"تحية" لبنانية على "فايسبوك": الذاكرة بمقاس ضيق!

  • 11/30/2013
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

لم تنته حكاية "تحية" التي بدأها الصحافيان حسان الزين ويوسف حج علي على صفحتيهما في موقع "فايسبوك"، وعلى مدى يومين لا تزال "ظاهرة" العالم الافتراضي فولدت صفحة "تحية"، حاصدة ذكريات أناس واماكن وأشخاص ربما يعيشون او عاشوا في هامش البلد وذاكرته، فاستطاعت "تحية" ان تكرمهم بـ"بوستات" رقيقة ومؤلمة في بعضها، لتؤرخهم بعد ان كان البلد يؤرخ لشخصيات حرب طويلة ولرجال مافيات وفساد، وبقيت الذاكرة ناقصة من هؤلاء ممن صنعوا يوميات عادية، خارج علب وصناديق الشهرة والاعلام التقليدي. توالت التحيات الواحدة تلو الأخرى، لتوثق صوراً وذكريات منقطعة وقصص أماكن منها ما اختفى ومنها لا يزال باقياً، بدءاً من بيروت وحكايات بائعيها ومطاعمها الصغيرة ومحلات "السناك"، ولباعة جالوا فيها يحملون علبهم وصناديقهم الصغيرة من دبابيس وحلوى واغراض "كلف" وخياطة وعدّة للبيوت، ومشاهد مبتورة من حارات وأحياء طُمست اسماؤها وغُيّب أهلها، بعد ان صارت بيروت "بيروتات"، يعيدنا اليها احياناً الممثل زياد عيتاني في كلامه الحلو عن "الطريق الجديدة"، فصارت "تحية" مساحة لذكريات من عاش بيروت في عزها وبساطتها وألقها الذي أفل. ومروراً بحكايات من الجنوب الذي عاش قساوة الاحتلال وقراه الجميلة وناسه الذين تركوا البلدات ليؤسسوا حياة بيروت الكبرى، ومن الشمال البعيد وطرابلس وذكرياتها ومسارحها وسينماتها ومحلات السوس والكنافه والفلافل وأدراج المدينة القديمة، اضافة الى بعلبك والهرمل وجرده مع بومدين الساحلي ولزابه الخالد، وزحلة وصور وصيدا وحلوياتها، مروراً بطرقات واتوسترادات لبنانية تربط الذاكرة الجماعية بناس "فايسبوك" وعوالمه. أعادت "تحية" الناس الى الزمن الجميل الى امكنة خسرتها العاصمة، والى زمن المقاهي والشوارع وشخصيات تركت أثراً في ذاكرة لبنان، لكن في الوقت عينه صدمت "تحية" نخبة من المثقفين الذين راحوا يتململون، بعد ان سرقت منهم أضواء "تنظيراتهم" اليومية بعد أن يسألهم "فايسبوك": ماذا يجول في خاطرك؟، فيملأون فضاءه بكلام لا يفضي الا الى الألم، فتزداد مأساة القتل اليومي في سورية والعراق ومصر وغيرها وجعاً. فاحتلت "تحية" الفضاء بعيداً من الدم والقتل والحروب وحكايا "داعش" والنصرة. انتقد كثيرون "تحية" بعد ان امتلأ "فايسبوك - لبنان" بها، لكنها على ما عبر البعض أخرجت الناس من همومهم او لنقل انها وثقتها بنكهة أقل وجعاً، لتصبح بعض التحايا نقراً على واقع البلد ومرارة العيش في بعض جوانبه، وسخرية من تأخير تشكيل الحكومة ومشكلات المياه والكهرباء وملفات يومية قاسية، اضافة الى توجيه تحيات "فراطة" للاجئين ومخيمات اللجوء والى الأسرى. ربما قد لا تعيش "تحية" كثيراً على موقع "فايسبوك"، لكن الى حين ان تستهلك العفوية منها ويتعب الناس من "عصر" ذاكرتهم، تبقى "تحية" فاصلاً "حلواً" في زمن استخدام "فايسبوك" لبناني، بعد ان استطاعت أن تضيّق مقاس الذاكرة لأناس ممزقين في وطن هشّ.

مشاركة :