انتشر مؤخرًا على وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو مدته دقيقة لأغنية «أسمر حليوة» للفنان الراحل طلال مداح رحمه الله، وتداولها الآن بعد مضي أكثر من خمسين عامًا على غنائها، يؤكد أنها واحدة من أنجح الأغاني السعودية التي لا تزال حية وتجتذب الكثير من عشاق الفن السعودي. فرأيت من المناسب أن اغتنم فرصة هذه السطور المضيئة لاستعرض قصتها من كتابي «أغاني بابا طاهر» الذي لا زلت أعمل على إعداده منذ ثلاثة أعوم بمشاركة المخرج الإذاعي الزميل عدنان هوساوي والناقد الفني القدير الأستاذ علي فقندش. ضمنت فيه ما جمعت من كلمات الأغاني التي كتبها الأديب رحمه الله ومناسباتها، وتواريخ ارشفتها في الإذاعة السعودية. والتي منها أغنية «أسمر حليوة». image اضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل لمحة تاريخية اغنية «أسمر حليوة» كتب كلماتها الأديب طاهر عبد الرحمن زمخشري خلال اقامته في مصر مطلع ستينيات القرن الماضي، ولحنها الموسيقار غازي علي وغناها الفنان طلال مداح وهي أول عمل فني يجمع بينهم وساهم في شهرتهم كثلاثي فني وانتشار الفنان طلال مداح في الوطن العربي. وأعدها الأديب أحد أعز الأغاني إلى نفسه فقد قال عنها في لقاء إذاعي مع الإعلامي القدير الأستاذ علي داود بثته إذاعة جدة في عام 1976م: «الواقع أنا بعتز بأغنية جدا لأنها حصلت على شهرة كبيرة في العالم العربي وسمعت صداها في كثير من البلدان العربية وتعليقات عليها أسعدتني.. هي أسمر حليوه». وقد ارتبطت الاغنية بالعلاقة الوطيدة التي جمعت بين الأديب رحمه الله والموسيقار غازي علي وبداية تعاونهما الفني إبان إقامتهما في مصر في ستينيات القرن الماضي حيث روى رحمه الله في حديث صحفي مع الناقد الفني الأستاذ علي فقندش نشرته صحيفة عكاظ في شوال 1406هـ «غازي علي هو الابن الفنان العصامي الذي احتضنته مطلع مشواره مع الفن، وهو من بنى نفسه بنفسه، وضحى بالكثير من أجل أن يكون هناك (فنان سعودي) قائم ومبني على قاعدتين أساسيتين يمتلكهما غازي آلا وهما الموهبة الحقيقية ثم الدراسة الأكاديمية، وصقل هذه الدراسة بالخبرة والممارسة.. ظهر كمطرب وهو طالب في المدرسة، حيث كان يغني لزملائه في المدرسة، ثم بدأ نشاطه في الإذاعة في برنامج الأطفال مع "بابا عباس"، ولم يدرك أيامي في برامج الأطفال بالإذاعة ورافقه في هذه المرحلة عدد من الفنانين اذكر منهم حسن دردير.. كنت وأياه مره ففكرنا في أن تكون بدايته كمطرب مع ملحن مصري ليذيعه صوت العرب. وأصبح ثالثنا في هذا الموضوع الموسيقي المصري المعروف عطية شرارة، وكان أيامها بليغ حمدي معروفا كمطرب فقط. وأصبح رابعنا في هذا الموضوع بليغ، فطلبنا منه أن يكون صاحب اللحن أي يقوم بعمل أول لحن في حياته لكلمات كنت قد نظمتها على ان تقدم بصوت غازي علي الطالب في معهد الموسيقى، وتم الاتفاق على مبلغ 300 جنيه – ويعتبر خياليا مقابل لحن يومذاك - المهم في الموضوع ولدت الأغنية بعنوان (حكى لي الطير تغريده) وقد أذيعت هذه الاغنية بعد نجاحها في القاهرة وفي كل الإذاعات العربية». كانت تلك الأغنية بمثابة الانطلاقة الأولى للتعاون الفني بين الأديب والموسيقار غازي علي التي قادته ليصبح أحد المع الموسيقيين والملحنين السعوديين وصاحب أشهر الحان أغاني الستينيات السعودية التي منها «أسمر حليوة». image اضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل مناسبة كلماتها في غضون ذلك كان الأديب مقيمًا في القاهرة بعد تماثله للشفاء إثر المرض الذي