احتفاء بالذكرى المئوية لميلاد ميرس كنينجهام (1919-2019) يقدم مركز الفنون في جامعة نيويورك أبوظبي الذي اعتاد الاحتفاء بالفنانين الذين يبدعون أعمالا فنية تربط الأنماط الفنية بالتقاليد، عرضين استثنائيين هما: “بايبد” و“هاو تو باس، كيك، فول آند رن”، وذلك للمرة الأولى في الشرق الأوسط في الثلاثين من أكتوبر الجاري على خشبة المسرح الأحمر. ويجسد هذا العرض الاستثنائي الذي يحتفي بالذكرى المئوية لكنينجهام دليلا ملموسا على ذلك، حيث لمع نجم كنينجهام كفنان رائد متعدد المواهب في حقبة ما بعد الحداثة، ولعب دورا كبيرا في تغيير مشهد الرقص والموسيقى والفن المعاصر خلال مسيرته الإبداعية في ممارسة الرقص لأكثر من 70 عاما. سابق عصره يستعد فنانو المركز الوطني للرقص المعاصر بمدينة أنجيه الفرنسية لتقديم العرضين في نهاية الشهر الحالي في مركز الفنون في جامعة نيويورك أبوظبي تحت إدارة روبرت سوينستون الذي عمل مع شركة “ميرس كنينجهام” للرقص لأكثر من 30 عاما، حيث كان من المساهمين الرئيسيين الذين حافظوا على إرث مصمم الرقصات الشهير بعد وفاته. في عرض “بايبد” تلتقي العناصر المتحركة وغير الحية في تقاطع مذهل بين تصميم ساحر للرقصات وتكنولوجيا التقاط الحركة. وتعتبر تصاميم الديكور في المسرحية التي تعود إلى عام 1999، استكشافا لإمكانيات تقنية الرسوم المتحركة وتكنولوجيا التقاط الحركة. وقد تعاون بول كايسر وشيلي إشكار، وهما من فناني التقنيات الرقمية، مع كنينجهام الذي عمل مع اثنين من الراقصين لتصميم رقصات 70 عبارة تم نقلها إلى صور رقمية. وتراقص فنانو الأداء الحي بين عروض هذه الصور المتحركة والنماذج المجردة المتكونة من خطوط ونقاط ومجموعات رأسية وأفقية. وتم تسجيل الموسيقى التي أبدعها جافن بريارز، والتي تحمل اسم “بايبد” أيضا، بشكل جزئي وتم تشغيل أجزاء منها بصورة حية على آلات صوتية عبر بريارز ورفاقه. وتستخدم أزياء سوزان جالو نسيجا معدنيا يعكس الضوء، فيما أبدع آرون كوب الإضاءة، وقسّم خشبة المسرح إلى مربعات مضاءة بشكل أشبه بتسلسل عشوائي، فضلا عن المقصورات ذات الستائر في الجزء الخلفي من المسرح، والتي تتيح للراقصين الظهور والاختفاء. في عرض "بايبد" تلتقي العناصر المتحركة وغير الحية في تقاطع مذهل بين تصميم ساحر للرقصات وتكنولوجيا التقاط الحركة وتحمل التحفة الفنية “هاو تو باس، كيك، فول آند رن” التي عرضت في العام 1965 عنوانا رياضيا، حيث يحافظ تصميم الرقصات فيها على الحركة المستمرة للفنانين، ويحول دون بقائهم في مكان واحد لفترة طويلة، بينما تقع عدة أحداث في وقت واحد على خشبة المسرح، وفي كل الأوقات، وكل ذلك على وقع أنغام جون كيج، أحد المساعدين الأوفياء لكنينجهام، بما في ذلك أجزاء من “سايلنس” و”اي يير فروم مونداي”. وفي إطار تعليقه على العرضين المرتقبين، قال بيل براغين، المدير الفني التنفيذي لمركز الفنون في جامعة نيويورك أبوظبي “يأتي عرض أعمال أبرز الفنانين الروّاد ممن أحدثوا فارقا في المشهد الفني في مقدمة أهدافنا منذ انطلاق فعاليات مركز الفنون. لم يكن إعلان مركز الفنون عن عرض ميرس كنينجهام باعتباره أحد أهم منابر الفن الملهمة أمرا غريبا بعد استضافة أعمال مميزة مثل إبداعات فرقتي تريشا براون ولوسيندا تشايلدز في المواسم الماضية للمركز، خاصة مع الاحتفال بالذكرى المئوية لميلاد ميرس كنينجهام”. ويضيف “كان كنينجهام سابقا لعصره في ما يتعلق بدمج التكنولوجيا كأداة إبداعية في تصميم عروضه الراقصة، ولعل تحفة “بايبد” في عام 1999 تجسد استكشافا مذهلا للرقص في بيئة بصرية فريدة على نغمات حية يؤديها عملاق الموسيقى البريطانية جافن بريارز. ويعد تعاون كنينجهام مع جون كيج من أهم العلاقات الفنية في القرن العشرين، حيث برزت استكشافاتهما المتبادلة من خلال طرح عنصر الصدفة في صناعة الفن، وتجسد ذلك في كتابات كيج عبر “عدم التعيين” التي تشكل جزءًا من موسيقى مسرحية “هاو تو باس، كيك، فول آند رن”. نجاح مبكر يتطلع بيل براغين إلى مشاركة روبرت سوينستون، مدير المركز الوطني للرقص المعاصر بمدينة أنجيه الفرنسية وأهم المساعدين الفنيين لكنينجهام، شخصيا في صفوف تعليم تقنيات كنينجهام في إطار برنامج “خارج خشبة المسرح”، وهو يعتبر تعلم هذه التقنيات من قامة فنية مثل روبرت فرصة لا تقدر بثمن. وتشير السيرة الذاتية لميرس كنينجهام إلى أنه نجح -في سن مبكرة- في إبهار الجماهير بقدراته الجسدية والتعبيرية، وحضوره الطاغي على المسرح؛ حيث امتلك قدرا هائلا من الطاقة في الأداء، والشغف الذي تطوّر إلى مسيرة مهنية استثنائية وغنية من الإنتاج كمصمم للرقصات. أطلق كنينجهام شركته الخاصة بالرقص “شركة ميرس كنينجهام للرقص” في عام 1953، وأبدع المئات من أعمال الرقص الفني الفريدة من نوعها، والتي امتازت بالدقة والتعقيد، ومزجت بين اللياقة البدنية رفيعة المستوى، والصلابة الفكرية. وتحدى الأفكار التقليدية للرقص مثل أدوار الراقصين والجمهور، وقيود المسرح، والعلاقات التي تربط الحركة بالجمال. وقد امتلك كنينجهام قدرات موسّعة في مجالات الرقص والموسيقى والفنون البصرية مما ساعده في الارتقاء بمستوى الحدود الثقافية للأجيال اللاحقة. أما المؤلف الموسيقي البريطاني جافن بريارز فتمتزج أعماله الموسيقية الكلاسيكية بالجاز والتأثيرات المعاصرة بطريقة متميزة تحافظ على انعكاساتها العاطفية الخاصة. وبالرغم من أن أسلوبه قد تغيّر نوعا ما منذ أول قطعة موسيقية رئيسية أصدرها بعنوان “غرق التايتانيك” التي تعود إلى أواخر ستينات القرن العشرين، إلاّ أنه حافظ على دوره كمؤلف موسيقي استثنائي قادر على العمل في إطارات متنوعة.
مشاركة :