عضو مؤسس في معهد المحاسبين الإداريين فرع البحرين.. مشاركة في برنامج قدوة.. خريجة برنامج ممتهن.. صاحبة تجربة إنسانية متفردة.. المصرفية عائشة محمد سلمان لـ«أـخبار الخليج»: ما أصعب العالم عندما يواجهه اليتيم بمفرده، فما أقسى فراق الوالدين الذي يجعل القلب يعتصر ألما، ويفقد اليتيم الأمان، وأحيانا الابتسام، ولكن هناك من يحول هذه المحنة إلى منحة تصنع قوته ونجاحه في الحياة. هكذا هي تجربة عائشة سلمان التي ذاقت معنى الفقد، وعانت منه أشد المعاناة، ومع ذلك فهى تؤكد أن اليتامى هم الأقوى لأنهم قد مروا بالأسوأ، فقد كان تجاوز هذه المحنة تحديا كبيرا بالنسبة إليها، حيث حاولت أن تبدل هذا الفراغ العاطفي الأبدي إلى قوة لا تقهر، فحطمت بها كل العثرات التي يمكن أن توقف مسيرتها. لقد جاهدت واجتهدت لتصنع لها مكانا تحت شمس العطاء والإنجاز في القطاع المصرفي الذي تعشقه، حتى وصلت إلى مكانة مرموقة رغم صغر عمرها، فكانت من مؤسسي جمعية المحاسبين الإداريين بالمملكة، واليوم بصدد الحصول على شهادة المحلل المالي المعتمد. «أخبار الخليج» حاورتها حول تجربتها الإنسانية والعملية التي استحقت التوقف عند أهم تفاصيلها وذلك في السطور التالية: حدثينا عن طفولتك - حتى سن خمسة عشر عاما كانت طفولتي طبيعية وسعيدة، إلى أن توفت والدتي، هنا حدث تغير جذري في حياتي بشكل عام، فقد كنت الابنة الصغرى، والحمد لله، ومع ذلك كنت دائما متفوقة في دراستي من صغري، وكان هدفي هو إسعاد والدتي بكل إنجاز أحققه وأبهرها به، لحرصي على أن تكون فخورة بي طوال الوقت. وكيف واجهت محنة الفقد؟ - في البداية كانت الصدمة شديدة فقدت معها أي مشاعر جميلة، حتى أنني بعد وفاتها لم أعد أشعر بمذاق أي شيء أو إنجاز أحققه، ولكني مع الوقت بدأت أتعايش مع وضعي الجديد خاصة وأنها علمتني تحمل المسؤولية والاستقلالية منذ الصغر وهذا ما ساعدني على اجتياز هذه المحنة، ثم جاءت محنة الفقد الثانية. وما المحنة الثانية؟ - هذه المرة تعرضت لمحنة وفاة والدي عند عمر 19 عاما، وهنا فقدت ولي الأمر، وحينئذ شعرت بنوع من عدم الأمان، فالوالدان هما أحرص الناس على راحتك وسعادتك ومستقبلك، فكيف العيش من دونهما؟! وقد أثر ذلك بشكل كبير في نفسيتي، ولكن دراسيا صممت على مواصلة التفوق، وحصلت على بعثة للدراسة في جامعة البحرين تخصص إدارة أعمال مصرفية ومالية لأنني أعشق هذا المجال. متى تشكلت شخصيتك بالتحديد؟ - تشكلت شخصيتي بشكل كبير في المرحلة الثانوية، وأصبحت قادرة على الاختيار والقرار بمفردي، فتجربة اليتم رغم مرارتها إلا أنها تمنح صاحبها القوة ويصبح قادرا على إدارة أموره لأنه ليس هناك من يستشيره ويساعده على اتخاذ قرارته، وهو أمر يضاعف من مسؤولياته، لذلك قررت الالتحاق بالتخصص التجاري لعشقي الأمور المالية وإدارتها، فقد كنت أضع لنفسي ميزانية محددة وألتزم بها ولا أحيد عنها حتى نهاية الشهر. أهم قرار؟ - أهم قرار اتخذته بل يمكن وصفه بأشجع قرار هو تغيير عملي، فقد مثَّل بالنسبة لي مخاطرة كبيرة، حيث كان يشعرني بالكثير من الأمان خاصة وأنني كنت قد خرجت من فترة الجامعة بعد المرور بمشاكل نفسية وصحية صعبة، حتى أنني تأخرت في التخرج، ومن بعده بدأت أبحث عن فرصة عمل ولم أوفق في ذلك مدة عام تقريبا، وكنت قد سجلت في وزارة العمل كباحثة عن عمل، وحين طالت فترة الانتظار، أقدمت على تطوير ذاتي كيف تم تطوير الذات؟ لقد قمت بالتسجيل في برنامج المحاسب الإداري المعتمد، وبدأت في الدراسة، وهو قريب من شهادة المحلل المالي المعتمد، ثم التحقت ببرنامج متمهن من خلال جمعية المحللين الماليين المعتمدين، والذي يهدف إلى تأهيل الباحثين عن عمل، وقد استفدت منه كثيرا، وتعلمت مهارات التواصل مع الآخرين، وقد أهلني ذلك للتقدم للعمل، وحسن من فرص حصولي على وظيفة مناسبة، وبالفعل بدأت التدريب لدى شركة إثمار للتطوير، وقمت بدراسة كورس السي إم إيه، وكانت فترة صعبة لكنها ممتعة، لأنني أكره الشعور بأي نوع من الفراغ. المحطة التالية؟ - لقد عرضت على شركة الإثمار الالتحاق بها، لكني في تلك المرحلة قررت الحصول على شهادة السي إف إيه، وسجلت لتحقيق هذا الطموح، واستفدت من برنامج قدوة لمساعدتي في ذلك، وتوجيهي وإرشادي، ولكن للأسف الأمر تعطل بسبب كورونا ومع ذلك حدثت نقلة مهمة في مشواري. كيف حدثت تلك النقلة المهمة؟ لا شك أن أزمة كورونا لها وجهان، سلبي وإيجابي، وأنا أرى أن تعطل حصولي على هذه الشهادة بسببها قد يكون وراءه خير، وذلك للتركيز في عملي، والتحضير لها بشكل أفضل، وهذا يرجع إلى أنني إنسانة إيجابية بشدة، وإذا حدث وفشلت في تحقيق أي هدف أو طموح أو حلم، لا ألوم أي طرف، حتى حين جلست في البيت عاما من دون عمل لم يحدث ذلك بل تحديت نفسي، وفكرت في تطوير مهاراتي بدلا من أن أندب حظي، وذلك حتى أصبح جديرة بأي فرصة عمل، وهكذا حتى في أصعب المراحل التي أمر بها لا أحاول التركيز على السلبيات، بل أحيانا أنساها أو أتنساها، وأنظر دوما إلى الجوانب الإيجابية. كيف يمكن استغلال البطالة بأسلوب إيجابي؟ - أنا أرى البطالة فرصة لتحقيق الذات والبحث عن المواهب الكامنة لدى أي عاطل عن العمل، ومن تجربتي الشخصية أستطيع أن أقول بأنني بالفعل اكتشفت خلالها شغفي بالطبخ، وتعلمته واستمتعت بممارسته لأنني حاولت أن أملأ فراغي بأي شيء نافع ومفيد، وذلك لتجنب الوقوع في الشعور بأي نوع من الإحباط أو اليأس أو بطاقة سلبية، ولله الحمد واصلت مشواري وفخورة بما حققته. أهم إنجاز؟ - من الإنجازات المهمة التي حققتها أنني كنت عضوا مؤسسا في معهد آي إم إيه فرع البحرين، فبعد حصولي على شهادة السي إم إيه أصبحت شخصية اجتماعية بدرجة كبيرة، وتواصلت أكثر مع آخرين في نفس المجال، وعلمت أن هناك من يسعى إلى إنشاء هذا الفرع في المملكة وهو يتمتع بخبرة مصرفية واسعة، فتعاونت معه لتحقيق ذلك، وتم إشهارها، وكانت خطوة من أهم الخطوات في مشواري وأعتز بها كثيرا. قدوتك في الحياة؟ - والدتي هي قدوتي في الحياة وفي كل شيء، ولن أنسى ما حييت أنها كانت وراء نجاحي وأي إنجاز حققته أو سوف أحققه، وذلك رغم فقدانها مبكرا، فقد كانت تعمل ممرضة، وتحمل رسالة الماجستير، وتتمتع بحب التعلم وتطوير الذات، وقد ورثت عنها ذلك، وهو ما أحاول تطبيقه على مر المسيرة. كيف ترين الجيل الحالي؟ - لا شك أن هناك شريحة عريضة من الجيل الحالي مسؤولة ومبدعة ومبتكرة، وهو ما لمسته شخصيا من خلال لقائي بعدد كبير منهم وذلك رغم صغر عمرهم، وكل ما يحتاجه هذا الجيل هو بيئة تحتضنهم وتأخذهم بعيدا عن أي طاقة سلبية، هذا فضلا عن التركيز على تطوير الذات، لأن الوظيفة أو المشروع الخاص لا يكفيان، بل الأهم هو تنمية المهارات واكتشافها. أكبر وأهم خطر يتهدده؟ أرى أهم خطر يتهدد الجيل الجديد هو مبدأ الاتكالية، ومن ثم عدم الاستقلالية، ولذلك يجب أن يعي الشباب أنه ليس هناك شيء دائم، لا أشخاص ولا أموال، وأن الفشل يقود إلى النجاح، وهذا ما تربيت عليه، بل الفشل هو الاستسلام، والتوقف عن المسيرة، وعلى الإنسان أن يتطلع دوما إلى الأفضل ويرسم لنفسه خريطة طريق. حلمك الحالي؟ - طموحي الحالي أن أحصل على شهادة السي إف إيه، وأصبح محللة مالية معتمدة، وعموما أنا كلما أقترب من تحقيق طموح معين، أسارع وأضع لنفسي هدفا أعلى، والمبدأ هو عدم التوقف عن الأحلام أبدا. رسالة إلى اليتيم؟ - أقول لليتامى بشكل عام بأننا أقوى من غيرنا، لأننا مررنا بالأصعب وبالأقسى، وعلينا أن نتمتع بمشاعر الأمل والتفاؤل وأن نحمل بداخلنا الكثير من الطموحات ونسعى إلى تحقيقها، وبشكل عام يجب أن نستغل تجربة اليتم بصورة إيجابية دائما. كيف للمرأة أن تصنع لها شخصية مستقلة؟ - أنا أرى أن عمل المرأة ليس للهدف المادي فقط بل هو يساعدها على أن تكون شخصية مستقلة قادرة على تحمل أي مسؤولية، فالأمور المالية آخر ما يشغلني وهي ثانوية أمام تحقيق الذات، ومن هنا أدعو أي إمرأة إلى عدم السماح لأي شيء أن يحرمها من الدراسة والتعلم والعمل أو من تحقيق أحلامها حتى لو بلغت عنان السماء، مهما واجهت من تحديات أو عثرات.
مشاركة :