ألم به وزارته ابنته كوثر وزوجها أبو بكر نوح للاطمئنان على صحته وكان يرفقهما ابنهما أسامة رحمه الله وحينها كان قد تجاوز العامين من عمره، ولعب دورا أساسيا في إلهام الأديب بكتابة أغنية «أسمر حليوة» وقال د. محمد فؤاد طاهر زمخشري في حديث تلفزيوني لبرنامج الراحل بقناة روتانا خليجية «هذه القصيدة مكتوبة في حفيد بابا طاهر الله يرحمه أول ما تولد أسامة نوح اللي هو أكبر أولاد عمتي كوثر زمخشري، وكانت الفكرة كلها لأنه أسامة ما كان يرضى يسلم على بابا طاهر الله يرحمه فعشان كذا يقلك "مخاصمني" وكل ما يجي يلعب معاه ما يرضى، فلمن تجي تراجع كلمات القصيدة تلاقيها تنطبق على طفل لكن بابا طاهر مع عبقريته في الأدب كان المعنى في بطن الشاعر، لكن القصيدة لما تجي تقراها كقصيدة غزلية كقصيدة تربوية، هذا اعتقد كان عبقريته في شعره رحمه الله». أسمر حليوه.. حليوة مخاصمني سماره هو.. وهو اللي ظالمني قريب مني في أحلامي بعيد عني وقدامي ولا يرضى يكلمني وإن عاتبته يتبسم أسمر .. أسمر حليوه مخاصمني أسمر رماني.. رماني في الهوى بنظره وأشعل في قلبي.. في قلبي حسرة ويضحك ورد في خدوده.. وأدعي ربنا يزيده.. ولو من قطفه يحرمني.. وإن عاتبته يتبسم أسمر .. أسمر حليوه مخاصمني أسمر وسحره يا عيني في الهوى ألوان وعوده والله.. يا عيني بالحلا ريان وأحلم به واتمنى وصاله وهو يتجنى ومدري ليه يخاصمني.. وان عاتبته يتبسم أسمر .. أسمر حليوه مخاصمني أسمر يا محلا.. محلا جماله وأحلى من حسنه... سحره ودلاله ورسمه صورة في عيوني ولو بالهجر يكويني خياله ما يغيب عني.. وأن عاتبته يتبسم أسمر .. أسمر حليوه مخاصمني فالأسمر الحليوة هو سبط الأديب الخامس المقدم ركن بحري أسامة أبو بكر نوح الذي وافته المنية رحمه الله في ديسمبر 2003م عن عمر ناهز 41عام إثر مضاعفات عملية جراحية بمستشفى الملك فهد بجدة. ميلاد لحنها وعن تلحينها روى الأديب رحمه الله «هذا اللحن صحبت ميلاده قصة طويلة بدأت ونحن في رحلة نهرية غازي علي وانا ومجموعة من الأصدقاء في بداية الستينات الميلادية وعلى فلوكه "قارب نهري"، وحيث أن صحبنا معنا أحدث عمل للموسيقار طارق عبد الحكيم (البعد والحرمان) بصوت المطربة صباح، وهذا اللحن طبعًا أخذ حقه الكبير من الانتشار. فدار حوار بيني وبين غازي علي الذي أبدى استعداده بعمل لحن أجود وأقوى، ومن الممكن أن ينال شهرة عربية أيضًا لو قدم بصوت معروف عربيًا، وتحديته وهنا نحن في اليوم الثاني من الرحلة، بدأت أكتب وغازي يلحن (أسمر حليوه.. حليوه مخاصمني) وغازي يدندن إلى أن صور لها لحنا جميلًا. أُعجبنا به جميعا، وفور انتهاء الرحلة سجل غازي لحن الأغنية موسيقيا ورشحت لأدائه الفنانة القديرة سَلاّمة التي أعجبت جدًا باللحن، وقد تم وعدنا لها بذلك، إلا أن أمرًا ما حدث وهو دخول طلال مداح في الموضوع وإصراره على أن يكون هو صوت هذا اللحن!». وكان الموسيقار غازي علي قد حكى لبرنامج «وينك» بقناة روتانا خليجية في معرض ذكرياته عن تلك القصة «كنا في رحلة بحرية مع بابا طاهر ومجموعة من الطلبة، قدم لي بابا طاهر كلمات أسمر حليوه وقال يالله لحنها ووريني شطارتك، وبدأت اسمع منه كلماتها وبدوري الحنها، وبحكم أن طبيعة كلمات طاهر زمخشري سلسه وملحنه موسيقيا بطبيعتها كان من السهل عليَّ توليف لحن لها، وقبل انتهائنا من الرحلة كنت قد انتهيت من تلحينها وغنيناها سويا». طلال وأسمر حليوة وعن غناء طلال للأغنية روى الموسيقار غازي علي في حديث صحفي مع فقندش «عكاظ 03/04/2014م» «جاءت فكرة أن