قوبلت الخطوة التي اتخذتها السلطات الليبية بشأن تنفيذ أحكام قضائية بالإفراج عن عدد من رموز وقيادات نظام العقيد الراحل معمر القذافي بمستوى كبير من الارتياح على الرغم من معارضة طيف المحسوبين على الثورة الليبية للقرار الذي اعتبروه غير صائب وليس في توقيته. ويرى عدد من الخبراء والمحللين الليبيين أن القرار قد يدفع نحو تحقيق المصالحة الوطنية في البلاد التي تعصفها الفوضى منذ عام 2011 وتواجه انقسامات إلى جانب الاحتدام العسكري الذي يضربها بين الحين والآخر لأسباب مختلفة دون إغفال التحديات المرتبطة بتمدد الإرهاب. فرج الدالي المحلل السياسي يعتقد أن هذه الخطوة تعتبر تقدم جريء من طرف السلطة السياسية الجديدة التي كان من بين الملفات التي تعهدت بها حينما تم اختيارها في جنيف بأن يكون ملف المصالحة الوطنية في مقدمة اهتماماتها. وأوضح الدالي لوكالة أنباء (شينخوا) "اتخذت السلطة السياسية قرارا أراه مهما وغير مسبوق لأن ملف المصالحة الوطنية يعد من الملفات التي يجب الانطلاق في خوضها وبسرعة حتى يتوفر المناخ والاستقرار تدريجياً لليبيا التي تسبب احتجاز آلاف المعتقلين خاصة المحسوبين على النظام السابق في حالة من الاحتقان والأحقاد تجاه ثورة فبراير". وأضاف "هذه الخطوة لها تأثير آخر وهو التهيئة للانتخابات المقبلة وهي عملية تحتاج إلى توافق مجتمعي وحالة من الرضا لدى جميع المكونات في البلاد للتشجيع على المشاركة بفعالية في العرس الانتخابي المقبل دون إقصاء أو تمييز سياسي لفئة دون سواها". وأفرجت السلطات الليبية منتصف الأسبوع الجاري على عدد من السجناء من قيادات نظام القذافي تنفيذا لأحكام قضائية بينهم شخصيات لها دور مهم في حياة الراحل العقيد معمر القذافي أبرزهم "الساعدي" نجل العقيد معمر القذافي ومدير مكتبه وسكرتيره أحمد رمضان. وقوبلت هذه الخطوة غير المتوقعة من طرف السلطة السياسية الجديدة في ليبيا بترحيب من جانب الأمم المتحدة التي أثنت على تنفيذ قرارات الإفراج، داعية السلطات "للإفراج الفوري عن آلاف الأشخاص الذين ما زالوا محتجزين بشكل تعسفي في جميع أنحاء ليبيا". وقال رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة إن "الإفراج عن الساعدي القذافي جاء تنفيذا لأحكام القضاء النافذة بالتعاون مع مكتب النائب العام وقد تسلمته عائلته وفقا للإجراءات القانونية". وأضاف الدبيبة في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر " لا يمكن لليبيا التقدم إلى الأمام دون تحقيق المصالحة ولا إقامة دولة بدون تحقيق العدل وإنفاذ القانون واحترام مبدأ الفصل بين السلطات واتباع الإجراءات والأحكام القضائية. بدوره، شدد أبو بكر محمود أستاذ القانون بالجامعات الليبية أن قضية الإفراج عن رموز القذافي وإن رافقها جدل تظل خطوة هامة نحو طريق التصالح بين مؤيدي القذافي ومعارضيه. وأوضح في هذا الصدد "طيلة السنوات الماضية تشكلت حالة تعنت وجمود وقطيعة بين مؤيدي القذافي ومناهضيه المشاركين في ثورة 17 فبراير وهذا الأمر تسبب في حال إنكار وانقسام حاد في البلاد وظل معظم رموز القذافي في السجون بالرغم من