لا أحد يحزر بالضبط ما الذي سيقوله نتنياهو في مناسبة قادمة، فالرجل أصبح أسير متوالية من الحمق السياسي والعمى الإيديولوجي بحيث لا يرى إلا ظله ولا يسمع إلا صدى صوته. لقد أوشك أن يبرئ هتلر والنازية من رماد الهولوكوست، ما دام العرب هم الذين حرضوا هتلر على ملاحقة اليهود. ولو قرأ نتنياهو كتاباً واحداً في التاريخ لأدرك كيف كان العرب ملاذاً لليهود في العديد من مراحل التاريخ، والإجابة لسوء حظه جاءت من برلين، حيث وصفت تصريحاته في هذا السياق المضاد للوقائع بأنها هرطقة. ولو كان الألمان أكثر تحرراً من تلك الفوبيا لوصفوا تصريحاته بما هو أبعد وأشد من الهرطقة. إن هذا النمط من التفكير الانفعالي لا يصدر إلا عن أشخاص مصابين بالعصاب وفقدان التوازن، لهذا علينا ألا نستغرب إذا سمعنا بعد أشهر من استمرار الغضب الفلسطيني نتنياهو أو ليبرمان يقول إن العرب كانوا السبب في ثقب الأوزون أو ذوبان الجليد في القطب المتجمد الشمالي أو انقراض طائر البطريق. وعلينا ألا نصاب بالدهشة إذا أعلن نتنياهو أن الإيدز تسبب فيه العرب ولا علاقة له بإفريقيا أو أمريكا، وكذلك الزهايمر، والحقيقة أن من قال ذلك أو من سيقوله هو المصاب بالزهايمر السياسي والإيدز الأخلاقي لأنه يتوهم بأن التاريخ قابل للاستيطان أيضاً، وأن الدولة العبرية اسم حركي لإسبارطة. إن أهم مؤشر لقياس منسوب الهزيمة لدى أي إنسان هو الخلل في توازنه النفسي، وسيطرة ما يسميه علماء النفس الاعتقاد الخاطئ على ذهنه. إنه المريب الذي يَرشح من لسانه الاعتراف بأنه القاتل، لهذا يحاول السطو على الحمامة بعد ذبحها بحيث يقلدها في التهديل. وحين تتحول دولة برمتها إلى كوميديا من الأخطاء فإن التراجيديا ليست من نصيبها، ومن سرق البيت والأرض والهوية يحاول الآن أن يسرق الأنين والحنين معاً. ما قاله نتنياهو في ذروة الاندحار هو انتحار سياسي وليس مجرد هرطقة، اللهم إلا إذا كانت كلمة هرطقة بالألمانية تعني شيئاً كهذا. والانتقال من شيطنة العرب إلى هتلرتهم محاولة يائسة للإفلات من انسداد الآفاق كلها.
مشاركة :