نلتقي أنا وطلال مداح وبابا طاهر زمخشري في بيروت التي كان طلال يسجل فيها أعماله لأسجل أنا أغنياتي الجديدة يومها هناك، كان ذلك بعد عامين لحنت خلالها أيضا في مصر «أسمر حليوة»، أي في العام 1964، التقينا هناك ومعنا يومها منتج الأسطوانات السعودي الشهير من المنطقة الشرقية عبدالله حبيب صاحب «توزيعات الشرق» والتقيت في حديث عابر مع طلال في أحاديث حول جديده الذي يسجله هناك، وبالمقابل طلب أن يعرف ماذا أريد أن أسجل بصوتي فأسمعته «سلام لله» التي كنت قد كتبتها لأقدمها بصوتي، أصر طلال أن تكون الأغنية له وبصوته قائلا: لا هذه لي هذه أغنيتي، قلت تفداك وبعدها وأنا أسمعه أغنية بابا طاهر زمخشري «أسمر حليوة» التي كنت قد لحنتها للمطربة سلامة التي اتفق معها بابا طاهر أن تكون الأغنية لها، قال طلال لا وهذه أغنيتي «يابوي ابن البلد أولى بخيرها» قلت فداك... ودخلنا ستوديو جورج شلهوب بقيادة المايسترو الكبير عبود عبد العالـ رحمه الله ـ وهو الأستوديو الذي كنا نسجل فيه معظم أعمالنا السعودية». واذيعت الأغنية وانتشرت في عموم الإذاعات العربية والعالمية منها إذاعة الـ بي بي سي العربية، لتصبح أحد أشهر الأغاني السعودية والعربية في ذلك الوقت، ورائعة الثلاثي الزمخشري وغازي والمداح. وغناها الفنان علي عبد الكريم بدلا من الفنان طلال مداح في حفل الأسرة الفنية بفندق الكعكي بجدة في العام 1405هـ/1985م بمناسبة حصول الأديب على جائزة الدولة التقديرية للأدب، حيث كان طلال خارج البلاد آنذاك. وعلى ضوء ذلك الاهتمام والإقبال على الأغنية فإنني أدعو هيئة الموسيقى السعودية إلى رعاية وتبني الإرث الفني الذي خلفه الأديب بدء بإعادة إنتاج أغنية «أسمر حليوة» بالتنسيق مع الورثة وأصحاب الحقوق الآخرين. الجدير بالذكر أن الأديب طاهر زمخشري والموسيقار غازي علي ربطتهما علاقة صداقة وطيدة أسرية وفنية منذ قدوم الأخير من المدينة المنورة وهو يافع لإكمال دراسته المتوسطة في جدة والتحاقه ببرنامج الأطفال «بابا عباس» الذي تعرف من خلاله على «بابا طاهر» إبان إشرافه على الإذاعة. إذ لفت انتباه بابا طاهر موهبته الفنية فتبناه واهتم به وتابعه خلال إقامته في مصر والتحاقه في معهد الكونسرفتوار في العام 1960م لدراسة الموسيقى، كأول طالب غير مصري يقبل في المعهد على حسابه الخاص لما أظهره من موهبة فنية عالية. وكان الأديب رحمه الله مشجعًا وموجهًا له طيلة فترة دراسته، فتفوق على كافة زملائه، واستطاع أن يضع يده على مفاتيح التراث لينتج في وقت مبكر جدًا مجموعة من الروائع الخالدة قبل حصوله على البكالوريوس في العام 1967م بامتياز. وغنى ولحن من كلمات الأديب الزمخشري (بين ذراعيها، فضل الله، يا أم العروسة). وقدم مجموعة من الالحان لفنانين عرب تغنوا بكلمات الأديب منها (يا ليالينا الجميلة - وديع الصافي، أسرع من البوينج - هناء الصافي، يا شجرة الجنزبيلة - سميرة توفيق، حليوه بالجمال فتَّان - هيام يونس، أنا والسهد، وسلَّم علىَّ الورد – سَلاّمة). أما طلال مداح فقد ربطته بالأديب علاقة صداقة روحية فنية منذ مطلع الستينيات الميلادية وقدمه للرئيس التونسي الحبيب بو رقيبة عام 1969م وكانت هذه بداية انطلاقة طلال في بلاد المغرب العربي الذي غنى من كلمات الأديب «علميني، مر في تيهه» بالإضافة إلى «أسمر حليوة» وكتب فيه ألأديب قصيدة «يا طلال» نشرت عام ١٩٦٣م -١٣٨٣هـ، وقصيدة يا «معزف الحب» نشرت في ديوان نافذة على القمر 1970م-1390هـ. https://www.youtube.com/watch?v=7ppTU6wbGOA
مشاركة :