يشهد التمويل الأخضر نمواً متسارعاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث بلغ إصدار الديون الخضراء والديون المرتبطة بالاستدامة خلال النصف الأول من عام 2021، نحو 6.4 مليار دولار، بحسب بنيامين جروليموند، المدير الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا- قسم المبيعات في بلومبرغ أل. بي. وقال جروليموند إن إصدارات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ارتفعت بنسبة 38% في إجمالي العام 2020، مقارنة بزيادة عالمية بنسبة 12%، وذلك بحسب جداول تصنيف بلومبرغ للربع الأول من العام. وأضاف «يُعزى هذا النمو إلى ظهور فرص جديدة للاستثمار في مجالات مثل الطاقة المتجددة وتقنيات التقاط الكربون واستخدامه، وهي مجالات تشهد طلباً متزايداً في المنطقة. ونتيجة لذلك، أصبحت المشاريع الهيدروكربونية التقليدية أقل استحساناً من حيث جذب التمويل الأخضر». وأكد أن ديناميات التمويل الأخضر وبنيته التحتية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تختلفان عن تلك في بقية أنحاء العالم، حيث تتركز عمليات التمويل الأخضر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى عدد من اللاعبين الرئيسيين، والذين يمثلون مجموعة صغيرة نسبياً من البنوك التي تمول المشاريع الضخمة، والتي تستهدف سوق التمويل الأخضر، بينما تفتقر البنوك الأصغر إلى التخصص والتطور اللازمين للمشاركة في هذا التمويل. وتميزت مؤخراً كل من شركة الراجحي المصرفية للاستثمار، وبنك الرياض، والبنك السعودي الفرنسي، والبنك الوطني السعودي، وبنك الإمارات دبي الوطني، كأكبر المؤسسات المالية في إصدار الديون الخضراء في المنطقة. ويبلغ متوسط حجم الإصدار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نحو 583 مليون دولار، مقارنة بمتوسط 300 مليون دولار في بقية أنحاء العالم. وكشف جروليموند أنه من بين 12 إصداراً للديون الخضراء والديون المتعلقة بالاستدامة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، استحوذت أربع صفقات من المملكة العربية السعودية على نحو 63% من إجمالي حجم الإصدارات في المنطقة، بينما تعود الحصة المتبقية التي تبلغ نحو 37% إلى دولة الإمارات. وأوضح أن الصورة تختلف بشكل ملحوظ في مناطق أخرى من العالم، حيث نشهد انخراط البنوك الكبرى لمواكبة التوجه السائد حالياً نحو التمويل الأخضر. ويأتي ذلك انعكاساً لمستوى تطور هذه الأسواق ومستويات السيولة الأعلى فيها. وتعتبر محدودية الإفصاح عن بيانات التمويل الأخضر من الديناميات الأخرى المهمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تواصل الأسواق فيها العمل على تحديد ماهية الأنشطة المتوافقة، أو غير المتوافقة مع معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات. وفي الوقت الراهن، لم تشارك معظم البنوك الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في سوق التمويل الأخضر. ولم نشهد حتى الآن سوى إصدار واحد مرتبط بالاستدامة من البنك الإسلامي للتنمية مقابل 2.5 مليار دولار في مارس 2021. وتُعزى المشاركة المحدودة جزئياً إلى أن البنوك الإسلامية لم تستكمل بناء القدرات اللازمة للتعامل مع التمويل الأخضر، إضافة إلى أن هذه البنوك ما زالت تضع اللمسات الأخيرة على المعايير والوثائق والأطر اللازمة لإجراء صفقات التمويل الأخضر. وإذا ما تغيّر هذا، فمن المحتمل أن يمثل تغييراً في قواعد اللعبة، ومن المرجح أن يؤدي إلى تغيير أساسيات التمويل الأخضر في جميع أنحاء المنطقة. وتبرز أهمية الاستدامة في كونها الركيزة الأساسية في رؤى ومبادرات التحول الاستراتيجية التي اعتمدتها دول المنطقة، مثل الرؤية السعودية 2030 ورؤية أبوظبي 2030. وتعدّ مبادرات التنمية الاقتصادية والتنويع الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومنطقة الخليج على وجه الخصوص، مرتبطة بشكل وثيق بالاستثمار الأخضر. وستعمل أجندات التحول هذه كمحفزات لدفع معاملات التمويل الأخضر إلى تحقيق أهدافها. استراتيجية الطاقة تهدف استراتيجية الطاقة لدولة الإمارات 2050 إلى خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن توليد الطاقة بنسبة %70. وتسعى إلى زيادة حصة الطاقة النظيفة من مزيج الطاقة الإجمالي من %25 إلى %50، فضلاً عن تحسين كفاءة استهلاك الأسر والشركات للطاقة بنسبة %40 بحلول عام 2050. وسيساهم هذا التحوّل في إيجاد فرص هائلة على مدى السنوات التسع والعشرين المقبلة، لكن هذا سيتطلب استثمارات ضخمة، وهنا يأتي الدور الحاسم لبنوك منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
مشاركة :