علي الصراف يكتب: حكمة الصبر على بايدن

  • 2/16/2021
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الهجوم الحوثي على مدينة مأرب، يوفر للرئيس الأمريكي جو بايدن كل ما يحتاجه لكي يفهم أن مقاربته تجاه اليمن سطحية للغاية، ولا تخدم أغراضها الإنسانية، ولن تثمر نهاية للأزمة في هذا البلد. الحرب طالت، من دون أدنى شك. وتود المملكة العربية السعودية، والتحالف العربي، لو أنها تنتهي اليوم قبل الغد. نحن لسنا حيال انقلاب على الشرعية، لم يكن ليستند إلى أي أسس. الزيديون الذين يشكل الحوثي عصبهم المسلح، وإن كانوا جزءا من الشعب اليمني، لا يشكلون إلا نحو ثلث سكان اليمن، أو نحو 10 ملايين من مجموع 29 مليون نسمة. وهو ما يعني أن استيلاءهم على السلطة بقوة السلاح، لم يكن مجرد تمرد على الشرعية، ولكنه اعتداء على التركيبة السكانية وحقوق باقي اليمنيين. وفي الواقع، فليس كل الزيديين موالين للحوثي. إنهم ضحايا لهذه القبيلة أكثر من غيرهم. ولو جاز الافتراض أن الانقلاب كان مدفوعا بمطالب سياسية، وحقوق مهضومة، فقد كانت هناك سلسلة من الاتفاقات قد مهدت لرفع الضيم عن تلك الأقلية وغيرها. وفي الحقيقة، فإن الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بسلطة الرئيس علي عبد الله صالح في فبراير 2012 كانت قد مهدت الطريق لتسوية كل المظالم التي عانى منها اليمنيون جميعا، في شمال البلاد وجنوبها. وكان هناك نقاش وطني محموم حول سبل الخروج من البيئة القهرية التي فرضتها تلك السلطة، تجاه مختلف أطراف البلاد، شمالها ووسطها جنوبها. الحوثي قطع ذلك النقاش، مدفوعا بدعم وتشجيع إيراني. ولم ينقلب على سلطة الرئيس عبد ربه منصور هادي في سبتمبر 2014 فقط، ولكنه انقلب بالدرجة الأولى على مخرجات الحوار الوطني الذي امتد من مارس 2013 إلى يناير 2014، بمشاركة الحوثي مُمثلا بحزب “أنصار الله”. وثيقة ذلك الحوار لا تزال إلى يومنا هذا هي الوثيقة المرجعية لكل نقاش وطني حول سبل إعادة بناء الدولة على أسس ديمقراطية، وضمان حقوق الجميع. الإيرانيون أرادوا أن يمدوا سيطرتهم على بلد بدا في وضع هش، ووجدوا ضالتهم في الحوثي. فكان الانقلاب، وكان كل ما تلاه من مآس. واحدة من أهم الثمرات المُرة هي أن الحوثي حوّل اليمن نقطة انطلاق لتهديدات مباشرة، بالصواريخ والطائرات المسيرة، ضد السعودية. أرادت طهران أن تشن حربا بالوكالة ضد الرياض، وكان من الطبيعي للرياض أن تعمل على الدفاع عن نفسها في مواجهة تهديدٍ مأخوذٍ بدوافع خارجية. وكان من المنطقي، بالتالي، أن تدعم الشرعية وأن تعيد بناءها، وأن توفر لها مستلزمات الصمود والبقاء تجاه جماعة، لم تقصد من الأساس خدمة أي غرض إنساني أو سياسي داخلي، غير منح إيران مركز نفوذ إقليمي جديدا بعد العراق وسوريا ولبنان. إيران هي كل القضية. وليس الحوثي سوى كتيبة من كتائب الحرس الثوري الإيراني. ولو مات كل الشعب اليمني بالمرض أو جاع أو تشرد، فإنه بالنسبة لطهران أمر لا يستحق حتى النظر إليه. ذلك أن هناك “غايات ربانية” وراء ما يدفع اليمنيون ثمنه. لهذا السبب لم تكن معاناة الشعب اليمن لتعني شيئا بالنسبة للحوثي. فالموقف العقائدي المستمد من إيران يستهين بهذه المعاناة تماما، ويحيلها إلى “القدر”، رغم أنه قدر مفروض بقوة السلاح. الرئيس بايدن، نظر إلى هذه الحرب من منظار إنساني. شكرا. ولكنه كان منظارا عاجزا عن أن يرى من أن تأتي المعاناة الإنسانية وما هو مصدرها، ومن الذين يقفون وراءها. لقد كان من فائق الحكمة أن قررت الرياض ممارسة “الاحتواء” حيال هذا المنظور. وأن تمسح “النظارات” الإنسانية بقطعة حرير، لعل ضباب الرؤية يخف. لم تكن الرياض بحاجة إلى أن تذكّر واشنطن، بأنها هي التي دفعت أربعة أخماس كلفة المساعدات الإنسانية التي قُدمت لليمن، مباشرة، أو عن طريق الأمم المتحدة. لم تكن تحتاج أن تعارض دعوة بايدن إلى وقف مبيعات بعض الأسلحة. ولا هي ألقت محاضرة على مسامع وزير خارجيته أنتوني بلينكن لكي يعرف أسس الأزمة، ولا هي طالبته بأن يقرأ سطرا من سطور الحوارات بين اليمنيين أنفسهم. تركت الرياض كل ذلك، لكي تدع الرئيس بايدن يرى بنفسه، ما يستطيع أن يراه، وأن يسمع دوي القنابل والصواريخ، لعله يسمع. ولقد رأى وقفا لإطلاق النار من جانب السعودية، بينما شن الحوثي سلسلة من الهجمات الصاروخية الجديدة ضدها. ورأى أن إدارته قررت شطب الحوثي من قائمة المنظمات الإرهابية، فرد الحوثي على هذا الكرم، بالمزيد من الهجمات بالطائرات المسيرة ضد المراكز المدنية في السعودية، ليؤكد له أن الحوثي منظمة إرهاب حصرا. ولئن استعانت الرياض بالصبر، على الاعتداءات الحوثية في الحديدة وتعز، فقد بدأ الحوثي بشن هجوم جديد على مدينة مأرب، حتى فاض الكيل بالأمم المتحدة التي قال وكيل أمينها العام للشؤون الإنسانية ومنسق عمليات الإغاثة الطارئة مارك لوكوك إن هجوم الحوثي “يضع ما يصل إلى مليوني مدني في خطر وينتج عنه نزوح مئات الآلاف، الأمر الذي سيؤدي إلى عواقب إنسانية لا يمكن تصورها”. وعندما يحدث ذلك، فلن يكون من الغريب أن تطلب إدارة الرئيس بايدن من السعودية تقديم المزيد من المساعدات الإنسانية لضحايا هجوم الحوثي! على الأقل، لأن السعودية طالما فعلت ذلك أصلا. فقد ساعدت، وظلت تساعد، ولم تستثن من مساعداتها أحدا. يمكن للرئيس بايدن أن يكون سطحيا. هذا حقٌ مشروع من حقوق الإنسان. يمكنه أن يكون سخيفا أيضا. ولكن لا يمكنه أن يتصرف كأعمى وهو يملك عينين اثنتين ليرى، وأذنين اثنتين ليسمع.

مشاركة :