لمشاهدة الجرافيك بالحجم الطبيعي اضغط هنا يبدو أن النظام التركي ورئيسه رجب طيب أردوغان باتا محاصرين بمجموعة استحقاقات داخلية وخارجية، جعلت رهانه على الانتخابات البرلمانية المرتقبة مطلع نوفمبر المقبل أكبر من ذي قبل، ما يفتح الباب أمام سيناريوهات لجوئه إلى العنف، سواء السياسي أو الميداني لكسب المعركة، على نحو ربما يفسح المجال لتدخل الجيش وعودة حكم الجنرالات، وينهي زمن حزب العدالة والتنمية الحاكم. الهجوم الدموي الذي استهدف أنقرة الشهر الجاري، وهو الأسوأ في تاريخ تركيا الحديث، والذي وصفه مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن الأميركي سونر كاجابتاي بأنه 11 سبتمبر تركيا، يأتي في الوقت الذي يتزايد الاستقطاب التركي، سواء اجتماعيا أو سياسيا، ومع تفاقم الانقسامات بسبب طبيعة حكم أردوغان الشخصية. المعارضة والنظام التركي وظفّا الهجوم كلّ حسب مصالحة الخاصة. النظام والمقربون منه وجّهوا أصابع الاتهام إلى تنظيم داعش، وفسّروه على أنه محاولة للتأثير على نتائج الانتخابات البرلمانية وإضعاف أردوغان في وقت اختلت فيه استراتيجيته في سوريا بعد التدخل الروسي، وهي القائمة على إسقاط الرئيس بشار الأسد والحد من مكاسب الأكراد على الأرض، وبدأوا الترويج إعلامياً بأن تفجيري أنقرة مؤامرة جديدة من جانب قوى تلقى دعماً من الخارج لتقويض الدولة التركية وتقويض مكانتها في الشرق الأوسط، على حد وصفهم، فيما يعيد إلى الأذهان اتهامات النظام المتتالية لما يصفه بـالكيان الموازي، الذي يتهم حليفه السابق رجل الدين فتح الله غولن بالوقوف وراءه. المعارضة بدورها، اعتبرت أن قوى سرية مؤيدة للحكومة متواطئة بشكل أو بآخر في إطار استراتيجية النظام لتخويف الناخبين من أجل دعم برنامج أردوغان القائم على إعطاء أولوية للقانون والنظام والأمن، وهي تتهمه باللجوء إلى الفوضى الموجهة وزعزعة الاستقرار لاستعادة التفاف الشارع التركي حوله. فوضى موجهة الاضطرابات التي تشهدها الساحة التركية ليست وليدة حادث أنقرة، بل تفاقمت من قبل مع تفجير سروج جنوب البلاد، وهو ما دفع أنقرة إلى إعلان الحرب على تنظيم داعش ومعاقل حزب العمال الكردستاني، وسط شكوك بشأن تعاونها مع المساعي الدولية لدحر التنظيم، وبالتزامن أيضا مع حملات اعتقالات ومداهمات واسعة يشنها الأمن التركي على تنظيمات متطرفة ويسارية في مناطق متفرقة من البلاد. وفيما استبق رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو هجوم أنقرة، محذراً الأتراك من هجمات متعددة لضرب ما أسماه الديمقراطية وتقدم البلاد، استنكر أردوغان التفجير ووضعه في سياق الهجمة الإرهابية التي تتعرض لها تركيا، بما في ذلك الهجمات التي ينفذها حزب العمال الكردستاني، حسب قوله. إلا أن ما تشيعه الحكومة من فوضى، وبحسب وسائل إعلام معارضة، يندرج ضمن الخطة المقترحة لإعادة حزب العدالة والتنمية إلى رأس الحكم بمفرده مرة أخرى. وذكرت صحيفة توداي زمان التركية المعارضة أنه كلما ارتفع العنف السياسي، يزداد الدعم لحزب أردوغان، وأضافت: العدالة والتنمية هو طفل الخوف السياسي، حيث يحكم الناس على مبدأ الخوف، وبالتالي سيصوت الناخبون له للشعور بالأمان. وأوضحت الصحيفة أن الحزب الحاكم استفاد من حالات عنف سابقة، مثل التي حدثت في عام 2007 أثناء الاشتباك مع حزب العمال الكردستاني، كما استفاد من تفجير مدينة ريحانلي في عام 2013 برفع نسبة مؤيديه. فيما دعا زعيم حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دمرتاش إلى إنهاء حكم أردوغان، وقال: لن نتصرف بدافع الانتقام والكراهية.. الانتخابات ستكون جزءاً من إسقاط الديكتاتور. التحدي الكردي تحديات أخرى على أردوغان مواجهتها لاستعادة قاعدته الجماهيرية، لا سيما بعد التفاف الأكراد وبعض الأتراك حول دمرتاش، الذي حقق اختراقا في الانتخابات الأخيرة، حيث بات يمثل هذا الحزب الفتي الأكراد تحت قبة البرلمان التركي للمرة الأولى في تاريخ البلاد، ما يضع تساؤلات أخرى حول مصير ملف الملف الكردي، في ظل اتفاق وقف إطلاق النار المترهل وتزايد الهجمات المتبادلة بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني، ما ينذر بوقوع حرب أهلية بين الحزب والموالين لأردوغان. وبحسب خبراء، فإن أردوغان يتخذ الحرب على داعش غطاء لتحقيق مصالحه السياسية المحلية على حساب مصالح البلاد، وذلك من خلال فتح النار على الأكراد، وتعزيز دعمه بين القوميين الأتراك ومحاولة استمالتهم وليس هزيمة داعش. انقسام الشارع وفي ظل تلك المعطيات، تتباين توقعات الأتراك بشأن الانتخابات البرلمانية المبكرة، حيث يرى بعضهم أنها ستفضي إلى فوز العدالة والتنمية، بما يمكنه من إنهاء حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد، التي عرفتها تركيا منذ إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة. فيما يرى آخرون أن هذه الانتخابات لن تختلف عن النتائج الأخيرة، وأن الحل هو القبول بتشكيل حكومة ائتلافية، تتنازل فيها الأحزاب الفائزة لكي تتجاوز تركيا هذه المرحلة الصعبة. ويرى أتراك أن الانتخابات ستكون مصيرية وستضع حداً لكافة مشاكل البلاد، سواء على المستوى السياسي أو الأمني، بما يحد من آثار نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت في السابع من يونيو الماضي على الاقتصاد أيضاً. ويرجح بعضهم فوز حزب العدالة والتنمية في هذا الاستحقاق بنسبة تتجاوز 48 في المائة على حساب تراجع حزب الشعوب الديمقراطي ذي الغالبية الكردية إلى ما دون 10 في المائة، خاصة بعد تصريحات مناصري الحزب الرافضة للتشارك مع بقية الأحزاب. استطلاعات متباينة وبشكل عام، هناك ثلاثة مساقات من عمليات استطلاع الرأي حول الانتخابات التركية المبكرة، وهي استطلاعات رأي لشركات قريبة من العدالة والتنمية، وأخرى قريبة من المعارضة التركية، والنوع الثالث من استطلاعات الرأي تنشره صحف تستخدم اللغة العربية وتدور في الفلك الإيراني، وتعطي هذه عموماً للعدالة والتنمية أقل مما تعطيه استطلاعات الرأي التي تجريها المعارضة التركية بعشر نقاط على الأقل. ومع أن مؤسسات استطلاع الرأي التركية، التي يعتبرها البعض ذات مصداقية مثل مؤسسة غيشيسي، أعلنت أن حزب أردوغان يملك 39 في المائة فقط من الأصوات، مقارنة بحوالي 42 في المائة بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة، إلا أن ذلك لم يمنع الرئيس التركي من السير قدماً باتجاه الانتخابات المبكرة. التناقض القومي ويرى مراقبون أن أردوغان يراهن على ثغرة قانونية في الدستور التركي، وهي الفقرة المتعلقة بتمثيل الأحزاب في البرلمان عندما تتجاوز حاجز العشرة في المائة من الأصوات، والتي تنص على أنه في حال فشل أي من الأحزاب في الحصول على تلك النسبة تذهب كل الأصوات التي حصلت عليها إلى مصلحة الحزب الأكبر، والذي سيكون بالطبع حزب العدالة والتنمية. ويراهن أردوغان على إضعاف شعبية حزب الشعوب الديموقراطي الذي حصل في الانتخابات