تشديد التدابير الأمنية يحوّل حياة فلسطينيي القدس الشرقية إلى جحيم لا يطاق

  • 10/24/2015
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

بعد أن ركن الفلسطيني أبو عمرو سيارته السوداء عند مدخل حي جبل المكبر، وتوجه إلى مدرسة ابنه التي أصبحت تقع مباشرة بعد حاجز إسمنتي إسرائيلي جديد نصب في وسط الحي، وبسبب ذلك انفجر غاضبا منددا بـ«التمييز» و«العقاب الجماعي» المفروض على سكان القدس الشرقية المحتلة. وللتعبير عن غضبه وشعوره بالإحباط وخيبة الأمل قال أبو عمرو (34 عامًا) لوكالة الصحافة الفرنسية: «لقد استغرق الطريق أكثر من 40 دقيقة للوصول إلى المدرسة، بدلا من أربع دقائق، وبسبب ذلك تأخرت على موعد لدى طبيب الأطفال.. لقد أصبحت كل هذه الإغلاقات والعقابات الجماعية تجسد تمييزا بحد ذاتها»، مضيفًا أن «القدس تدفع ثمنا باهظا في الوقت الحالي.. فهم (الإسرائيليون) يعتقدون أن القوة والمزيد من القوة سيجلب الخلاص، لكن المزيد من القوة سيؤدي في الواقع إلى مزيد من العنف». واندلعت في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي أعمال عنف في القدس الشرقية والضفة الغربية بين الجانبين، ما لبثت أن امتدت إلى قطاع غزة، وقد نتج بعضها عن إقدام فلسطينيين محبطين من الوضع السياسي والمعيشي على طعن إسرائيليين، أو مهاجمتهم بوسائل أخرى، وفي كل مرة كان الإسرائيليون يردون بإطلاق النار والاعتقالات والقمع. وفي محاولة لمنع تنفيذ هجمات في القدس، أقامت إسرائيل حواجز عند مداخل الأحياء الفلسطينية، وبدأت في بناء جدار إسمنتي من مكعبات ضخمة تفصل بين حي جبل المكبر، الذي يتحدر منه عدد من منفذي الهجمات على الإسرائيليين، وحي الاستيطان اليهودي أرمون هانتسيف. وكان مقررا أن يصل طول الجدار إلى 300 متر، لكن تم وقف العمل فيه بعد أيام من بدء وضع المكعبات الإسمنتية، وقد أوضحت السلطات الإسرائيلية وقتها أن الجدار سيكون مؤقتا وقابلا للنقل، وأنه يهدف فقط إلى منع إلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة على الحي الاستيطاني. ويشعر الفلسطينيون بالغضب والإحباط من كثرة الحواجز، وقرب الجدار الذي كتب عليه باللغة العبرية «حاجز شرطة مؤقت»، تتوقف حافلة صغيرة وتنتظر ركابا لتقلهم إلى حاجز آخر عند مدخل الحي. وحول هذا الوضع يقول سائق الحافلة طارق عويسات (24 عاما): «لقد انقسمت مؤخرا خدمة الحافلات في الحي، فأنا أقوم بنقل الركاب مسافة 500 متر إلى حاجز آخر، حيث تنتظرهم حافلة تقلهم إلى باب العمود»، ثم يقطع الفلسطينيون الحواجز سيرا على الأقدام. ويضيف طارق بلغة غاضبة: «في العادة يحتاج الناس إلى 25 دقيقة للوصول من هنا إلى باب العمود (وسط المدينة)، لكن الآن مع الحواجز والتفتيش أصبحوا بحاجة إلى ساعة أو ساعة ونصف. لقد ازدادت حياتهم صعوبة وتعقيدا»، ثم يتساءل بحدة: «ماذا يعني الجدار سوى أنهم يريدون عزل المنطقة؟». عند مدخل حي العيسوية المكتظ في القدس الشرقية المحتلة، يقف أفراد من حرس الحدود الإسرائيليين مدججين بالسلاح على حاجز، يفتشون سكان الحي الخارجين منه، ويطلبون منهم رفع قمصانهم وخلع أحذيتهم. كما يفتحون حقائب السيدات ويفتشونها بدقة قبل السماح لهن بالمرور. وعن هذا الوضع يقول الطالب الجامعي مؤمن رابي (19 عاما) لدى الانتهاء من تفتيشه بغضب، وهو ينتظر الحافلة التي ستقله إلى وسط المدينة: «أصبحنا نتأخر في كل يوم عن الجامعات وعن المدارس وعن كل شيء، هذا ظلم لكل سكان العيسوية». ويعيش أكثر من 300 ألف فلسطيني في القدس الشرقية التي احتلتها إسرائيل في حرب الأيام الستة عام 1967، وضمتها إليها في خطوة لا يعترف بها المجتمع الدولي. كما يوجد نحو 200 ألف مستوطن إسرائيلي يعيشون في الأحياء الاستيطانية المحيطة بالمدينة. فيما تعتبر إسرائيل إن القدس بشطريها هي عاصمتها «الأبدية والموحدة»، بينما يرغب الفلسطينيون بجعل القدس الشرقية المحتلة عاصمة لدولتهم العتيدة. وتضاف إلى الإجراءات الأمنية الجديدة، معاناة أخرى لا تقل وطئا وحدة بسبب الوضع الصعب الذي يعاني منه سكان القدس الشرقية في ظل الاحتلال الإسرائيلي. وبهذا الخصوص يقول أبو عمرو إن «البنية التحتية في القدس معدومة. فنحن ندفع كل الضرائب وكل المخالفات، ولكن لا يوجد أي اهتمام بنا في مجالات الصحة والتعليم. وحتى الأمان الوظيفي معدوم، كما أننا لا نملك أقل الحقوق المجتمعية». ويؤكد هذا الوضع محمد أبو الحمص، مسؤول محلي في العيسوية، بقوله لوكالة الصحافة الفرنسية: «هذا جزء من العقاب الجماعي الذي تمارسه حكومة الاحتلال على الفلسطينيين. فقد وضعوا المكعبات من أجل تهدئة الأوضاع بحجة الأمن ولكنهم ينكلون بنا.. العيسوية موجودة قبل التلة الفرنسية، ولكنهم ينظفون الرصيف في المستوطنة ولا يفعلون شيئا في العيسوية». ويقول خليل التفكجي، مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية في القدس، إن «القدس الغربية تعيش في القرن 21 بينما تعيش القدس الشرقية في القرن 15»، مضيفا أن «هناك صدمة ثقافية عند الانتقال من القدس الشرقية إلى القدس الغربية، فكأنك تدخل إلى مكان آخر تماما».

مشاركة :