يتكون المجتمع من مجموعة من الأنظمة الفرعية المتداخلة، منها النظام الاقتصادي، والنظام الاجتماعي، والنظام السياسي، والنظام التعليمي، والنظام الإعلامي. هذه الأنظمة، بمثابة دوائر متداخلة، تتفاعل مع بعضها البعض، تأثيراً وتأثراً، فالنظام الاقتصادي يتأثر بالنظام الاجتماعي ويؤثر فيه، كذلك، فإن النظام الإعلامي يتأثر بباقي النظم الفرعية التي يعمل في إطارها ويؤثر فيها، وبخاصة النظام الاجتماعي، بمعني أدق، أن الإعلام في أي مجتمع لا يمكن أن يعمل بمعزل عن البيئة الاجتماعية، وما تشمله من منظومة قيمية لا يمكن له أن يتجاوزها، كما أن قيمة المضمون الإعلامي، تأتي من الدفع الاجتماعي لها، أي أن المجتمع هو الذي يعطي أهمية للمضمون المقدم، من خلال متابعته لها والتفاعل معها، والشاهد، أنه ليس لدينا مؤشرات لنجاح أي مضمون إذاعي أو تليفزيوني غير نسب الاستماع والمشاهدة. كما أن أرقام التوزيع هي المؤشر الدال على نجاح الصحيفة ومكانتها، من هنا، يأتي حرص الإعلام بكافة وسائله، على أن يمس حاجات الناس وقضاياهم الحقيقة، وأن يعيش الإعلامي بين الناس، لتكون حاسته الإعلامية في حالة استثارة مستمرة، بحيث لا يغرد بعيداً عن قضايا الناس واهتماماتهم، لكي تلقى رسالته الإعلامية من يهتم بها ويعطيها الشرعية المجتمعية، هذه الشرعية التي تجعل من الإعلامي نائباً عن الجمهور في نقل صوته والتعبير عن قضايا ومشاعره، وأميناً في نقل صوته إلى أصحاب الشأن. لذلك، كان الإعلام دوماً، أو ينبغي له أن يكون، معبراً عن ضمير الناس وانعكاساً لحالتهم، بما يعني أنك إن أردت معرفة أحوال شعب من الشعوب، أو ما يشغلهم من قضايا، وما يحظى باهتمامهم، كذلك حالتهم النفسية والمزاجية، يكفيك أن تطالع الصحف أو تستمع إلى الإذاعة أو تشاهد التليفزيون، دون أن ترهق نفسك كثيراً ستصل إلى ما تريد أن تعرفة، ذلك لأنه لا توجد وسيلة إعلامية تعمل في فراغ، لكن هناك أطر ثقافية ومجتمعية تعمل في إطارها، إذا أرادت أن يكتب لها النجاح والاستمرار، ولا تستطيع أي وسيلة، حتى في أكثر دول العالم حرية، أن تعمل بعيداً عن حالة جمهورها، أو تتجاهل اهتماماته أو ما يشغل أبناءه. أقول هذا، بعد متابعة لوسائل الإعلام الإماراتية عبر سنوات ممتدة، وخلال الأحداث الماضية على وجه الخصوص، تلك الأحداث التي كشفت عن مدى التلاحم بين أبناء الشعب، وكيف أن أبناء الوطن مع قيادتهم، على قلب رجل واحد، وأن شدة الأحداث لم تزد أبناء الإمارات، قيادة وشعباً، إلا بأساً، كما أنه كشفت بجلاء على أن هذه الحالة الفريدة من الترابط لم تكن بين ليلة وضحاها، لكنها استندت إلى سنوات وعقود كانت فيها القيادة حاضرة دوماً بين أبناء الشعب في الأفراح والأتراح، سنوات كانت وما زالت قلوب القيادة مفتوحة قبل أبوابهم لأبناء الإمارات جمعياً، فما إن جاءت لحظة الحقيقة حتى اتضحت بجلاء ثمرة تلك الحالة، التي لولا شدة الأحداث لم تكن لتظهر بهذه القوة، لتقطع كل السبل على الحاقدين والحاسدين والمتربصين. ما استوقفني، أن الإعلام الإماراتي كان عند الموعد، وعلى قدر المسؤولية، واستطاع بمهنية راقية وبمسؤولية مدركة لدور الإعلام، أن يكون في قلب الحدث، لينقله بوعي وحرفيه وأداء راق، يعرف دور الإعلام حين تكون التحديات، فاستطاع أن يحقق المعادلة شديدة الصعوبة بين دوره الوطني في التفاعل مع قضايا بلاده وشعبه، في الوقت الذي ينقل فيه الأحداث باحترافية ومهنية مهما كانت، فكانت الجائزة الكبرى، هي احتفاظه بجمهوره، فأصبح هو المرجعية المعلوماتية لأبناء الإمارات، عندما تختلط الأنباء، على الرغم من أننا نعيش عصر السماوات المفتوحة التي تتعدد فيها المصادر، وتتنشر الشائعات، وتنتشر فيها الأخبار المسمومة أو الكلمات التي تبدو للعيان أنها حق، غير أن حقيقتها باطل، غير أن إعلامنا الوطني استطاع أن يكون بحق، حائط صد منيع تجاه كل من أراد أن ينال من الفكر والأمن المعلوماتي لأبناء الإمارات، الذي لا يقل في تقديري عن الأمن العسكري، فخطف العقول يمثل نوعاً من التغييب والتزييف مع سبق الإصرار والترصد. غير أن حالة الوعي التي استطاع أن ينميها الإعلام الإماراتي بين أبناء الوطن، والسبق في نشر كافة الأحداث، رغم قسوة بعضها، وإلقاء الضوء على النماذج المبهرة والموقف البطولي لأبناء الإمارات، الذين ضربوا أروع الأمثلة في الفداء، وقدموا أرواحهم فداء لنداء الواجب في ميدان العزة والشرف، ثم تكتمل الصورة بهاء، بهذه الوقفات المشرفة لأسر الجرحى والشهداء، وإصراراهم على المسيرة والسير على ذات الدرب، مؤكدين على التلاحم بين أبناء الإمارات قيادة وشعباً. إن ما قام به الإعلام الإماراتي خلال الأحداث الماضية، لهو نموذج، يجب التوقف عنده طويلاً، لدور الإعلام، باعتباره قوة ناعمة تتكامل وتتماهى مع القوة العسكرية، فالمعارك تدور على صفحات الصحف وشاشات التليفزيون، كما على جبهات القتال.
مشاركة :