محمود درويش في الذاكرة العربية

  • 8/11/2021
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الاثنين‭ ‬الماضي‭ ‬9‭ ‬أغسطس،‭ ‬صادف‭ ‬الذكرى‭ ‬الثالثة‭ ‬عشرة‭ ‬لرحيل‭ ‬الشاعر‭ ‬محمود‭ ‬درويش،‭ ‬وفي‭ ‬الشهر‭ ‬نفسه‭ ‬تمر‭ ‬ذكرى‭ ‬رحيل‭ ‬ناجي‭ ‬العلي‭ ‬وعبداللطيف‭ ‬عقل‭ ‬وسميح‭ ‬القاسم‭.‬ خطر‭ ‬ببالي‭ ‬أن‭ ‬أمعن‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬علاقتي‭ ‬بأشعار‭ ‬الشاعر‭ ‬بعد‭ ‬غيابه‭ ‬وفي‭ ‬أثناء‭ ‬حياته‭. ‬هل‭ ‬خفتت‭ ‬بعد‭ ‬الرحيل‭ ‬قياسا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬حضوره؟ قبل‭ ‬وفاته،‭ ‬كنت‭ ‬أنتظر‭ ‬أشعاره‭ ‬الجديدة،‭ ‬لأدرسها‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬السابقة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬اقتباساتي‭ ‬الكثيرة‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬مقالاتي‭ ‬التي‭ ‬تعالج‭ ‬موضوعا‭ ‬فلسطينيا‭ ‬يجد‭ ‬في‭ ‬قصائد‭ ‬الشاعر‭ ‬ما‭ ‬يعززه،‭ ‬وبعد‭ ‬وفاته‭ ‬تلاشى‭ ‬الدافع‭ ‬الأول‭ ‬ولم‭ ‬ينقطع‭ ‬الثاني،‭ ‬بل‭ ‬لقد‭ ‬قوي‭ ‬واشتد،‭ ‬ويستطيع‭ ‬من‭ ‬يتساءل‭ ‬عن‭ ‬دقة‭ ‬كلامي‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬نشرته‭ ‬للتأكد‭ ‬من‭ ‬الأمر‭.‬ الأسئلة‭ ‬التي‭ ‬لازمتني‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬الأخيرة‭ ‬هي‭:‬ {‭ ‬ماذا‭ ‬بقي‭ ‬من‭ ‬أشعار‭ ‬الشاعر‭ ‬بعد‭ ‬وفاته؟ {‭ ‬أي‭ ‬أشعاره‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬حضور‭ ‬أكثر؟ {‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬تأثير‭ ‬إنتاجه‭ ‬الشعري‭ ‬والنثري‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الثلاث‭ ‬عشرة‭ ‬الأخيرة؟ وإن‭ ‬نظرت‭ ‬إلى‭ ‬اقتباساتي‭ ‬الشخصية‭ ‬من‭ ‬إنتاجه‭ ‬بعامة‭ ‬فيمكن‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬مطمئنا‭ ‬إن‭ ‬نصوصا‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬صمت‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬غزة‮»‬‭ ‬وقصائد‭ ‬ديوان‭ ‬‮«‬ورد‭ ‬أقل‮»‬‭ ‬وقصيدتي‭ ‬‮«‬إن‭ ‬أردنا‮»‬‭ ‬و«أنت،‭ ‬منذ‭ ‬الآن،‭ ‬غيرك‮»‬‭ ‬وقصائد‭ ‬ديوان‭ ‬‮«‬حالة‭ ‬حصار‮»‬‭ ‬وقصيدة‭ ‬‮«‬في‭ ‬القدس‮»‬‭ ‬وقصائد‭ ‬أخرى‭ ‬قليلة‭ ‬كانت‭ ‬الأكثر‭ ‬اقتباسا،‭ ‬وكانت‭ ‬قصائد‭ ‬ديوان‭ ‬‮«‬سرير‭ ‬الغريبة‮»‬‭ ‬الأقل‭ ‬اقتباسا،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬كانت‭ ‬نادرة‭ ‬الحضور‭ ‬في‭ ‬الذهن‭ ‬وفي‭ ‬النص‭ ‬المكتوب‭.‬ من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬فارقا‭ ‬كبيرا‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬بين‭ ‬القصائد‭ ‬الأكثر‭ ‬اقتباسا‭ ‬والقصائد‭ ‬الأقل‭ ‬اقتباسا،‭ ‬فالأولى‭ ‬قاربت‭ ‬الموضوع‭ ‬الوطني‭ ‬الفلسطيني‭ ‬والثانية‭ ‬قاربت‭ ‬موضوعا‭ ‬إنسانيا‭ ‬عاما‭ ‬يمس‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وغير‭ ‬الفلسطيني‭ ‬هو‭ ‬الغزل‭ ‬والحب،‭ ‬ولسوء‭ ‬حظنا‭ ‬وواقعنا،‭ ‬نحن‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬فقد‭ ‬ظل‭ ‬الاحتلال‭ ‬واللجوء‭ ‬والشتات‭ ‬والانقسام‭ ‬يحول‭ ‬بيننا‭ ‬وبين‭ ‬ممارسة‭ ‬حياة‭ ‬تمكننا‭ ‬من‭ ‬التفرغ‭ ‬للحياة‭ ‬وشؤونها‭ ‬المختلفة‭.‬ ما‭ ‬سبق‭ ‬تلخصه‭ ‬أسطر‭ ‬الشاعر‭ ‬في‭ ‬ديوان‭ ‬‮«‬حالة‭ ‬حصار‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬كتبه‭ ‬إبان‭ ‬انتفاضة‭ ‬الأقصى‭ ‬بعد‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬كتابته‭ ‬ديوان‭ ‬‮«‬سرير‭ ‬الغريبة‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬كتبه‭ ‬إبان‭ ‬مرحلة‭ ‬السلام‭:‬ ‮«‬كتبت‭ ‬عن‭ ‬الحب‭ ‬عشرين‭ ‬سطرا فخيل‭ ‬إليّ أن‭ ‬هذا‭ ‬الحصار تراجع‭ ‬عشرين‭ ‬مترا‭!...‬‮»‬ ومنذ‭ ‬رحيل‭ ‬الشاعر‭ ‬لم‭ ‬يختلف‭ ‬في‭ ‬أوضاعنا‭ ‬الكثير،‭ ‬فكلما‭ ‬تقدمنا‭ ‬خطوة‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭ ‬عدنا‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭ ‬خطوات،‭ ‬ولم‭ ‬تصدق،‭ ‬حتى‭ ‬اللحظة،‭ ‬نبوءة‭ ‬توفيق‭ ‬زياد‭ ‬حين‭ ‬كتب‭ ‬بعد‭ ‬هزيمة‭ ‬حزيران‭ ‬1967‭:‬ ‮«‬كبوة‭ ‬هذي‭ ‬وكم‭ ‬يحدث‭ ‬أن‭ ‬يكبو‭ ‬الهمام، إنها‭ ‬للخلف‭ ‬خطوة من‭ ‬أجل‭ ‬عشر‭ ‬للأمام‮»‬ ولم‭ ‬تكن‭ ‬الهزيمة‭ ‬كبوة‭ ‬همام،‭ ‬لقد‭ ‬كانت‭ ‬كبوة‭ ‬وضع‭ ‬لم‭ ‬يتغير‭ ‬نحو‭ ‬الأفضل‭.‬ حوصرت‭ ‬غزة‭ ‬بعد‭ ‬رحيل‭ ‬الشاعر‭ ‬وشنت‭ ‬عليها‭ ‬عدة‭ ‬حروب،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬حرب‭ ‬يحضر‭ ‬نصه‭ ‬النثري‭ ‬‮«‬صمت‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬غزة‮»‬،‭ ‬وازداد‭ ‬الانقسام‭ ‬حدة‭ ‬فظللنا‭ ‬نستحضر‭ ‬‮«‬أنت،‭ ‬منذ‭ ‬الآن،‭ ‬غيرك‮»‬،‭ ‬وأطلت‭ ‬العشائرية‭ ‬برأسها‭ ‬أكثر‭ ‬فرددنا‭ ‬‮«‬إن‭ ‬أردنا‮»‬‭ ‬أن‭ ‬نصير‭ ‬شعبا،‭ ‬فما‭ ‬علينا‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ننسى‭ ‬تعاليم‭ ‬القبيلة‭ ‬فينا،‭ ‬وحين‭ ‬اندلعت‭ ‬الحروب‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬وتوترت‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬واستشهد‭ ‬كثيرون‭ ‬وسار‭ ‬الآباء‭ ‬في‭ ‬جنازات‭ ‬الأبناء‭ ‬وزغردت‭ ‬الأمهات‭ ‬وهن‭ ‬يودعن‭ ‬أبناءهن‭ ‬أسعفتنا‭ ‬قصائد‭ ‬‮«‬حالة‭ ‬حصار‮»‬‭ (‬2002‭) ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬بقية‭ ‬قصائد‭ ‬الشاعر‭ ‬السابقة‭ ‬واللاحقة،‭ ‬ومؤخرا،‭ ‬حين‭ ‬قتل‭ ‬جنود‭ ‬الاحتلال‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬أمر‭ ‬محمد‭ ‬مؤيد‭ ‬العلامي‭ ‬وحيد‭ ‬والده‭ ‬وشاهدنا‭ ‬الأب‭ ‬يبكي‭ ‬ابنه،‭ ‬استحضرنا‭ ‬أيضا‭ ‬قصيدة‭ ‬الشاعر‭ ‬في‭ ‬رثاء‭ ‬محمد‭ ‬الدرة،‭ ‬ومقطع‭ ‬‮«‬لا‭ ‬تصدق‭ ‬زغاريدهن‭ ‬وصدق‭ ‬أبي‭ ‬حين‭ ‬ينظر‭ ‬في‭ ‬صورتي‭ ‬باكيا‮»‬‭ ‬من‭ ‬‮«‬حالة‭ ‬حصار‮»‬‭.‬ وأتذكر‭ ‬أيضا‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مهم‭.‬ لطالما‭ ‬لفتت‭ ‬نظري‭ ‬قصائد‭ ‬الشاعر‭ ‬التي‭ ‬استلهم‭ ‬فيها‭ ‬رموزا‭ ‬شعرية‭ ‬عربية‭ ‬مثل‭ ‬امرؤ‭ ‬القيس‭ ‬وأبو‭ ‬تمام‭ ‬والمتنبي‭ ‬وأبو‭ ‬فراس،‭ ‬وقد‭ ‬كتبت‭ ‬عنها‭ ‬مطولا‭ ‬وصرت‭ ‬أفكر‭ ‬في‭ ‬إصدار‭ ‬كتاب‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أتمه‭ ‬بدراسة‭ ‬قصيدتين‭ ‬من‭ ‬ديوان‭ ‬‮«‬سرير‭ ‬الغريبة‮»‬،‭ ‬وكلما‭ ‬قرأتهما‭ ‬وجدت‭ ‬مسافة‭ ‬بيني‭ ‬وبينهما‭ ‬لم‭ ‬تقم‭ ‬يوم‭ ‬قرأت‭ ‬قصائد‭ ‬‮«‬رحلة‭ ‬المتنبي‭ ‬إلى‭ ‬مصر‮»‬‭ ‬و«من‭ ‬روميات‭ ‬أبو‭ ‬فراس‮»‬‭ ‬و‮«‬امرؤ‭ ‬القيس‮»‬‭ ‬و«خلاف،‭ ‬غير‭ ‬شخصي،‭ ‬مع‭ ‬امرؤ‭ ‬القيس‮»‬‭ ‬وبعض‭ ‬قصائد‭ ‬ديوان‭ ‬‮«‬لا‭ ‬تعتذر‭ ‬عما‭ ‬فعلت‮»‬‭ ‬التي‭ ‬استحضر‭ ‬في‭ ‬قسم‭ ‬منها‭ ‬بعض‭ ‬أبيات‭ ‬الشاعر‭ ‬العباسي‭ ‬أبو‭ ‬تمام‭.‬ أيعود‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الشاعر‭ ‬تكلف‭ ‬كتابة‭ ‬ديوان‭ ‬‮«‬سرير‭ ‬الغريبة‮»‬‭ ‬ولكنه‭ ‬كتب‭ ‬القصائد‭ ‬المشار‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬دم‭ ‬قلبه،‭ ‬هو‭ ‬الشاعر‭ ‬الذي‭ ‬نشأ‭ ‬على‭ ‬الهم‭ ‬الوطني،‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬مبالغاتي‭ ‬في‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬أدب‭ ‬القضية؟ حقا‭ ‬إن‭ ‬سؤال‭ ‬ماذا‭ ‬بقي‭ ‬في‭ ‬أيامنا‭ ‬من‭ ‬الشاعر‭ ‬وشعر‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لهو‭ ‬سؤال‭ ‬يستحق‭ ‬أن‭ ‬يثار‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬وقد‭ ‬أثير‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مرارا‭. ‬ويبقى‭ ‬سؤال‭ ‬آخر‭ ‬مهم‭ ‬هو‭:‬ ‭- ‬ما‭ ‬تأثير‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬ناثرا‭ ‬في‭ ‬النثر‭ ‬الفلسطيني‭ ‬والعربي؟ ولعل‭ ‬هذا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مقاربة‭ ‬خاصة‭!‬ الكتابة‭ ‬تطول‭ ‬والمساحة‭ ‬محدودة‭.‬ {‭ ‬كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

مشاركة :