مستقبل الرأسمالية العالمية بعد جائحة كورونا (1)

  • 8/20/2021
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في‭ ‬ظل‭ ‬الأزمات‭ ‬التي‭ ‬تضرب‭ ‬عالمنا‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬والكوارث‭ ‬الطبيعية‭ ‬والأوبئة‭ ‬نلاحظ‭ ‬كيف‭ ‬تتسع‭ ‬حجم‭ ‬الفجوة‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬يملك‭ ‬وبين‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يملك،‭ ‬لتكون‭ ‬الشريحة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الأكثر‭ ‬تضررا‭ ‬هي‭ ‬شريحة‭ ‬الطبقة‭ ‬الشعبية‭ ‬من‭ ‬الكادحين‭ ‬والفقراء‭ ‬والعمال‭ ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬أدنى‭ ‬درجات‭ ‬السلم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والاقتصادي؛‭ ‬وفي‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأزمات‭ ‬نراهم‭ ‬دائما‭ ‬يكونون‭ ‬على‭ ‬الخطوط‭ ‬الأمامية‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬أو‭ ‬الكوارث‭ ‬والأوبئة؛‭ ‬إذ‭ ‬يفقد‭ ‬الملايين‭ ‬منهم‭ ‬وظائفهم‭ ‬ويخسرون‭ ‬أعمالهم‭ ‬المتواضعة،‭ ‬ومع‭ ‬كل‭ ‬كارثة‭ ‬تتفشى‭ ‬البطالة‭ ‬في‭ ‬صفوفهم‭ ‬ويفقدون‭ ‬أعمالهم‭ ‬ووظائفهم،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يترتب‭ ‬عليه‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الأعباء‭ ‬والمعاناة‭ ‬يضاف‭ ‬على‭ ‬كاهلهم؛‭ ‬لأن‭ ‬مدخراتهم‭ ‬ستتعرض‭ ‬لا‭ ‬محالة‭ ‬للاستنزاف‭ ‬بتراجع‭ ‬إيراداتهم‭ ‬الشهرية‭ ‬مع‭ ‬غلاء‭ ‬المعيشة؛‭ ‬ليعيشوا‭ ‬الفقر‭ ‬المدقع‭ ‬بما‭ ‬يرفع‭ ‬معدلات‭ ‬الفقر‭ ‬والبطالة‭ ‬حول‭ ‬العالم؛‭ ‬فتتسع‭ ‬بذلك‭ ‬الفجوة‭ ‬بين‭ ‬الطبقات‭ ‬الاجتماعية‭.‬ وهذا‭ ‬الكلام‭ ‬لا‭ ‬نطلقه‭ ‬جزافا؛‭ ‬ففي‭ ‬تقرير‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬للقادة‭ ‬السياسيين‭ ‬والماليين‭ ‬الذي‭ ‬عقد‭ ‬مطلع‭ ‬العام‭ ‬الجاري‭ ‬2021‭ ‬في‭ (‬دافوس‭ ‬بسويسرا‭) ‬جاء‭ ‬ان‭ ‬الوباء‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬الانقسام‭ ‬وعدم‭ ‬المساواة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بين‭ ‬الأغنياء‭ ‬والفقراء؛‭ ‬وان‭ ‬عدد‭ ‬الذي‭ ‬يعيشون‭ ‬تحت‭ ‬مستوى‭ ‬الفقر‭ ‬بلغ‭ ‬حدود‭ (‬500‭ ‬مليون‭ ‬إنسان‭) ‬وان‭ ‬الوباء‭ ‬أضر‭ ‬بالفقراء‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬كبيرة‭ ‬إذ‭ ‬قد‭ ‬يصل‭ ‬عددهم‭ ‬إلى‭ (‬6‮٠‬0‭ ‬مليون‭ ‬إنسان‭)‬،‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬قصة‭ ‬تضخم‭ ‬وزيادة‭ ‬ثروة‭ ‬الأغنياء‭ ‬معروفة‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬الأزمات‭ ‬بما‭ ‬يقابل‭ ‬تفاقم‭ ‬أوضاع‭ ‬الفقراء‭ ‬وزيادة‭ ‬أعدادهم‭ ‬وزيادة‭ ‬فقرهم‭ ‬فقرا‭.. ‬لنستشف‭ ‬مما‭ ‬سبق‭ ‬التداعيات‭ ‬التي‭ ‬افرزها‭ ‬وباء‭ (‬كورونا‭) ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي؛‭ ‬وكيف‭ ‬اتسعت‭ ‬الهوة‭ ‬والفوارق‭ ‬بين‭ ‬الطبقات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬طبقات‭ ‬المجتمع‭ ‬لم‭ ‬تسلم‭ ‬من‭ ‬وباء‭ (‬كورونا‭)‬،‭ ‬ولكن‭ ‬نظرا‭ ‬إلى‭ ‬نمط‭ ‬الحياة‭ ‬الذي‭ ‬يعيشه‭ ‬الأثرياء‭ ‬والأغنياء‭ ‬في‭ ‬الترف‭ ‬والبذخ‭ ‬والرفاهية‭ ‬بقوا‭ ‬في‭ ‬مأمن‭ ‬صحي‭ ‬ومالي‭ ‬واقتصادي‭ ‬ولم‭ ‬يفقدوا‭ ‬مواردهم‭ ‬ودخولهم‭ ‬وأرزاقهم؛‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬أصحاب‭ ‬المصالح‭ ‬والشركات‭ ‬والمعامل‭ ‬والمصانع‭ ‬والشركات‭ ‬أصيبوا‭ ‬بأضرار‭ ‬طفيفة؛‭ ‬وإصاباتهم‭ ‬هذه‭ ‬لا‭ ‬تقاس‭ ‬بحجم‭ ‬الكارثة‭ ‬التي‭ ‬أصابت‭ ‬أبناء‭ ‬الطبقات‭ ‬الكادحة‭ ‬والفقراء‭ ‬وعائلاتهم؛‭ ‬لتتعالى‭ ‬صرخاتهم‭ ‬مستغيثين‭ ‬من‭ ‬شدة‭ ‬غلاء‭ ‬المعيشية‭ ‬وارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬السلع‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬والضائقة‭ ‬المالية‭ ‬التي‭ ‬يمرون‭ ‬بها‭ ‬نتيجة‭ ‬فقدانهم‭ ‬الأعمال‭ ‬والوظائف‭ ‬وتراجع‭ ‬مدخولاتهم‭ ‬وأرزاقهم‭ ‬وعدم‭ ‬وجود‭ ‬ضمانات‭ ‬اجتماعية‭ ‬تحميهم‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬الأزمات‭ ‬والكوارث؛‭ ‬لتبقى‭ ‬هذه‭ ‬الطبقة‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬اجتماعي‭ ‬بائس‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ضاقت‭ ‬بهم‭ ‬كل‭ ‬سبل‭ ‬العيش‭ ‬الكريم‭ .‬ ومن‭ ‬هنا‭ ‬نلاحظ‭ ‬ان‭ ‬ترك‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاجتماعية‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تدخل‭ ‬الحكومات‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هكذا‭ ‬كوارث‭ ‬لدعم‭ ‬الضمان‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ليتم‭ ‬تحقيق‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التوازن‭ ‬الاجتماعي‭ ‬يضمن‭ ‬دخلا‭ ‬ماليا‭ ‬يحفظ‭ ‬كرامة‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬أوطانهم‭ ‬لكي‭ ‬لا‭ ‬تتعمق‭ ‬الفوارق‭ ‬الاجتماعية‭ ‬أكثر‭ ‬وأكثر‭ ‬بتصاعد‭ ‬ثروة‭ ‬الأغنياء‭ ‬بينما‭ ‬ينحدر‭ ‬مستوى‭ ‬الطبقات‭ ‬الكادحة‭ ‬من‭ ‬سيئ‭ ‬إلى‭ ‬أسوأ‭ ‬ومن‭ ‬فقر‭ ‬إلى‭ ‬فقر‭ ‬أتعس‭. ‬إن‭ ‬كارثة‭ ‬وباء‭ (‬كورونا‭) ‬التي‭ ‬ضربت‭ ‬كل‭ ‬مجتمعات‭ ‬الأرض‭ ‬كشفت‭ ‬حجم‭ ‬التمايز‭ ‬الطبقي‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬وحجم‭ ‬المخلفات‭ ‬المرضية‭ ‬التي‭ ‬يفرزها‭ ‬هذا‭ ‬التمايز‭ ‬ويكشف‭ ‬عن‭ ‬بنيته‭ ‬بأدق‭ ‬التفاصيل‭ ‬من‭ :‬ أولا‭: ‬عدم‭ ‬تكافؤ‭ ‬الفرص ثانيا‭: ‬الحرمان ثالثا‭: ‬القهر‭ ‬النفسي‭ ‬والسلوكي ومن‭ ‬هذه‭ ‬الحقائق‭ ‬نستشف‭ ‬أن‭ ‬غالبية‭ ‬الطبقات‭ ‬الكادحة‭ ‬في‭ ‬عموم‭ ‬المجتمعات‭ ‬في‭ ‬كوكبنا‭ ‬إما‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬حجر‭ ‬صغيرة‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬القرى‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الأرياف‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬شقق‭ ‬العمارات‭ ‬السكنية‭ ‬مع‭ ‬كثرة‭ ‬أعداد‭ ‬أفراد‭ ‬العائلة‭ ‬الواحدة؛‭ ‬فتكون‭ ‬العمارة‭ ‬مكتظة‭ ‬بساكنيها‭ ‬ما‭ ‬يصعب‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الوباء‭ ‬التباعد‭ ‬الجسدي‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬الأسرة‭ ‬الواحدة؛‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تأمينه‭ ‬بين‭ ‬الفقراء‭ ‬بعكس‭ ‬الأثرياء‭ ‬إذ‭ ‬لكل‭ ‬فرد‭ ‬غرفته‭ ‬وسريره‭ ‬الخاص؛‭ ‬ولهذا‭ ‬نجد‭ ‬حجم‭ ‬الحرمان‭ ‬الذي‭ ‬تعيشه‭ ‬الطبقة‭ ‬الكادحة‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬إمكانية‭ ‬توفير‭ ‬كل‭ ‬المستلزمات‭ ‬التي‭ ‬يحتاج‭ ‬إليها‭ ‬أفراد‭ ‬الأسرة‭ ‬من‭ ‬الألعاب‭ ‬الالكترونية‭ ‬وكومبيوتر‭ ‬شخصي‭ ‬وهواتف‭ ‬ذكية‭ ‬يمنعهم‭ ‬من‭ ‬مواصلة‭ ‬تعليمهم‭ ‬عن‭ ‬بعد؛‭ ‬بعكس‭ ‬طبقة‭ ‬الأثرياء‭ ‬إذ‭ ‬يتمتع‭ ‬أطفالهم‭ ‬بامتيازات‭ ‬خاصة‭ ‬عبر‭ ‬تطبيقات‭ ‬الكترونية‭ ‬متطورة‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬فينجزون‭ ‬أعمالهم‭ ‬ودراساتهم‭ ‬بانتظام‭. ‬تجسد‭ ‬هذه‭ ‬الوقائع‭ ‬حجم‭ ‬الخلل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬اعتداء‭ ‬صريحا‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ (‬تكافؤ‭ ‬الفرص‭) ‬ليس‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬فحسب‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الحياة‭ ‬كلها؛‭ ‬فعدم‭ ‬المساواة‭ ‬في‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭.. ‬والتعليم‭.. ‬والعلاج‭.. ‬والإعفاء‭ ‬الضريبي،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬تظهر‭ ‬على‭ ‬السطح‭ ‬تأثيرات‭ ‬بالغة‭ ‬الخطورة‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬الطبقة‭ ‬الكادحة‭ ‬وأبنائها‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬التفاوت‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭.. ‬والتعليم‭.. ‬والصحة‭.. ‬يقود‭ ‬إلى‭ ‬تقرير‭ ‬مصير‭ ‬حياة‭ ‬الأسر‭ ‬والأفراد‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬متكافئ،‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬مستويات‭ ‬الحياة‭.‬ ونتيجة‭ ‬لعدم‭ ‬وجود‭ ‬استراتيجية‭ ‬واضحة‭ ‬المعالم‭ ‬والأسس‭ ‬العلمية‭ ‬لأغلب‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬إزاء‭ ‬انتشار‭ ‬هذه‭ ‬الجائحة‭ ‬تسير‭ ‬عليها‭ ‬وفق‭ ‬خطط‭ ‬طموحة‭ ‬لتجنب‭ ‬التبعات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬البشرية‭ ‬تجنبهم‭ ‬من‭ ‬الإحباط‭ ‬النفسي‭ ‬والسلوك‭ ‬المرتبك‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يخلفه‭ ‬من‭ ‬تبعات‭ ‬اجتماعية‭ ‬طويلة‭ ‬المدى؛‭ ‬هي‭ ‬أعمق‭ ‬واشد‭ ‬تأثيرا‭ ‬من‭ ‬التبعات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الشرقية‭ ‬أو‭ ‬الغربية؛‭ ‬وذلك‭ ‬نتيجة‭ ‬عدم‭ ‬استقرار‭ ‬الأوضاع‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المستويات‭ ‬السياسية‭.. ‬والاقتصادية‭.. ‬والاجتماعية‭. ‬ سيكون‭ ‬قطاع‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬لا‭ ‬محالة‭ ‬عرضة‭ ‬للإحباط‭.. ‬والقلق‭.. ‬والذعر‭.. ‬والارتباك‭.. ‬والتشويش؛‭ ‬التي‭ ‬ستسيطر‭ ‬على‭ ‬سلوكه‭ ‬وتصرفاته‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تأخذ‭ ‬الظروف‭ ‬الاجتماعية‭ ‬القاهرة‭ ‬مأخذها‭ ‬من‭ ‬الفرد‭ ‬بعد‭ ‬تفشي‭ ‬البطالة‭ ‬وفقدان‭ ‬العمل‭ ‬والوظائف‭ ‬وعسر‭ ‬المعيشة؛‭ ‬لتتفاقم‭ ‬أوضاعه‭ ‬أكثر‭ ‬وأكثر‭ ‬حين‭ ‬تعم‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬مظاهر‭ ‬الإغلاق‭ ‬العام‭.. ‬وحظر‭ ‬التجوال‭.. ‬والحجر‭ ‬المنزلي،‭ ‬ليصاب‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬الإحباط‭ ‬والاكتئاب‭ ‬ونوبات‭ ‬الهلع؛‭ ‬فتزداد‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬أعراض‭ ‬المرض‭ ‬النفسي؛‭ ‬لتثبت‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬مدى‭ ‬هشاشة‭ (‬النظام‭ ‬الدولي‭) ‬الذي‭ ‬هيمنت‭ ‬عليه‭ (‬الرأسمالية‭) ‬التي‭ ‬تقودها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والآيل‭ ‬إلى‭ ‬السقوط‭ ‬والتغيير‭ ‬لا‭ ‬محالة؛‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أثبتت‭ ‬هذه‭ ‬الجائحة‭ ‬فشل‭ ‬وزيف‭ ‬الحجج‭ ‬التي‭ ‬سيقت‭ ‬لنظام‭ ‬العولمة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تخدم‭ ‬إلا‭ (‬النظام‭ ‬الرأسمالي‭) ‬المستغل‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الطبقات‭ ‬الكادحة‭ ‬والفقراء‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬وليس‭ ‬فحسب‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭.‬ فجلّ‭ ‬هذه‭ ‬التغييرات‭ ‬الحاصلة‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬ونشهدها‭ ‬بأمهات‭ ‬أعيينا‭ ‬أحدثها‭ ‬وباء‭ (‬كورونا‭)‬؛‭ ‬لنرى‭ ‬كيف‭ ‬تصاعد‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬لقيادته،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬نجد‭ ‬فيه‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭ ‬تنغلق‭ ‬على‭ ‬نفسها؛‭ ‬وان‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬قد‭ ‬جاء‭ ‬نتيجة‭ ‬تفاوت‭ ‬الضرر‭ ‬الذي‭ ‬أحدثته‭ ‬الجائحة‭ ‬باقتصادياتها‭ ‬وعدم‭ ‬قدرة‭ ‬مجتمعات‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬تبعات‭ ‬الأضرار‭ ‬التي‭ ‬خلفتها‭ ‬جائحة‭ (‬كورونا‭).. ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬الحقائق‭ ‬يقال‭ ‬اليوم‭ ‬إن‭ ‬من‭ ‬يخرج‭ ‬منتصرا‭ ‬من‭ ‬تبعات‭ ‬جائحة‭ (‬كورونا‭) ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬سيقود‭ (‬النظام‭ ‬الدولي‭) ‬وسيعيد‭ ‬التحالفات‭ ‬والتكتلات‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬بحسب‭ ‬رؤيته‭ ‬وطموحاته‭ ‬في‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬مقدرات‭ ‬الآخرين‭ .‬ ولعل‭ ‬المتغيرات‭ ‬التي‭ ‬ستحصل‭ -‬لا‭ ‬محالة‭- ‬في‭ (‬النظام‭ ‬الدولي‭) ‬ستعيد‭ ‬صياغة‭ (‬النظام‭ ‬الدولي‭) ‬من‭ ‬جديد‭ ‬بشكل‭ ‬أكثر‭ ‬عدلا‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاستراتيجية‭ ‬لتواكب‭ ‬تطورات‭ ‬الحاصلة‭ ‬في‭ ‬البنية‭ ‬الاجتماعية‭:‬ أولا‭.. ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة؛‭ ‬مرحلة‭ ‬انكماش‭ ‬الطموح‭ ‬الاستعماري‭ ‬للدول‭ ‬الكبرى‭ ‬لتغير‭ ‬سياسة‭ ‬أطماعها‭ ‬في‭ ‬استغلال‭ ‬ثروات‭ ‬الآخرين؛‭ ‬لأنه‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬تحقيق‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المآرب،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اخفق‭ (‬النظام‭ ‬الرأسمالي‭) ‬الذي‭ ‬غلف‭ ‬سياسته‭ ‬بالأيديولوجيا‭ (‬الليبرالية‭) ‬و‭(‬النيوليبرالية‭) ‬لفرض‭ ‬سياسات‭ ‬قمعية‭ ‬إزاء‭ ‬مقدرات‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى؛‭ ‬ليكون‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬المفاهيم‭ ‬وعبر‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدولية‭ ‬مثل‭ (‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭) ‬و‭(‬البنك‭ ‬الدولي‭) ‬و‭(‬منظمة‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭) ‬مهمينا‭ ‬على‭ ‬مقدرات‭ ‬العالم‭ ‬بإشراف‭ (‬النظام‭ ‬الرأسمالي‭) ‬الذي‭ ‬تقوده‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ .‬ وثانيا‭.. ‬الدول‭ ‬العظمى‭ ‬اليوم‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تعاون‭ ‬اقتصادي‭ ‬لتجاوز‭ ‬مرحلة‭ ‬الكساد‭ ‬التي‭ ‬يمر‭ ‬بها‭ ‬النظام‭ ‬الاقتصادي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬بلدان‭ ‬العالم،‭ ‬لان‭ ‬المجتمعات‭ ‬البشرية‭ ‬ناضلت‭ ‬نضالا‭ ‬مستميتا‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬انتزاع‭ ‬حقوقها‭ ‬من‭ ‬الأنظمة‭ ‬الشمولية‭ ‬والمستبدة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬فهي‭ ‬اليوم‭ ‬لن‭ ‬تتنازل‭ ‬عن‭ ‬حقوقها‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كسبتها‭ ‬خلال‭ ‬مسيرتها‭ ‬النضالية‭ ‬الطويلة؛‭ ‬ولذلك‭ ‬تقف‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬السلطات‭ ‬والأنظمة‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬تستغل‭ ‬ظروف‭ ‬جائحة‭ (‬كورونا‭) ‬للالتفاف‭ ‬على‭ ‬حقوقها‭ ‬المكتسبة،‭ ‬ولهذا‭ ‬فهي‭ ‬تناضل‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬إزالة‭ ‬الفوارق‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وتحقيق‭ ‬العدل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدول؛‭ ‬وألا‭ ‬تتغاضى‭ ‬عن‭ ‬الجهات‭ ‬التي‭ ‬استغلت‭ ‬ظروف‭ ‬الجائحة‭ ‬لتحقيق‭ ‬أرباح‭ ‬هائلة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الطبقات‭ ‬الكادحة‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ .‬ فإذا‭ ‬كانت‭ ‬الشركات‭ (‬الرأسمالية‭) ‬تكرس‭ ‬أنشطتها‭ ‬لاستغلال‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬الربح‭ ‬السريع‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبحت‭ ‬إرادتها‭ ‬تتحكم‭ ‬في‭ ‬مقدرات‭ ‬العالم‭ ‬اجمع‭ ‬بعد‭ ‬انفكاك‭ (‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭) ‬وانكماش‭ (‬الشيوعية‭) ‬ليصبح‭ ‬العالم‭ ‬سوقا‭ ‬حرا‭ ‬للطبقة‭ (‬الرأسمالية‭) ‬فحسب‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الإنسانية‭ ‬والنظام‭ ‬الاجتماعي؛‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استغلت‭ (‬الرأسمالية‭) ‬وعي‭ ‬الطبقات‭ ‬الشعبية‭ ‬والكادحة‭ ‬برفع‭ ‬شعارات‭ ‬مزيفة‭ ‬باعتبار‭ (‬الرأسمالية‭ ‬مساوية‭ ‬للديمقراطية‭)‬؛‭ ‬وعبر‭ ‬هذه‭ ‬الطبقات‭ ‬الكادحة‭ ‬عززت‭ ‬ورفعت‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭.. ‬والصحافة‭.. ‬والتجمع‭.. ‬والعمل‭ ‬النقابي‭.. ‬وتكوين‭ ‬الجمعيات‭.. ‬والحق‭ ‬في‭ ‬الإضراب‭ ‬والاحتجاج‭.. ‬والمساواة‭ ‬أمام‭ ‬القانون،‭ ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬هذه‭ ‬المعايير‭ ‬في‭ ‬الدول‭ (‬الرأسمالية‭)‬،‭ ‬في‭ ‬مقدمتها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬تعتبر‭ ‬أي‭ ‬هجوم‭ ‬على‭ ‬حرية‭ ‬المال‭ ‬والرأسماليين‭ ‬الكبار‭ ‬هو‭ ‬هجوما‭ ‬على‭ (‬الديمقراطية‭ ‬الرأسمالية‭)‬؛‭ ‬فتمارس‭ ‬أبشع‭ ‬أنواع‭ ‬العنف‭ ‬والاستبداد‭ ‬لقمع‭ ‬مثل‭ ‬هكذا‭ ‬توجهات‭ ‬مجتمعية‭ ‬وآراء‭ ‬واحتجاجات‭ ‬ضد‭ (‬الطبقة‭ ‬الرأسمالية‭)‬،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الفلسفة‭ ‬تدير‭ (‬الرأسمالية‭) ‬شؤون‭ ‬الحياة‭ ‬وتمارس‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يخطر‭ ‬في‭ ‬البال‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬تهديد‭ ‬يمس‭ ‬مصالحها‭ (‬الرأسمالية‭) ‬ومصالح‭ ‬الطبقات‭ ‬الارستقراطية‭ ‬من‭ ‬الأغنياء‭ ‬وأصحاب‭ ‬المصانع‭ ‬والشركات‭ ‬الاستثمارية‭ ‬العملاقة‭ .‬ لذلك‭ ‬فإن‭ (‬الرأسمالية‭) ‬تمثل‭ ‬إشكالية‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬البشر،‭ ‬لكونها‭ ‬تعتبر‭ ‬الأوبئة‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬معينة‭ ‬ضرورية‭ ‬وحتمية‭ ‬لإحداث‭ ‬استقرار‭ ‬الاقتصاد‭ ‬ودفعه‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭ ‬بإنتاجية‭ ‬أكثر‭ ‬لإدامة‭ ‬رأس‭ ‬مال‭ ‬المستثمرين؛‭ ‬وإذ‭ ‬اقتضى‭ ‬الحال‭ ‬ذلك؛‭ ‬تظهر‭ ‬نظرية‭ ‬انه‭ ‬يجب‭ ‬صناعة‭ ‬الفيروسات‭ ‬لنشر‭ ‬الأوبئة‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬نمو‭ ‬أرباح‭ ‬الرأسمالية‭.‬ ومن‭ ‬هنا‭ ‬فإن‭ ‬انتشار‭ ‬وباء‭ (‬كورونا‭) ‬في‭ ‬أيامنا‭ ‬هذه‭ ‬لا‭ ‬يستبعد‭ ‬صناعته‭ ‬في‭ ‬المختبرات‭ ‬العلمية‭ ‬للقوى‭ (‬الرأسمالية‭) ‬لمثل‭ ‬هكذا‭ ‬أهداف؛‭ ‬لان‭ ‬منطلقاتهم‭ ‬تذهب‭ ‬نحو‭ ‬تبني‭ ‬فكر‭ (‬نشر‭ ‬الأوبئة‭ ‬والأمراض‭) ‬كضرورة‭ ‬لجعل‭ ‬الاقتصاديات‭ (‬الرأسمالية‭) ‬أكثر‭ ‬إنتاجية،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬تفشي‭ ‬جائحة‭ (‬كورونا‭) ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كشف‭ ‬الوباء‭ ‬الوجه‭ ‬الحقيقي‭ ‬لـ‭(‬الرأسمالية‭)‬؛‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وضع‭ ‬في‭ ‬ميزان‭ ‬التقييم‭ ‬والنقد‭ ‬الكيفية‭ ‬التي‭ ‬أديرت‭ ‬بها‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬الوبائية‭ ‬إذ‭ ‬ظهر‭ ‬الإهمال‭.. ‬وعدم‭ ‬الاهتمام‭.. ‬وعدم‭ ‬تطويق‭ ‬الجائحة‭ ‬في‭ ‬مهدها‭.. ‬وجعلوها‭ ‬تنتشر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم؛‭ ‬حتى‭ ‬فقدوا‭ ‬السيطرة‭ ‬عليها‭.‬ {‭ ‬باحث‭ ‬وكاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

مشاركة :