في أعقاب الانسحاب المُخزي للولايات المتحدة من أفغانستان، لم يفعل قادة القارة الأوروبية الكثير لإخفاء إحباطهم من السياسة الخارجية للرئيس الأميركي، ولكن في حين أن محنة الأفغان الحقيقية، خصوصاً النساء والأطفال، أمر مفهوم، فإن مخاوف الأوروبيين الأوسع نطاقاً مبالغ فيها، ولو استمعوا بعناية، فإنهم سيدركون أن بايدن يبدو أوروبياً بشكل جوهري، وسيكتشفون أنه في حين قد تكون هناك مشكلات مع الولايات المتحدة، فإن هذه المشكلات موجودة في الداخل تماماً. وفي قلب المخاوف الأوروبية تكمن المخاوف من عودة الانعزالية الأميركية. وعندما تولى بايدن منصبه، معلناً أن «أميركا عادت»، رد الأوروبيون، بعد أربع سنوات من رئاسة دونالد ترامب، بريبة: «إلى متى؟»، ومنذ ذلك الحين، اتخذ بايدن سلسلة من التحركات التي تشير إلى أن السؤال لايزال مفتوحاً. وإذا ابتعدت الولايات المتحدة بسهولة عن أفغانستان، فهل يمكنها أن تفعل الشيء نفسه في البلقان، وربما في دول البلطيق، أيضاً؟ وهذا القلق الوجودي في غير محله. ولا يوجد ما قالته أو فعلته إدارة بايدن يشير إلى تراجع الالتزام بالأمن الأوروبي. وعقيدة السياسة الخارجية للرئيس هي تلك القوة العظمى التي تدرك أن مواردها محدودة، وتختار استراتيجياً توجيهها إلى حيث هي أكثر أهمية: ضد خصومها الرئيسين (الصين وروسيا) وتجاه حلفائها الديمقراطيين الليبراليين، لاسيما في أوروبا. والانسحاب من أفغانستان، على الرغم من الفوضى التي كان عليه، لا يقوض هذه النقطة بل يعززها. وأوضح الرئيس الأميركي سياسته الخارجية في أعقاب الكارثة في أفغانستان، وأعلن أن «حقوق الإنسان ستكون مركز سياستنا الخارجية، لكن الطريق للقيام بذلك ليس من خلال الانتشار العسكري اللامتناهي، ولكن من خلال الدبلوماسية والأدوات الاقتصادية». إلى ذلك، يشعر الأوروبيون بخيبة أمل شديدة إزاء عدم وجود تنسيق في أفغانستان، وهذا نقد عادل، لكنه ليس بجديد. وكان الافتقار إلى التشاور مصدر إزعاج قديم في العلاقة عبر الأطلسي، عبر الإدارات الديمقراطية والجمهورية على حد سواء. وطالما عُرضت على حلفاء أميركا قراراتها بالتدخل العسكري على أنها أمر واقع، مع توقع المشاركة رغم ذلك. وفي تسعينات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، من البلقان إلى الشرق الأوسط، شعر الكثير في أوروبا بأن الأميركيين قاموا بالطهي، بينما تركوا غسل الأواني. ومع ذلك، هناك سبب وجيه يدفع الأوروبيين إلى الانزعاج من أفغانستان. وبعد عشر سنوات، استُنزف الغرب بسبب الأزمة المالية، والحروب الأبدية، والنكسات الديمقراطية في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط، وصعود الشعبوية القومية، ومع ذلك كان الغرب يعيد اكتشاف سبب وجوده ببطء. ويتم تفسير المواجهة التي تلوح في الأفق مع الصين وروسيا على أنه صدام بين الأنظمة السياسية والأيديولوجيات. وهكذا، أصبحت الديمقراطية الليبرالية والاستبداد مرة أخرى، في الواجهة؛ والتخلي عن الأفغان لطالبان يبدو كأنه تراجع عن الشيء ذاته الذي يمثله الغرب. لقد ولت أيام الترويج للديمقراطية من خلال التدخلات العسكرية وبناء الدولة، كما تنص عقيدة السياسة الخارجية لبايدن. وحان وقت التدخلات الإنسانية، والعقوبات، وشروط التنمية والتجارة، والتنشئة الاجتماعية للنخب من خلال الدبلوماسية والمجتمع المدني. واليوم، من غير المرجح أن يتحقق ذلك. ويتطلب الترويج الناجح للقيم الغربية، في عصرنا، أدوات وأساليب سياسية جديدة، تجمع بين المبادئ والبراغماتية. وسيتطلب الأمر من الأوروبيين تحمل قدر أكبر من المسؤولية والمجازفة، وسيستلزم ابتكار أشكال جديدة متعددة الأطراف لدعم القيم الليبرالية. تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news Share طباعة فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :