من يملأ الفراغ الأميركي...

  • 8/18/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لا توحي ردود فعل إدارة جو بايدن على اجتياح "طالبان" لأفغانستان، بما في ذلك كابول، بكثير من الثقة في هذه الإدارة. نفذّت "طالبان" ما ارادته بعدما اوحت الى الاميركيين الذين تفاوضت معهم، في الدوحة وغير الدوحة، بأنّها على استعداد للتعامل بطريقة هادئة وعقلانيّة مع الانسحاب العسكري الأميركي من البلد. من يشاهد ما يحدث في مطار كاوبل يترحّم على الانسحاب الأميركي من فيتنام في نيسان – ابريل من العام 1975 لدى مغادرة آخر أميركي سايغون في طائرة هليكوبتر أقلعت من سطح السفارة الاميركية... حسناً، قدمت إدارة بايدن كل المبرّرات التي تجعل الانسحاب العسكري من افغانستان منطقيّا وذلك في ضوء الفشل في إقامة نظام سياسي قابل للحياة وجيش قويّ متماسك. بين المبررات ايضا حجم الأموال التي صرفت في أفغانستان والخسائر البشريّة التي لم تخدم المشروع السياسي الأميركي الذي بدأ تنفيذه في العام 2001 في عهد الرئيس بوش الابن. لكنّ كلّ هذه المبررات تسقط امام ما يجري على ارض الواقع واستعجال "طالبان" دخول كابول. توحي ردود فعل الإدارة بوجود نوع من السذاجة او عدم الاكتراث بمستقبل أفغانستان وشعبها. ليس صحيحا ما قاله وزير الخارجية الأميركي انطوني بلينكن عن ان اميركا حققت أهدافها في أفغانستان، إذ كانت تريد فقط القضاء على الإرهاب. لم يأخذ بلينكن في الاعتبار ان إرهاب "طالبان" يتجاوز العلاقة التي اقامتها مع "القاعدة" وايواء الإرهابي أسامة بن لادن الذي كان وراء "غزوتي نيويورك وواشنطن". تجاهل كلّيا انّ إرهاب "طالبان" يمارس على الشعب الافغاني وعلى المرأة خصوصا. اليس حرمان المرأة من التعليم إرهابا؟ اليس حجرها في بيتها إرهابا؟ اليس فرض زيّ معيّن على النساء إرهابا؟ كشفت إدارة بايدن ضعفا اميركيا ليس بعده ضعف لا يشبه سوى ضعف إدارة جيمي كارتر التي لم تعرف ماذا تعني اطاحة نظام الشاه في ايران وعودة آية الله الخميني ليقيم "جمهورية اسلاميّة" على مقاسه. كان احتجاز دبلوماسيي السفارة الأميركية في طهران 444 يوما ابتداء من تشرين الثاني – نوفمبر 1979 نقطة تحوّل على صعيد السياسة الأميركية في تعاطيها مع ايران. كشف احتجاز الدبلوماسيين رهائن عجز الولايات المتحدة على الرد الفعّال على ما قامت به السلطة الجديدة في ايران التي نجحت في اوّل اختبار لها للنيّات الاميركيّة. في الواقع كشف كارتر، الذي كان ساذجا الى حدّ كبير، أنّ ادارته ما زالت تعاني من عقدة فيتنام.   ما يثير مخاوف كثيرة في المنطقة الممتدة من أفغانستان الى موريتانيا، مرورا بالخليج والشرق الأوسط، إننا أمام إدارة أميركية يبدو انّها لا تَفقَه بألِف باء المنطقة والشرق الأوسط وتعقيداتهما. الخوف، كلّ الخوف، ان تكون إدارة بايدن امتدادا لادارة باراك أوباما التي سقطت امام ايران سقوطا ذريعا. كان السقوط الاميركي في الامتحان السوري مدوّيا، وذلك بعد استخدام بشّار الأسد السلاح الكيميائي في حربه على شعبه في مثل هذه الايّام من العام 