السابقة على 13 في المائة من الأصوات. وبحسب مراقبين، يسعى الرئيس التركي إلى تفعيل التناقض القومي التركي الكردي والتأثير على الحزب كي لا يتجاوز حاجز العشرة في المائة، ومنع متعاطفين أتراك مع الحزب الكردي اليساري من التصويت لمصلحته مجدداً. وترى المعارضة أن أردوغان يستخدم الحرب على داعش كغطاء للحرب على الأكراد داخل تركيا وخارجها، ما قد يدخل البلاد في دوامة من العنف، تعيد إلى الأذهان أحداث الثمانينيات والتسعينيات من القرن المنصرم. معارضة متصاعدة في غضون ذلك، ترى أوساط أخرى أن مقامرة أردوغان بالمراهنة على نتائج الانتخابات المبكرة لا تبدو مضمونة، بل على العكس تشي الحربان اللتان تخوضهما تركيا، ضد الأكراد وضد داعش، وقمع الاحتجاجات الداخلية، بتزايد المعارضة التركية للنظام. ويتهم معارضون أردوغان بأنه دفع البلاد إلى حافة الحرب مع ثماني دول على الأقل، مشيرين إلى أن تركيا أصبحت مركز تدريب للمنظمات الإرهابية. وبحسب استطلاع للرأي، زادت شعبية حزب الشعوب الديموقراطي من 13 في المائة في الانتخابات الأخيرة إلى 14 في المائة. وفي تطور لافت، أعلنت 12 مدينة تركية ذات غالبية كردية، ومن ضمنها مدينة سيرناك، عن حكم ذاتي من جانب واحد، في تطور يعدّ الأخطر على تماسك تركيا الداخلي منذ عقود مضت. أغلبية مطلقة بالمقابل، تشير استطلاعات إلى تحقيق حزب العدالة والتنمية تقدماً في الانتخابات المبكرة، حيث أظهر أحدث استطلاع أجرته مؤسسة ماك في تركيا إلى أن الحزب كسب تأييدا خلال شهرين يتيح له استعادة الأغلبية المطلقة. وبحسب الاستطلاع، سيحصل العدالة والتنمية على 44,7 في المائة من الأصوات، بزيادة تبلغ نحو أربع نقاط مئوية عن نسبة 40,9 في المائة التي حصل عليها في انتخابات يونيو. فيما سيحافظ كل من حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية على نسبة كل منهما، بينما سيتراجع تأييد حزب الشعوب الديمقراطي إلى 10,7 في المائة. دائرة العنف ومع إجماع عدد من استطلاعات الرأي على فوز حزب العدالة في الانتخابات المقبلة، بما لا يؤمّن له الأغلبية الساحقة، يتعزز سيناريو لجوء أردوغان إلى العنف السياسي، إما من خلال التزوير أو شراء الأصوات أو خلق فوضى موجهة، وهو ما ستقابله المعارضة بعنف على الأرض، ما قد يدفع الجيش للخروج عن ثكناته والتدخل وربما فرض حكم عسكري لاحتواء الأزمة، لا سيما في ظل ما يوصف بأنه ثأر قديم بين العدالة والتنمية والجيش الذي استبعد من المشهد استنادا إلى إصلاحات داخلية نفذها النظام التركي تماشيا مع معايير الاتحاد الأوروبي، وسلسلة الاعتقالات التي جرت في عام 2007 بحق عدد كبير من الضباط الأتراك بتهمة التحضير لانقلاب على الحكومة، والتي رافقتها استقالة قادة المؤسسة العسكرية، ما أنهى دور الجيش المنافس لحكومة العدالة والتنمية. كذلك، فإن ما يجعل الانقسامات التركية العميقة مقلقة، وما يعزز فرضية تدخل الجيش وقوعها في وقت تورطت البلاد في تحديات أمنية خارجية وفي كثير من الملفات الساخنة في المنطقة، وفي مقدمتها الأزمة السورية، وهو ما انعكس سلباً على الوضع الاقتصادي والاجتماعي نتيجة الانخراط في الملف السوري أو بسبب تدفق اللاجئين السوريين، إضافة إلى ما يوصف بأنه مخاطر أمنية ناجمة عن دعم تركيا لبعض الحركات المسلحة. وبحسب مراقبين، فإن الجيش التركي ليس مرتاحاً لتورط تركيا في الملف السوري، إذ إن تلك التغيرات ستشجع الجيش على الخروج من سيطرة أردوغان الكاملة.
مشاركة :