صدور أحكام قضائية بالإفراج وبالتالي دفع مناصرو القذافي إلى الاحتجاج مرات عدة والتهديد بقطع المياه وإغلاق حقول النفط". وتابع "بتنفيذ قرارات الإفراج المتوقع استمرارها الأيام المقبلة لتطال عدد آخر من قيادات النظام السابق ستخف حالة الاستقطاب بين المؤيدين والمعارضين، وبالتالي تكون فرصة لجسر الهوة بينهما والتأسيس نحو تطبيق مشروع مصالحة وطنية حقيقي يقوم على المشاركة السياسية بين الجميع وجعل صندوق الانتخاب حكما بين الليبيين لاختيار شكل من يتقلد السلطة في النظام السياسي المقبل". وختم قائلا "كثير من مؤيدي القذافي غمرتهم الفرحة بإطلاق نجله الساعدي وهنا يجب استغلال المناخ الإيجابي وعدم تفويت الفرصة للتصحيح والتقريب بين الليبيين بمختلف انتماءاتهم ". وأطلق سراح الساعدي (48 عاما) نجل العقيد معمر القذافي بعد نحو ثماني سنوات أمضاها في السجن لينفذ القرار القضائي القاضي ببراءته من التهم المنسوبة إليه. وتم الإفراج عن الساعدي بعد تبرئته عام 2018 من تهمة القتل العمد بحق اللاعب بشير الرياني عام 2005. ولجأ الساعدي عام 2011 إلى النيجر قبيل سقوط نظام القذافي، حيث منحته اللجوء "لأسباب إنسانية"، لكنها اضطرت إلى تسليمه بعد ذلك عام 2014، لاتهامه بزعزعة الاستقرار جنوب ليبيا، وتحريك خلايا نائمة بهدف قلب "نظام الحكم". وعقب إعلان الافراج عن الساعدي، أعلنت السلطات الإفراج على عدد من السجناء السياسيين، الذين انتهت مدة محكوميتهم، أو الذين لم تتم إدانتهم قضائياً، أبرزهم أحمد رمضان مدير مكتب القذافي وسكرتيره الخاص. وأفرج عن أحمد رمضان المقرب من القذافي "وكاتم أسراره" بعد عشر سنوات أمضاها داخل السجن، بتهم مساندة القذافي في محاولة قمع انتفاضة 2011. كما أفرج عن اللواء ناجي حرير وهو قائد عسكري بارز ومقرب من العقيد معمر القذافي. أما عماد جلول المحلل السياسي يرى أن إطلاق سراح رموز القذافي في هذا التوقيت يدفع نحو علامات استفهام عديدة خاصة وأن بعض هذه القيادات لا تزال قضاياهم منظورة أمام المحكمة العليا. وقال جلول لـ (شينخوا) "جميع من صدرت أحكام الإفراج بشأنهم أصدرتها محاكم الاستئناف وبالتالي هناك طعون منظورة أمام المحكمة العليا وكان ينبغي على الأقل إطلاق سراحهم ومنعهم من السفر لحين صدور أحكام نهائية من القضاء". وأشار المحلل السياسي " لقد غادر بعض هؤلاء المفرج عنهم يتقدمهم الساعدي القذافي إلى خارج ليبيا وهو يبدو من وجهة نظري صفقة سياسية قبل أن تكون تنفيذاً لأوامر قضائية، وبالتالي هذه الخطوة جعلت المعارضين للنظام السابق في حالة من الصدمة والحيرة إزاء الطريقة التي تعاملت معها الحكومة مع هذا الملف الحساس". وختم قائلا "لا يعني ذلك عدم الترحيب بإطلاق سراح كل موقوف ثبتت براءته لكن يجب تنفيذ القانون بشكل كامل وبالتساوي بين الجميع وليس تفصيله على مقاس أشخاص بحسب أهميتهم وثقلهم في البلاد". وتأتي الإفراجات التي طالت سجناء سياسيين في ليبيا مؤخرا في إطار إرساء المصالحة الوطنية التي تبنتها السلطات الليبية المعينة مطلع فبراير الماضي وفق اتفاق سياسي من قبل الفرقاء الليبيين.
مشاركة :