تكريم واحد من كتابها الطليعيين الذي يوصف بـ«كافكا إيطاليا»، فقد أعدت برنامجاً ثقافياً ضخماً يستعيد مجده ومكانته، فقد صدر عن دور نشر مرموقة كتاب عن سيرته الذاتية، إضافة إلى كتاب آخر يحوي مجموعة مختارة من مقالاته وكتاباته النقدية وأبرز تحقيقاته الصحفية المصورة، مع جلسات نقدية حوارية تستعرض أعماله الروائية، وبخاصة روايته الأولى «برنابو الجبال» 1933، وروايته الثانية «سر الغابة القديمة» 1935، التي أطلقته إلى عالم الأدب الرفيع، ثم روايته العالمية «صحراء التتار» 1940، ثم مجموعته القصصية «الرسل السبعة» وعالج فيها ظاهرة الموت والحياة العسكرية، ثم روايته الساخرة «الغليون». في الواقع نهتم بهذه المناسبة من زاويتين، الأولى: أن بوزاتي تجاوز في كتاباته في ذلك الوقت حاجز التقليدية، باعتبار الصحافة لديه رافداً مهماً للأدب، والثانية: أنه كان كاتباً مستشرفاً، حينما تناول «ثيمة الحرب» في إطارها الإنساني ونبّه إلى كوارثها، منوهاً في ثناياها إلى مخاطر خطاب الكراهية والإرهاب الفكري، ممزوجاً كل ذلك باهتمام عربي خاص بكتاباته التي ترجم معظمها إلى العربية، من مثل مجموعته القصصية «المرايا» الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب عام 2012، و15 مجموعة قصصية، قام بترجمتها أحمد القصير، لذلك يعد بوزاتي بحق كاتب القلق الإنساني، حيث نجده يتحدث عن مطامح الإنسان التافهة وأهوائه العبثية، وعن انتظاراته الكبرى، وعجزه عن التحكم في نهايته ومصيره.
مشاركة :