كل الوطن- خدمة العصر : يقول تايلور لاك في تقرير نشرته صحيفة كريستيان ساينس مونتيور عن الانتخابات التشريعية السيسية الأخيرة في مصر، إن أهم شيء سيقوم به البرلمان المقبل ليس دعم قرارات الرئيس، وفقط، ولكن المصادقة أيضا على إجراء إصلاحات دستورية تعزز من سلطته. ويمكنه تحقيق هذه الأهداف حال فوز مؤيديه بثلثي مقاعد البرلمان. وليس غريبا أن يحضر رجال العهد الماضي الذين أطلق عليهم بالفلول أو الدولة العميقة وبقوة في الانتخابات البرلمانية الحالية. ومن هنا، يُتوقع أن يضادق برلمان السيسي على كل القرارات التي أصدرها قائد الانقلاب العسكري، العام الماضي، وعددها 175 قرارا وهو ما سيؤدي إلى تثبيت دولة العسكر واستكمال التوجه نحو سحق المجتمع. وعلى خلاف الانتخابات البرلمانية، والتي أُجريت مباشرة بعد الثورة وشارك فيها كل ألوان الطيف السياسي في مصر وبلغت نسبة المشاركة فيها حوالي 52٪، فانتخابات البرلمان الحالي بلون واحد وطعم واحد. ووفقا لدراسة أجراها مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، فنسبة 40٪ من الفائزين بمقاعد في برلمان السيسي هم أعضاء سابقون في الحزب الوطني الديمقراطي المنحل. وفي هذا السياق، أفادت الباحثة أتش إي هيللر من المعهد الملكي للدراسات المتحدة في لندن أن البرلمان المقبل يغلب عليه التمثيل الكاسح لرجال الأعمال وشبكة الحزب الوطني السابق. وعلى هذا، فلن يجد السيسي صعوبة في تمرير القوانين التي صدرت منذ الإطاحة بمرسي ومنها قوانين مكافحة الإرهاب وقوانين تسمح بتقديم المدنيين لمحاكم عسكرية وأخرى تُتيح للرئيس بطرد طلاب ومدرسين في جامعة الأزهر. وبموجب الدستور الذي مرر العام الماضي فلن يكون أمام البرلمان سوى 15 يوما للموافقة عليها أو رفضها، إلا أن البرلمان القادم بطبيعته الذي عملت سلطة السيسي على تشكيله حسب مقاسها لن يناقش أو يعارض بل وسيقدم الدعم المطلق للرئيس الذي لن يرضى بأغلبية بسيطة. فهو يرغب في أغلبية مطلقة تعينه على تحقيق ما ألمح إليه في خطاباته الأخيرة من منح الرئيس وليس البرلمان سلطة المصادقة على الحكومة. ويرغب السيسي بتجريد البرلمان من سلطاته الممنوحة له دستوريا، والتي تتعلق بسحب الثقة من الرئيس والدعوة لانتخابات مبكرة. وفي هذا، يرى الباحث إريك تريغر، من معهد واشنطن، أن الانتخابات البرلمانية لن تؤدي إلا لتدعيم المسار الاستبدادي في البلاد، والسبب مرتبط بالصيغة الانتخابية التي فُرضت، بحيث تناسب القوى المؤيدة للنظام من أثرياء المدن المرتبطين بالأجهزة الأمنية ومراكز القوى الريفية، أي عشائر دلتا النيل والصعيد وسيناء والصحراء الغربية. ويمكن هذا النظام من تعزيز سيطرته على الحواضر من خلال أصحاب المال والمصالح ويوسع من نفوذه في الأرياف. ومن هنا، يرى الكاتب أن الطبيعة النفعية عادت من جديد كما كان الحال في زمن مبارك. فالحصول على مقعد في البرلمان يضمن حصانة قانونية واسعة، مما يعطي أصحاب المال حرية أكبر في القيام بأعمال تجارية مستغلين المنطقة الرمادية أو السوداء. أما بالنسبة إلى المرشحين في المناطق الريفية، فالفوز بمقعد يعزز أيضاً من مصالحهم ويمنحهم القدرة للوصول إلى موارد الدولة وتقاسمها بين أنصارهم. فما هي هذه الصيغة؟ فهي خلاف الصيغ الانتخابية التي جرى العمل بها في الفترة ما بين 1990 و2005، حيث قسمت مصر إلى 222 دائرة انتخابية، وما تبع ذلك من تغييرات لشكل المراكز الانتخابية فيما بعد الثورة، والتي جاءت بالإسلاميين -إخوانا وسلفيين- للبرلمان، قدمت حكومة السيسي خطة جديدة أعادت رسم خريطة مصر الانتخابية بشكل يخدم القوى التي يريدها النظام البروز والسيطرة على العملية السياسية وإن بالاسم. فبموجب الصيغة الحالية تم توسيع أعضاء البرلمان إلى 596 مقعداً، يعين السيسي فيه 28 عضواً. فيما تنتخب 203 منطقة 448 ممثلاً (أو ما يقرب من ثلاثة أرباع مقاعد البرلمان). وبالمحصلة ستكون تركيبة البرلمان القادم عبارة عن مزيج من القوى التي ارتبطت مصالحها بمصالح النظام الحالي سواء كانت أحزابا أو قوائم مثل قائمة في حب مصر، والتي يقودها سامح سيف اليزال وهو جنرال أمني سابق أصبح متحدثا باسم الجيش بعد الانقلاب. وقد لاحظ الكاتب ديفيد كيرباتريك من صحيفة نيويورك تايمز أنه لم يكن هناك حبس أنفاس بالنسبة لنتائج انتخابات مصر البرلمانية. إذ صمم الرئيس عبدالفتاح السيسي نظاما انتخابيا لمحو أي نقاش حول السياسات أو التنافس الأيديولوجي. وترى الصحيفة أن الصيغة الانتخابية أسهمت في نتائج الانتخابات الحالية على الأقل في مرحلتها الأولى، كما إن غياب المنافس الوحيد والقادر على التعبئة وهم الإخوان المسلمون، الجماعة المحظورة والمصنفة بالإرهابية عامل مهم في هذا السياق. ومثلت الانتخابات في النهاية استفتاء ليس على شعبية النظام، وفقط، بل وعلى شعبية حزب النور أيضا، الذي اعتقد قادته أن بمقدورهم ملء الفراغ الذي تركه الإخوان بسبب القمع. وها هم يدفعون ثمن تحالفهم مع النظام ضد الإخوان، حيث لم يفز أحد من مرشحيهم بأي مقعد وبعضهم ينتظر جولات الإعادة. وتناولت مجلة إيكونوميست الوضع الاقتصادي في مصر. وقالت إن احتياطي مصر من العملات الأجنبية انخفض في سبتمبر إلى 16.4 مليار دولار أمريكي. والمبلغ وإن كان كافيا لتغطية ثلاثة أشهر من الواردات إلا أن مصر لا تجذب الكثير من الدولارات في الوقت الحالي. فبعد سنوات من الاضطرابات السياسية والتي ضربت السياحة والاستثمار الأجنبي المباشر، والذي وصل إلى 6.4 مليار دولار في السنة المالية السابقة (التي بدأت من يوليو حتى يونيو). وتأمل الحكومة المصرية باجتذاب 10 مليارات من الاستثمار الأجنبي هذا العام، إلا أن المحللين يقولون إنه أضغاث أحلام. فتعويم العملة المصرية أدى لابتعاد المستثمرين عن البلاد. كما إن البدائل التي اعتمدت عليها الحكومة لسد العجز في الميزانية ليست كافية في وقت تنخفض فيه أسعار الطاقة العالمية، وهو ما ينعكس سلبا على عوائد دول الخليج التي استثمرت في النظام العسكري المصري. وعلى العموم، كما يرى متابعون، فالمشهد الذي عاشته مصر في الأسبوع الماضي سيتكرر في الشهر المقبل وربما تكرر في المستقبل، هو محاولة من ديكتاتورية تثبت أقدامها الظهور بمظهر من يرعى العملية الديمقراطية، فتجارب مصر في الماضي والحاضر ما يفيد. فالديكتاتوريون عادة ما يستخدمون الانتخابات لتأكيد سلطتهم وتأكيد شرعيتهم وتبرير وجودهم في الداخل والخارج. وما يخرج منه المراقب للمشهد الانتخابي المصري هي أن رجال مبارك الفاسدين الذين ظن المصريون أنهم اختفوا أبدا عادوا وبقوة، وما جرى هو تغيير للصورة والشكل.
مشاركة :