2013. وفّر هذا السقوط الاوبامي دليلاً على أنّ ليس أمام العرب بعد الآن غير أخذ أمورهم بيدهم. فلو إتَّكل العرب، على سبيل المثال فقط، على حسن نيّة الإدارة الأميركية لكانت مصر في خبر كان... لكانت مصر الآن في يد الإخوان المسلمين الذين على استعدادٍ لعقد كل نوع من الصفقات مع ايران ومع غير إيران من أجل البقاء في السلطة والمساهمة في تفتيت المنطقة. من كارتر الى جو بايدن، مرورا بباراك أوباما، هناك سوابق لا تشجّع على الوثوق بالإدارة الأميركية الحالية، خصوصا انّ كلّ الكلام الذي قاله الرئيس الأميركي عن "طالبان" قبل الاستسلام امامها لم يكن صحيحا. اكّد بايدن اخيرا ان "طالبان" ليست جيش فيتنام الشمالية الذي بلغ سايغون في نيسان – ابريل 1975. سيكتشف عاجلا ام آجلا ان "طالبان" لم تتغيّر ولا تستطيع ان تتغيّر وانّها منظّمة تنظيما جيّدا. قد تكون الحسنة الوحيدة للانسحاب الأميركي من أفغانستان وما آلت اليه الأوضاع في البلد انكشاف إدارة بايدن. ليس منطقيا ان تكون هذه الإدارة جاهلة الى هذا الحدّ بما يدور داخل أفغانستان وبالقدرات التنظيمية لدى "طالبان" الابن الشرعي للمخابرات العسكريّة الباكستانيّة. ليس منطقيا أيضا الّا يكون هناك اطلاع أميركي على ما يدور داخل المؤسسة العسكرية الأفغانية التي اشرف على إعادة بنائها منذ 2001 ضباط اميركيون وآخرون من حلف شمال الأطلسي. نظريا، كان هناك 300 الف جندي أفغاني. تبخّر هؤلاء بمجرّد اعلان الرئيس الأميركي أنّ بلاده ستنسحب من أفغانستان عسكريّا قبل حلول الذكرى العشرين على 11/ 9 /2001. تبيّن بكل وضوح ان النظام القائم في أفغانستان والذي على رأسه اشرف غني كان نظاما فاسدا وانّ الرئيس الافغاني، تماما مثل سلفه حامد كرزاي، ليس اهلا لتولي مسؤولية البلد. سارع غني الى الهرب بمجرد ان قرع مقاتلو "طالبان" أبواب كابول... في كلّ الأحوال، ان السؤال الذي سيطرح نفسه بعد وضع "طالبان" يدها على كابول، من سيملأ الفراغ الأميركي في أفغانستان والمنطقة كلّها. الأكيد ان استسلام اميركا امام "طالبان" ليس خبرا جيّدا، لكنّ الأكيد أيضا انّ الحركة أظهرت من خلال طريقة دخولها كابول انّها حركة منظّمة تنظيما جيّدا وانّ هناك قيادة لها تعرف تماما ماذا تريد. ليس معروفا بعد هل الاستسلام الأميركي امام "طالبان" نهائي. كلّ ما هو معروف ان الشعب الافغاني امام معضلة كبيرة اسمها حكم "طالبان" التي لن تتردّد في فرض ثقافة الموت على بلد راح يتراجع داخليا منذ سقوط الملكيّة فيه في منتصف سبعينات القرن الماضي. جرّبت اميركا حظّها مع أفغانستان. قبلها، جرّب الاتحاد السوفياتي حظّه وفشل فشلا ذريعا. كان التدخل السوفياتي في أفغانستان من أسباب انهيار القوة العظمى الثانية في العالم. نجحت "طالبان" حيث فشلت اميركا والاتحاد السوفياتي... المشكلة ان ليس لديها مشروعها السياسي والاقتصادي. تشبه "طالبان" الحوثيين في اليمن. كلّ ما تستطيعه اخذ أفغانستان الى المجهول بعدما نجحت في كشف مدى ضعف إدارة بايدن التي تقول ان لديها هموما أخرى غير أفغانستان.

مشاركة :