أفغانستان: العودة الى نقطة الصفر!

  • 8/25/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

مشكلات الشرق الأوسط العربي ضخمة، إلا أن موضوع أفغانستان يفرض نفسه، ليس فقط بسبب تأثيره في المنطقة المحيطة بدولة أفغانستان، ولكن بسبب تأثيره المباشر فينا العرب في المنطقة ككل. أبدأ بنقل قصة سردها صديق من تجار الكويت العصاميين، فقد أخذته تجارته إلى أفغانستان في وقت قديم من ستينات القرن الماضي يبحث عن فرص تجارية، وكان الرجل متواضعاً ولا يلبس إلا الملابس الشعبية الخليجية المعروفة، أوقفه في الطريق رجل كهل أفغاني وسأله انت من الحجاز؟ لم يرد التطويل قال من بلد قريبة منها، فانكب الرجل الكهل على راحة يدي الصديق يقبلها، وترك كما من الدموع فيها احرجت الرجل! وقال له ادعو لي لأن دعوتكم انتم مستجابة أهل لغة القرآن! هذا المنظر يشير الى عنصرين، الأول موضع تقلقل الشعور الديني لدى العامة والثاني قبول أبناء الشرق الأوسط المتشددين على أنهم أقرب الى الدين. تريد "طالبان" أن تطبق الشريعة فأي تفسير للشريعة مقصود؟ تفسير الشريعة متعدد الاجتهادات وبعض تفسيراتها يضيق او يتسع، بحسب من يقوم بتفسيرها. فالموقف من المرأة والموقف من الانتخابات العامة والموقف من التعليم الحديث، كلها تخضع لعامل المواءمة، ولكنها بالنسبة الى "طالبان" التوقف في كل ذلك مع تفسيرات من قرون سابقة، حتى مخالفة لما تدعيه من اتباعها لاجتهادات المدرسة الحنفية. أفغانستان كبقية كثير من الشعوب مسها التحديث في النخبة فقط ولم يصل الى شرائح وازنة كما حدث مثلاً في العديد من الدول الإسلامية في الشرق، فبقيت قراها ونجوعها منذ أن تركها ربما آدم. الصراع الطويل والتدخلات الخارجية للدول الكبرى والصغرى صحرت النخب الأفغانية وهاجر معظمها، وأخيراً لم تجد الدول المتصارعة، بخاصة الغرب وحلفاءه، ما يمكن أن يقف ضد ما نظر اليه أنه توسع سوفياتي في ثمانينات القرن الماضي في تلك البلاد غير إحياء تلك المجموعات الطرفية والمنعزلة اجتماعياً وحاملة لأفكار قرو- وسطية لاستخدامها وقوداً ضد الاحتلال السوفياتي، ومثل أي أداة (بدائية \ خديجة) ترتد على صانعها، لأنها لا تعرف لماذا هي وجدت وأي غرض يجب أن تحقق. مر على "طالبان" منذ ظهورها ثلاثة أمراء الأول توفي الملا عمر والثاني قتل اختر محمد منصور و الثالث الحالي هو هبة الله اخوند زادة، بين الثلاثة الأخير فقط مولوي أي متقدم في العلوم الشرعية بحسب ترتيب طبقاتهم العلمية، و الأولان فقط ملا بسيط في العلوم الشرعية. في حكمها الأول بين 1996 – 2001 ارتكبت الحركة مذابح وتصفيات فظيعة في حق الشعب الأفغاني لا تتوافق مع أي حد أدنى من العدالة. كانت الفتيات ينتزعن من منازلهن في الحواضر ويقدمن غنيمة حرب لمن كان يحارب من بشتون باكستان، وتؤخذ تلك السبايا الى القرى الباكستانية (البشتون أغلبية نسبية في أفغانستان وحجم أكبر من العرق نفسه في باكستان)، وأرجعت "طالبان" في تلك الفترة البلاد الى القرون الوسطي وانتشر الفساد وغاب أي شكل من أشكال القانون وتدفق ملايين الفارين على الحدود المجاورة وفي العالم. كل ما نسمعه ونشاهده من تصريحات قادة "طالبان" اليوم لا يخرج عن كونه كلاماً من دون أفعال وربما شراء للوقت. القاعدة الفكرية تتغلب والأمر بيد "أمير الإمارة أخوند". كلمته هي الأولى والأخيرة حول كل ما يجري في البلاد، ولأن الوضع كذلك فسوف تكون أفغانستان في القريب مكاناً آمناً لكل الحركات الراديكالية في المنطقة، وبخاصة العربية، وهي اليوم موجودة طلائعها، الدليل على ذلك هذا الترحيب الشديد من اشخاص و قيادات وتنظيمات متشددة في الشرق الأوسط بتطور الأحداث هناك، متيقنين أن بذور "الخلافة الإسلامية" التي حلموا بها ظهرت تباشيرها في تلك البلاد. فالحج الى أفغانستان لن يتأخر كثيراً من تلك القوى الى تلك البلاد التي تتصحر الآن من كل ما له علاقة بالعصر الحديث، كما أن الترحيب بهذه المجاميع هو واجب من جانب "طالبان" يفرضه عليها ما تحمله من أفكار تجاه تلك المجاميع المتشددة. التسامح الذي تحدثت عنه تنفيه الكثير من الوقائع، بعد يومين فقط من دخول مقاتلي الحركة الى العاصمة كابول قام مقاتلوها بتفكيك مظاهر الاحتفال بعاشوراء في أحد أحياء الشيعة في العاصمة. والإعدامات التي يشاهد بعضها العالم وبشكل فظ، بعض ما سوف يحدث في المستقبل ودليل أولي الى أي نوع من الشريعة تؤمن به وتطبقه هذه الحركة. فهم الحركة للإسلام هو فهم ليس قاصراً فقط، ولكنه خارج أي اجتهاد آخر معاصر او قديم. لقد خلفت في حكمها الأول هلعاً بالغاً في صفوف الأفغان وجده العالم من جديد في تلك المناظر التي روعت البشرية أخيراً في تعلق الفارين بعجلات الطائرات المغادرة وقد لاقوا حتفهم فراراً من الحتف الأسوأ !! ليس المقام هنا من نلوم، ولكن المقام ماذا سوف يفعل العالم الذي تشير قواه الى إعياء وإنهاك أمام ملفات كثيرة، إلا أن هذا التطور لن يوفر احداً، لا في روسيا (في الدول التابعة حجم لا بأس به من المسلمين) ولا في أوروبا، ولا في منطقة الشرق الأوسط والتي هي أكثر بيئة مهيأة بسبب تواجد بذرة ذلك الفكر في نسيجها الاجتماعي، كما قالت العربية الوحيدة الحاصلة على جائزة نوبل على تويتر ناصحة بأن الطريقة للتمكين في كل ساحة هي طريقة العنف وحمل السلاح! * نقلا عن "النهار العربي"

مشاركة :