علي الصراف يكتب: سقط نفق؟.. احفر نفقا آخر

  • 9/19/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لن يقوم أسرى فلسطينيون آخرون لدى إسرائيل بحفر نفق، ولا حتى محاولة الهروب من السجن. لأن الجميع يفهم الآن، أن الاحتلال الذي يجعل كل شبر من أرض فلسطين جزءا من السجن، لن يعجز عن إلقاء القبض على من يحاولون الفرار. المسافةُ من سجن صغير الى سجن أكبر ليست بعيدة، وكل خطوة فيها واقعة تحت الرصد. وفي الواقع، فما من فلسطيني وإلا يعرف أنه سجين. وإسرائيل لم تبخل على أحد، لا بالأسوار والجدران والأسلاك الشائكة ولا بكاميرات المراقبة ولا بغيرها من أدوات التجسس. هذا وحده يمكن أن يكون عارا يكشف طبيعة إسرائيل نفسها، وليس طبيعة احتلالها فقط. إنها معسكر، وأداة قهر جماعي، بصرف النظر عن المظاهر الكاذبة الأخرى التي تشير الى “مجتمع” و”دولة” و”حياة عامة”. حتى الهواء هناك خاضع للاحتلال. والفلسطيني لا يتنفس هواء صالحا للتنفس، أينما حل به المكان. فهناك من يسرق منه حتى القدرة على النطق بالكلمات المناسبة في وجه احتلال شرس، وقح، ولا يتورع عن القتل المجاني. النفق الذي حفره الأسرى الستة، كان نفق أمل بالحرية، يحق لكل سجين أن يحلم به. إلا تحت هذا الاحتلال. فحتى الحلم، حقٌ مسلوب. ولقد تبدد، لكي يقول لكل فلسطيني إنه لا يحتاج في مواجهة إسرائيل أن يحفر نفقا من النوع الذي أوله سجن وآخره سجن. هناك حاجة لنفق آخر، يحفره السجناء في السجن الكبير، من النوع الذي أوله سجن وآخره حرية. السلام حل، مثلما أن المقاومة المسلحة حل. ولكل منهما أسس وشروط ومستلزمات يتعين أن تتوفر لكي يمضي النفق في طريق لا عودة فيه. الفلسطينيون الذين لم ينجحوا في السلام ولا في المقاومة، يتعين أن يجيبوا على السؤال: لماذا؟ بتجرد وإخلاص مع النفس. وحالما يعثرون على الجواب، فان استراتيجية عمل وطني مشترك هي التي يتعين أن تنهض بقدراتهم على حفر النفق الى الحرية. سلطة الرئيس محمود عباس أثبتت لنفسها قبل الغير أنها ليست سلطة سلام. بل أنها لا تملك مشروعا للسلام أصلا. المشروع، لكي يكون مشروعا فعليا، أكثر من مجرد نصوص وقرارات دولية يجري التمسك بها. فهذه أوهن من بيت العنكبوت. يتطلب المشروع أن تعرف مقوماته، وسبل الاستدامة فيه. وأحد أول هذه المقومات هو أن تكون السلطة نفسها سلطة شرعية، لكي يجوز لها أن تتحدث عن مشروع؛ سلطة قادرة على أن تقدم المثال الجدير باحترام قيم القانون، لا سلطة يتحكم بها رئيس يُقيم ويُقعد، يكتب ويشطب، حسب ما يشاء له الهوى. الحرية عندما يمارسها الفلسطينيون تحت سلطة تحترم القانون، يمكنها أن تلقن الإسرائيليين درسا. هذه السلطة لا يمكنها أن تطلب الحرية لشعب، هي نفسها تستعبده أو تستهين بإرادته، أو لا تصغي اليه، أو تمارس الفساد فيه. انتفاضتا الحرية التي خاضها الفلسطينيون بين عامي 1987 و1991، ومن ثم بين عامي 2000 و2005، حققتا من التقدم في الاعتراف بحقوقهم، ما لم تستطع السلطة الفلسطينية أن تحققه من بعد ذلك، ولا حتى أن تبني عليه. هذا وحده كاف، للدلالة على حجم فشلها. المقاومة بالسلاح تبدو إغراء قويا يلهب المشاعر، إلا أنها كرست الفشل نفسه، لأنها لم تمتلك مقومات الاستدامة في القتال حتى نهاية النفق. ومن هدنة الى أخرى، ظلت مقاومة السلاح تكرر الفشل نفسه. حتى أثبت حملةُ السلاح، برغم كل تضحياتهم ونقاء سريرتهم، أنهم ليسوا سلطة حل بديل. متى يمكن الرهان على السلاح كحل؟ ابحث عن الجواب، وستعرف أنه لا يكون بالتوقف عند منتصف الطريق. ولا يكون بالخشية من رؤية دمار تعرف مسبقا أنه سيحصل. إذا كنت تخاف شيئا، فلماذا تُقدم عليه؟ وإذا كنت لا تخاف، فلماذا تتوقف في منتصف الطريق؟ السلاح يتعين أن لا يعجز عن أن يقود الى حل شامل. أي شيء أقل من ذلك، يعني أنه سلاح دمار ذاتي فحسب. السلام يكون سلام فشل، والسلاح يكون سلاح فشل، عندما يعجز عن أن يمضي في شق النفق الى نهاية الطريق. بوضوح، تكشف السلطة الفلسطينية في رام الله، وسلطة حماس في غزة، إنهما، مثل الأسرى الستة، يحفران في نفق لا يوصل الى شيء؛ نفق يقود من سجن الى سجن، ومن مأزق الى مأزق. معرفة الطريق الى الحرية، هي التي تقول: إذا سقط نفق، احفر نفقا آخر. وعندما تبدأ بالحفر لا تتوقف.

مشاركة :