أنقرة – تجتمع تحليلات الخبراء مع مؤشرات المؤسسات المالية ووكالات التصنيف الدولية على حقيقة مفادها أن التحديات المختلفة التي تواجه الاقتصاد التركي تزداد حدّة يوما بعد يوم رغم مكابرة المسؤولين بأن البلاد تجاوزت محنتها، خاصة إذا ما تعلق الأمر بسرعة تراكم الدين العام. ولئن كانت مسألة تضخم الدين العام في الأسواق الناشئة، كما هو الحال مع تركيا، أمرا يبدو عاديا بالنسبة إلى شق من المحللين، إلا أن السياسات الاقتصادية التي يتبعها الرئيس منذ توليه السلطة تجعل النظرة مختلفة إلى تركيا كون محددات قياس تعافي الناتج المحلي الإجمالي لا تسير على النحو الأمثل. وتظهر بيانات وزارة المالية التركية أن الدين العام للحكومة زاد بنسبة 109 في المئة خلال 3 سنوات منذ تطبيق نظام الحكم الرئاسي الذي تطالب المعارضة بإلغائه والعودة إلى النظام البرلماني. وكان الدين العام للحكومة عند مستوى 970 مليار ليرة (115 مليار دولار) في يونيو 2018 وهو تاريخ الانتقال إلى النظام الرئاسي، وقد شكلت الديون بالعملة الصعبة نحو 42 في المئة أي ما يعادل 409 مليارات ليرة (48.7 مليار دولار). 109 في المئة نسبة زيادة الدين العام للبلاد منذ العام 2018 وفق وزارة المالية التركية وفي الإجمال تبلغ ديون الحكومة التركية الداخلية نحو 1.9 تريليون ليرة تركية (نحو 250 مليار دولار)، وتشكل هذه الديون نسبة 36 في المئة تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي، وهي مقارنة بالدول النامية تُعتبر نسبة غير مرتفعة، لكن بقية الدول النامية تتمتع بسهولة في الوصول إلى ديون خارجية وبأسعار فائدة أقل. كما أن 58 في المئة من الديون الداخلية باتت بالدولار وليس بالليرة، والسبب في ذلك الفساد المالي، كما تقول المعارضة، إذ أن أهم مستحقيها هي شركات إنشاءات كبرى أصحابها رجالُ أعمال مقربون من أردوغان لقاء مشاريع خدمية لبناء جسور وطرق. ووفق بيانات وزارة الخزانة فإن الحكومة مطالبة هذا العام بتدوير ديون داخلية بقيمة 55 مليار دولار و10 مليارات دولار من ديونها الخارجية. ويقول محللون إن عدم الاستقرار الاقتصادي من أكبر المشاكل في تركيا التي شهدت تغيرات في العديد من المجالات مع النظام الجديد، فقد زادت التقلبات الحادة في سعر صرف العملة المحلية التي فقدت نحو ربع قيمتها في السنوات الثلاث الأخيرة من ديون الحكومة والقطاع الخاص بشكل كبير. وما يعكس حجم الأزمة الاقتصادية رغم توقعات الحكومة بنمو الاقتصاد بأكثر من 5 في المئة بنهاية العام الجاري، اضطرار أنقرة للحصول على زيادة قدرها 6.4 مليار دولار بفضل برنامج حقوق السحب الخاص الأخير التابع لصندوق النقد الدولي، مما سيزيد من أعباء الديون وفوائدها. وتبدو موازنة 2021 غير منطقية، فهي تعتمد على رفع الضرائب وزيادة الديون الداخلية، ومع تدهور الوضع التجاري المحلي فإن هذا لا يدع للحكومة مخرجاً سوى زيادة الديون الداخلية مجددا. وهناك طرفان فقط يُقبِلان على شراء سندات ديون الخانة التركية محليا هما صندوق المعاشات التقاعدية والبنوك التجارية المحلية. وبسبب الجائحة استخدمت الحكومة احتياطات صندوق المعاشات التي انخفضت بسبب ذلك بنسبة 25 في المئة، وبالتالي فإن هذا الكيان لن يكون بإمكانه شراء المزيد من سندات الخزانة هذا العام، وسيكون هناك فقط البنوك التجارية المحلية التي تستدين منها الحكومة. Thumbnail لكن البنوك المحلية أيضا تعاني من صعوبة سداد وتحصيل ديونها على المواطنين والمؤسسات، وعليه فإنه ما لم تحصل على مصدر للديون والتمويل الخارجي فإنها هي الأخرى ستجد صعوبةً بالغة في شراء سندات ديون الخزانة هذا العام. واعتمدت الحكومة خلال الأعوام الماضية على مصادر دخل إضافية لمرة واحدة، وإصدار عفو عن المخالفات العقارية مقابل غرامات مالية وهذه المصادر ساعدت الحكومة في سد مديوناتها الداخلية بنسبة ما، ولذلك لم يبق في يد الحكومة هذا العام أي من هذه الخيارات. وقد تلجأ الحكومة إلى الخصخصة مجددا، خصوصاً في مشاريع التصنيع وكذلك مشاريع البناء مثل مشروع قناة إسطنبول المثير للجدل لكن لا توجد شهية لدى المستثمرين الأجانب للدخول في مشاريع الخصخصة بسبب عدم الشفافية وتراجع سعر الليرة، وحالياً فإن قطر والصين هما الطرفان الوحيدان اللذان أبديا اهتماماً بمشاريع الخصخصة هذه. وبلغ حجم الديون المعدمة وغير المسددة لدى البنوك المحلية نحو 19.3 مليار دولار، أي 4.15 في المئة من مجموع الديون المستخدمة والمقدمة محليا، لكن هذا الرقم غير حقيقي وفق مؤسسات المتابعة المالية المستقلة، خاصة إذا ما تم الأخذ بعين الاعتبار حجم الديون الكبيرة التي تم منحها بأسعار فائدة مخفضة من قبل البنوك الحكومية. ورغم العلاجات التي يقوم بها أردوغان، ينتقد خبراء الاقتصاد وأحزاب المعارضة الحكومة لقيامها ببيع مكثف لاحتياطيات المركزي من العملات الأجنبية في عامي 2019 و2020 في محاولة غير مجدية لدعم الليرة دون اللجوء إلى زيادة أسعار الفائدة التي تقبع الآن عند 19 في المئة.
مشاركة :