المريض النفسي والكرامة المفقودة

  • 10/17/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

بمبادرة من الاتحاد العالمي للصحة النفسية تم إعلان العاشر من أكتوبر من كل عام يوماً عالمياً للصحة النفسية، ويهدف الاتحاد في هذا اليوم إلى توضيح المخاطر النفسية لا سيما التوتر والاكتئاب على الإنسان وعلاقتها بالأمراض الأخرى بعدما تأكد وجود الرابط بينها في نسبة من الحالات، في هذا العام اتخذت الجملة (الصحة النفسية والكرامة الإنسانية) شعاراً لهذا اليوم، السبب في ذلك هو أن امتهان الإنسان عملية متكررة في كثير من بلدان العالم لا سيما العالم الثالث، كما أن المعاملة السيئة التي يتعامل بها كثير من أفراد هذه المجتمعات مع أولئك الذين يعيشون اضطرابات نفسية هي حالة تصل إلى مستوى الظاهرة، فغالباً ما يلاقي هؤلاء معاملة غير إنسانية باعتبارهم أشخاصا لا يتمتعون بالمستوى اللائق من الفهم والإدراك ما يجعلهم دائماً محل سخرية وتهكم كثيرين وبالنتيجة فإنَّ كرامتهم منتهكة. اللافت على المستوى الثقافي العربي هو اعتبار المصابين بالأمراض النفسية بأشكالها المتفاوتة مادة تصلح للكوميديا والدراما الساخرة، وهذا ما أسهم في وجود حالة من القبول لدى كثير من الناس، بالرجوع إلى الإنتاج الفني الخليجي والعربي يُلاحظ المتتبع كثيراً من الأعمال الفنية التي أبرزت المريض نفسياً كعنصر يستحق التهكم والسخرية، وعوضاً عن اعتباره شخصاً ينبغي إظهار التعاطف نحوه ومساعدته في تجاوز حالته فإنَّ هذه الأعمال أسست لحالة من رفض هؤلاء المرضى وإقصائهم وامتهان حقوقهم والسخرية منهم، هذا ما يجعلنا نتسائل بتعجب عن الرسالة الأخلاقية التي يحملها هؤلاء المنتجون والفنانون وما إذا كان أمر مثل هذا لا يتنافى مع المثل العالية التي يدعونها!!. في تصوري أن القيام بحملة توعية كبيرة في المدارس والإعلام بأشكاله المختلفة تؤسس للتعريف بالمريض نفسياً وأهمية إظهار التعاطف مع حالته والإسهام بالقدر المتاح في التعاون معه ربما يكون أمراً لا بد منه في سياق حماية هذه الشريحة من الانحدار الصحي، الإنسان هو عبارة عن مشاعر وأحاسيس قد يتعرض لأسباب منطقية تُسهم بنسبة ما في تغير حالته وخروجه عن النسق الطبيعي، العيادات النفسية هي بلا شك مسؤولة عن هذه الحالات، غير أن هذه المسؤولية ليست مقتصرة عليهم فقط، فالمجتمع بأسره معني بإظهار التعاطف والتعامل الحسن، وفي اعتقادي أن كثيراً من الحالات ما كانت لتتفاقم لولا وجود نسبة من أفراد المجتمع كانت وما زالت تنتهك كرامتهم وتستمرئ دائماً السخرية والتهكم عليهم. تُشير الإحصاءات إلى أن هناك 26 % من النساء في العالم مصابات بالكآبة، فيما تصل النسبة بين الرجال إلى 12 %، ويُتوقع أن يكون هذا المرض هو السبب الأول لعدم القدرة على العمل بحلول العام 2020، كما تشير إحصاءات الانتحار إلى وجود 800 ألف حالة انتحار سنوية في العالم لتأتي ثانياً من ناحية ترتيب أسباب الوفيات للأعمار المتفاوتة بين 15 إلى 29 سنة، كل ذلك يوضح خطورة الاضطرابات النفسية وضرورة التعامل معها بما يتناسب مع خطورتها، وفي مجتمعاتٍ تمنح المريض نفسياً ما يناسبه من الاهتمام; تتحسن أحوال هذا المريض وتشكل فرصة تحوله لشخص طبيعي تماماً أمراً ممكنا، أما في كثير من مجتمعاتنا العربية فإنَّ أكثر الناس ذكاءً ربما يتحول إلى مريض نفسي لأسباب ربما كان المجتمع وطريقة تعاطيه مع اضطراباته العارضة من أهمها، أما المرضى الحقيقيون فإنَّهم بالتأكيد سيكونون أبعد ما يكون عن الإنسانية في نظر كثير من الناس وبالنتيجة ستبقى حالتهم المرضية في انحدارٍ مستمر.

مشاركة :