تترقب الدوائر السياسية في تونس، الإعلان عن خارطة طريق إصلاح النظام السياسي، مع توقعات بطرح «تعديل الدستور» للاستفتاء الشعبي، بعد أكثر من 50 يوما على قرارات التدابير الاستثنائية الني أعلنها الرئيس قيس سعيد ـ 25 يوليو/ تموز الماضي ـ بتجميد البرلمان وإقالة رئيس الحكومة. ويرى مراقبون ومحللون سياسيون، أن استمرار الوضع الحالى في تونس سيؤدى إلى فقدان الرئيس جانبًا كبيرًا من شعبيته الكبيرة، التى لاتزال تمثل أهم ضمانات تعديل الدستور وإصلاح النظام السياسى، خاصة وأن جماعة الإخوان في تونس (حركة النهضة)، بدأت مناورات الحشد لتظاهرات ضد الوضع الراهن ، وهي تقوم بتحفيز أنصارها للنزول للشارع والهتاف ضد قرارات 25 يوليو / تموز. نوايا الرئيس التونسي الإصلاحية مؤكدة، والشلل الذى أصاب النظام السياسى واضح، ودعم غالبية الشعب قراراته الاستثنائية كبير، ولكن لا يمكن للاستثناء أن يتحول إلى قاعدة لأن الوصول إلى الأخيرة يتطلب تعديل الدستور. «إعادة» ترتيب الحكم والصلاحيات ليجعله بيد الرئيس وكان واضحا، أن الرئيس قيس سعيد، ومنذ 25 يوليو / تموز، يتحرك لتهيئة المناخ السياسي في البلاد ليكون ملائما لخطواته القادمة، والتي كانت ولا تزال «إعادة» ترتيب الحكم والصلاحيات ليجعله بيد الرئيس بصفته اعلى هرم السلطة التنفيذية والذي يدير أجهزة الدولة، بحسب تقديرات المحلل السياسي التونسي، حسان العيادي ، وهذا التصور لنظام الحكم لم يكن خافيا، فالرئيس سعيد لم يخف تفضيله للنظام الرئاسي ولا انتصاره الى النظام السياسي الذي يقوم على اعتبار الحكومة الذراع التنفيذي للرئيس وليست «رأسا» للسلطة التنفيذية لتنافسه الصلاحيات والاختصاصات. ويقول المراقبون في تونس، إن تفضيل الرئيس سعيد للنظام الرئاسي «لم يقع التعديل فيه او التراجع عنه»، فالرئيس ظل وفيا لهذا الخيار ومدافعا عنه قبل وبعد 25 يوليو/ تموز. الرئيس وفي مناسبات عدة، بحسب المحلل السياسي التونسي، كشف انه يعتبر الدستور صيغ ووضع بطرق مواربة وغير نزيهة وانه يعكس المحاصصة والتناقضات وان العمل به غير ممكن، هذا بالإضافة الى انه أعلن في مطار تونس قرطاج منذ شهر تقريبا ان الحكومة ستكون وفق تنظيم يعكس ارادة التونسيين. تعديل الدستور والقانون الانتخاببي ويضيف «حسان العيادي»، يبدو واضحا أن الرئاسة حسمت خيارها بشأن تعديل الدستور، فبالنسة لها الدستور وما يتضمنه من فصول وأحكام بات عقبة أمام «تصحيح المسار»، سواء تعلق الأمر بتشكيل الحكومة او مصير البرلمان او غيرها من الخطوات والتفاصيل. أي أن الرئاسة وإن أعلنت على لسان رئيس الجمهورية انها تحترم الدستور وتعمل في اطاره، لا تعلن التزامها بعدم تعديله..وخطة الرئاسة وفق ما اعلنته بإشكال عدة مباشرة أوغير مباشرة، أو عبر تصريحات رسمية للرئيس أو لمستشاريه، أو عبر ما تروجه الأوساط المقربة منه والمحسوبة عليه، تتمثل في اعلان تنظيم مؤقت للسلط العمومية يمكن الرئيس من تسمية رئيس الحكومة،وسن المراسيم والقوانين الى حين استكمال تعديل الدستور والقانون الانتخابي وعرضهما على الاستفتاء. الاستفتاء المنتظر ويرى خبراء في الشئون السياسية والدستورية، أنه لا يمكن أن يستمر الرئيس قيس سعيد حاملًا فقط لواء رفض أداء البرلمان وحركة النهضة والشلل الذى أصاب النظام السياسى، دون أن يُقدم على ترجمة الأفكار المطروحة لإصلاح النظام السياسى ـ الذى هو نفسه عبّر عنها ـ إلى حيز التنفيذ. النظام الرئاسى الديمقراطى يحقق خروج تونس من أزمتها والحقيقة أنه مطلوب طرح تصوراته حول تعديل الدستور لنقاش عام بين النخب السياسية والقانونية بجانب النقابات، وعلى رأسها الاتحاد التونسى للشغل، بحسب تحليل أستاذ العلوم السياسية د. عمرو الشوبكي، تمهيدًا لعرضها على الشعب من أجل استفتاء عام، وأن التحول نحو النظام الرئاسى الديمقراطى يمثل أحد أهم شروط خروج تونس من أزمتها ودعم مسار الإصلاح السياسى. خطيئة توزيع الصلاحيات بين رئيسين واللافت أن الفصل 71 من الدستور التونسى نادر الوجود فى كل دساتير العالم، فقد نص على أن «يمارس السلطة التنفيذية رئيس الجمهورية وحكومة يترأسها رئيس الحكومة»، أى أنه وزّع صلاحيات السلطة التنفيذية بين رئيسين، وهو خلط غير حميد فى مجال النظم السياسية حين تختار من كل بستان/ نظام زهرة وتُنشئ نظامًا خليطًا بين الرئاسى والبرلمانى. وضع خريطة طريق لمسار تعديل الدستور وفي أى نظام سياسى، إما أن يُنتخب الرئيس من الشعب، فيكون بالحتم نظامًا رئاسيًا، أو يُنتخب من البرلمان فيكون نظامًا برلمانيًا السلطة فيه لرئيس الحكومة المنتخب أيضًا من البرلمان..أما أن يُنتخب رئيس جمهورية من الشعب بأغلبية كاسحة (75%) مثل قيس سعيد، ولا يستطيع تعيين أو إعفاء وزير، فتلك أزمة لابد أن تنتج عجزًا كاملًا للنظام القائم عن القيام بواجباته. وقال «الشوبكي»، مطلوب من الرئيس التونسي وضع خريطة طريق لمسار تعديل الدستور فى أقرب فرصة، وتشكيل حكومة كفاءات مؤقتة من التكنوقراط، وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة قد تُعيد تشكيل الخريطة السياسية بخسارة «النهضة» المزيد من المقاعد، لكنها لن تختفى.
مشاركة :