الشيء الذي لا ينبغي أن يغيب عن البال هو أن الإنسان لا يكون موثوقاً به إلا إذا كان يملك قدراً عالياً من الشعور بالمسؤولية، ومن هنا فإن الحديث عن بناء الثقة بين الآباء والأبناء، هو في الحقيقة حديث عن الشعور بالمسؤولية لدى الطرفين. الثقة بين الناس عامة وبين الآباء والأبناء خاصة شيء مهم للغاية، فليس المطلوب من الأبناء وحدهم أن يكونوا أهلاً للثقة، بل لابد أن يكون الآباء والأمهات كذلك، لأنهم يقدّمون القدوة لهم. الثقة المتبادلة بين الوالدين والأبناء لا يمكن أن تكون جيدة، إلا إذا بنيت على قواعد وأسس تربوية للتعامل بها معهم، كعدم التمييز في المعاملة بينهم، والوفاء بالوعود، وأن يكونوا قريبين منهم قدر الإمكان لكسب ثقتهم. ويجب أن يكون هناك درجة من التفاهم بين الوالدين والأبناء لكسب ثقة الآخر، ولابد أن تكون هناك حدود بين الأهل وأبنائهم لتفادي الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها الأبناء، وبما أننا في عصر التطور، فلابد أن يكون للأبناء مصادر ثقة أخرى غير الوالدين، ويجب عدم إعطاء الأبناء الثقة الكاملة لتفادي ارتكاب أي نوع من الأخطاء. فإلى أي حد يثق الوالدان بالأبناء، هل هي ثقة مطلقة أم ثقة محدودة؟ وكيف يمكن أن تعزز الثقة علاقة الوالدين بأبنائهم؟ وهل أصبح للأبناء مصادر ثقة أخرى غير الوالدين؟ يقول الوالد حاتم فاخر: لابد أن تكون هناك ثقة متبادلة بين الأب وابنه، أو بين الأم وابنتها، إنني أمنح أبنائي الثقة، ولكن ليس في كل الأمور، لأن هناك بعض الأشياء لا يمكنني أن أعطيهم فيها الثقة المطلقة، إذ من الممكن أن يرتكبوا بسبب ذلك، بعض الأخطاء، وأنا أو هم في غنى عنها، سواء الآن، أو في المستقبل. نورة عثمان تقول: أثق كل الثقة في أهلي، ولكن هذا لا يمنعني أن أمنح بعضاً منها لأصدقائي أو لإخوتي، ولكن في أموري الشخصية، تكون ثقتي مطلقة في أمي، خاصة أنها تمنحني وتبادلني هذه الثقة. ومن ناحيتها ترى ياسمين رويشد أن الثقة بين الوالدين والأبناء لابد أن تكون موجودة، لأن ذلك من الممكن أن يعزز علاقتهما، ولا أؤيد الثقة العمياء بين الأهل والأبناء، ذلك سيجعلهم يرتكبون الأخطاء، ولا يدركون مدى الخطأ الذي ارتكبوه، ومن ثم فإنني أثق بأهلي بطريقة متوازنة. وتؤكد الأم حنان محمد، أن لابد أن يكون هناك ثقة متبادلة بين الأم وابنتها أو الأب وابنه، ولكن على أن تكون هذه الثقة محدودة وغير مطلقة، ولا شك أن الثقة تساعد على تعزيز العلاقة بين كل طرف والآخر، ومن ناحيتي فإنني أمنح بعض الثقة لأبنائي، ولكن ليس في كل الأمور، لأنني أريد أن أدعمهم في الحياة، وأعزز ثقتهم في أنفسهم. ويرى الوالد خالد سليم، أن للثقة دور أساسي ومهم في تعزيز العلاقة مع أبنائي، لأن ذلك سيجعلهم يخوضون الحياة، وأنا واثق أنهم إذا ارتكبوا أي خطأ سيلجؤون إلي أو إلى والدتهم، كما سيعزز ذلك ثقتهم في أنفسهم، وسيعرفون من الأحق بالثقة في الحياة. يقول عبد العزيز عبد الكريم: ثقة أهلي بي لها دور أساسي فيما وصلت إليه حتى الآن، ولكن هناك بعض الأمور أشعر أنهم لا يثقون بي فيها، وهذا يهز علاقتي بهم، ويجعلني أنا أيضاً لا أثق بهم في كل أمور حياتي، أو آخذ رأيهم في شيء ما. دينا بركات تثق في أهلها ثقة مطلقة، مع أنها تشعر أن أهلها لا يمنحونها الثقة نفسها، ولكنها تؤكد أن ثقتهم، على محدوديتها، منحتها الثقة بنفسها وجعلتها تعرف من هم الأشخاص الجديرين بالثقة، ومن هم غير المؤهلين لها، والثقة المتبادلة سواء مطلقة أو محدودة، تساعد على تعزيز وتقوية العلاقة بين الوالدين والأبناء. تقول أم محمد:يجب أن نمنح أبناءنا الثقة المطلقة لأن ذلك سيجعلهم يخوضون مصاعب الحياة، بكل قوة، ويساعد أيضاً على أن يجعل ثقتهم بأنفسهم أكثر، وذلك لا يمنع أن يثقوا بأطراف أخرى غير الوالدين، كالأصدقاء والأقارب، ومن ناحيتي أقدر أن الثقة المطلقة الممنوحة لأولادي لن يستغلوها أبداً في شيء خاطئ، بل في كل ما يفيدهم ويمنحهم القوة في الحياة. أما الوالد إبراهيم محمود فيثق في أبنائه ثقة مهزوزة، لأنه يشعر بعدم الثقة في نفسه في أحيان كثيرة، فكيف يمنح أبناءه الثقة سواء كانت مطلقة أو محدودة، ويقول: بغض النظر عن ذلك فإني أرى أن الثقة تلعب دوراً مهماً في تعزيز علاقة الوالدين بأبنائهم. يقول محمد الحسن، مهندس مدني: الثقة المتبادلة بين الوالدين والأبناء لها دور كبير وأساسي في تعزيز العلاقة بينهما، وبما أن أهلي يمنحونني الثقة، وإن كنت أشعر أنها محدودة، ومع ذلك أثق في والديّ ثقة بلا حدود، لأنهما الأولى بالثقة من غيرهما، وهذا لا يمنع أن أثق في أصدقائي، ولكن في أشياء بسيطة، مثل مشاورتهم في شيء ما، لأن رأيهم في كثير من الأحيان يكون محايداً. تقول نور عكرمة: الثقة الكاملة أمنحها للأهل في كل أموري، أما الأصدقاء والأقارب، فإنني لا أمنحهم هذه الثقة التي أمنحها لوالديّ، بل تكون ثقتي بهم محدودة وفي أبسط أمور الحياة.
مشاركة :