العودة إلى نقطة الصفر

  • 10/3/2016
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

فتحية النمر العودة إلى المربع الأول لا تعني التراجع دائماً، ولا التقهقر إلى درجة الصفر، بل ربما تعني شيئاً مختلفاً، هو ذروة النجاح ومنتهى الخير والفائدة. وبالعودة إلى التاريخ البشري القديم، إلى ما قبل أكثر من 1400 عام، وعندما وجهت السماء خطابها المصيري لأهل الأرض، وجاء الخطاب على لسان واحد من ملائكتها، ولرجل لا يعرف القراءة، ولا بالطبع الكتابة، بأن اقرأ، فإن ذلك من المؤكد لم يأت من فراغ. قد يقول البعض ممن يبحثون عن الخلاف من أجل الخلاف في حد ذاته، بأن الأمر هنالك كان خاصاً ولواحد بعينه، ولا ينبغي التعويل عليه، أو اعتباره خطاباً عاماً وشاملاً للبشر كلهم. وأقول: إن ذلك قمة الجهل والقصور منهم، ولكن لا يسعنا التفصيل. لكن لماذا القراءة، في الماضي وفي الراهن، قبل كل شيء، وأي شيء؟ لأن القراءة هي العاصم، هي الجبل والطود الذي يحمي الإنسان من الوقوع في الشر، ولأنه وببساطة شديدة الإنسان الذي لا يقرأ هو إنسان جاهل، والجاهل عدو نفسه، وعدو غيره. وفي هذا الزمن الذي كثرت فيه المغريات والتحديات، وصار أحدنا كقشة في مهب ريح عاصفة لا تبقي ولا تذر، فإن القشة لن يكتب لها النجاة، ولن تكتب لها السلامة إلا إذا حظيت بالحماية والملجأ. وعندها أيضاً لن تصير أداة لينة طيعة في أيدي أخطبوطات الشر التي اتخذت من تدمير العالم، وإبادة الجنس البشري شعاراً أسود مروعاً رسمته بكل مكر وبمنتهى الدهاء، وتسعى بكل ما أوتيت من سلاح وحيل لكي تجني ثمار جهودها. تلك الخطط الجهنمية يمكننا إحباطها في حالة واحدة؟ عندما يتسلح البشر بالعلم وبالوعي وبالمعرفة لما يحصل ولما يجري أمامهم، ووراءهم، ولما يدبر لهم في الخفاء، وتحت أجنحة الظلام عندما يضعون نصب أعينهم وأمام أفئدتهم أمراً وقناعة بأنهم بالقراءة والاطلاع ومشاركة الآخرين خلاصات تجاربهم التي بلغوها بعد طول تفكير وتأمل، فإنهم سيكونون في مأمن، وسيكونون بعيداً عن أية مؤامرات. القراءة عنوان المجتمع المتحضر، عبارة لا غبار عليها. وكلما وجدت الناس في مكان ما يحتضنون الكتاب بحنان وثقة، ويضعون رؤوسهم بين صفحاته بلذة ونشوة، أعرف أنك أمام بشر راقين جديرين بأن يرمقهم كل من يحظى بمرآهم بالإعجاب والثناء والتقدير، اعرف عندها أنك أمام نوعية خاصة من البشر، أناس ليس من السهل أن تمر عليهم مروراً عابراً، وفوق هذا وذاك، أمام عقول ليس من السهل عليك أن تسيطر عليها، ولا أن تخضعها لأهوائك. لقد مضى على إعلان مبادرة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، شهور عدة، وقد حظيت بتحرك الجميع وتحريضهم وتشجيعهم، أفراداً وجماعات، للتعبير عن احترامهم ومبلغ حبهم وتقديرهم لهذه المبادرة الكريمة والذكية بما خططوه من برامج وفعاليات بارزة وواضحة، وسعوا إلى تجسيدها بكل حرص وإخلاص. ومن جهتنا ككتاب، ننتمي إلى المؤسسات الثقافية، وشاركنا في العديد من تلك الأنشطة والفعاليات، مثلما شاركت أسماء ورموز تنتمي إلى جهات أخرى، سواء تعليمية أو صحية واجتماعية وتوعوية ووعظية، كل بحسب اهتمامه ومجاله، صبت في معين واحد هو التأكيد على ضرورة القراءة واعتبارها فعلاً إنسانياً استثنائياً وبالغ القيمة. وإن كان من كلمة أخيرة فإنني أضيف أن العام الحالي سيؤشر على نقطة الانطلاق، لتكون القراءة شعاراً للحياة دائماً وأبداً. ألسنا أمة خصها الله بالأمر السامي والمطلب الجليل؟ في العودة إلى المربع الأول، يكمن الحل والعلاج لبعض الأدواء التي ظهرت واستشرت في دنيا البشر في زمننا، وما قد يليه من أزمان. ماذا نقرأ، وكيف نختار ما نملأ به أوعية عقولنا؟ إن هناك سموماً تودي بالأجساد ويظنها أصحابها غذاء، هناك ما يودي بالعقول والأرواح، وقد يظنها أهلها بلسماً وشفاء، إذن، الحذر الحذر.

مشاركة :