مراقبون: رحيل بوتفليقة من دون محاسبة يكرّس سياسة «الإفلات من العقاب»

  • 9/21/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

خلّف الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة، الذي وري الثرى أول من أمس، صورة حالكة عن التفرد بالحكم وسوء تسيير الشأن العام، من أبرز تجلياتها سجن رئيسين للوزراء، وعشرات الوزراء والضباط العسكريين الذين اشتغلوا تحت سلطته، والعديد من رجال الأعمال، وإطلاق مذكرات اعتقال دولية بحق وجهاء من النظام في عهده؛ وذلك بتهم فساد، لكن دون أن يتعرض هو للحساب. ويقول مراقبون للشأن السياسي بالجزائر، إن رفض القضاء طلب محامين استدعاء بوتفليقة لسماعه في وقائع فساد، خلال محاكمة أبرز مساعديه في العامين الماضيين، «يكرّس سياسة الإفلات من العقاب» بالنسبة لرئيس الدولة، الذي هو العمود الفقري للنظام السياسي بوجهيه المدني والعسكري. فقد سبق بوتفليقة إلى الحكم ستة رؤساء منذ الاستقلال، تورط بعضهم في قضايا فساد خطيرة، وفي شبهات جرائم اغتيال وتصفية معارضين، غير أن القضاء لم ينظم لهم محاكمات ولا حتى قام باستدعائهم للتحقيق، ومن أبرزهم الرئيسان السابقان المتوفيان، الشاذلي بن جديد الذي تفجرت في عهده «قضية اختلاس 26 مليار دولار»، التي تحدث عنها رئيس الحكومة في عهده عبد الحميد إبراهيمي، وقبله هواري بومدين الذي قاد انقلاباً عسكرياً عام 1965 ضد الرئيس المنتخب أحمد بن بلة، وفرض نفسه حاكماً أوحد لمدة 13 سنة. وتم في عهده اغتيال خصوم سياسيين عدة داخل الجزائر وخارجها. وطالب محامو رئيسي الوزراء أحمد أويحيى (15 سنة سجناً مع التنفيذ)، وعبد المالك سلال (12 سنة سجناً مع التنفيذ)، والوزراء عمر غول، ويوسف يوسفي، ومحجوب بدة، ورجال الأعمال علي حداد، وأحمد معزوز، ومحيي الدين طحكوت (أدانهم القضاء بالسجن) القضاة بإحضار بوتفليقة لسماعه بخصوص تصريحات موكليهم أثناء المحاكمات، تفيد بأن كل القرارات والإجراءات التي اتخذوها في مجال الاستثمار وتسيير المشروعات الاقتصادية، تمت بناءً على أوامره هو شخصياً، ومع ذلك لم يتم استدعاؤه من الإقامة التي قضى فيها آخر أيامه منذ عزله من السلطة في الثاني من أبريل (نيسان) 2019 على إثر انفجار الشارع ضد رغبته تمديد حكمه، الذي دام 20 سنة. في المقابل، صرح متعاطفون مع بوتفليقة، ومن بينهم مسؤولون سابقون في السلطة، بأنه «تعرض لخيانة من مقربيه»، منذ أن أصاب الضعف جسمه، عام 2013. وأكثر ما يشاع بهذا الخصوص، أن «قوى غير دستورية»، يمثلها رجال أعمال «اختطفوا الحكم منه» بعد فقدانه القدرة على الحركة والنطق، فتصرفت في مقدرات البلاد لسنوات طويلة. وقد نشر الإعلام في وقت سابق بأن أختام الرئاسة أخذت منه خلال فترة مرضه. ويعزو محللون حالة الفراغ المؤسساتي، التي خلفها توقف بوتفليقة عن النشاط بسبب المرض، إلى تفرده بالحكم، وتركيز كل السلطات بين يديه، ورفضه التداول على السلطة. وكتب عنه عبد العزيز رحابي، وزير الإعلام في بداية حكم الرئيس السابق، فقال «كان عبد العزيز بوتفليقة شاهداً مميزاً، وفاعلاً مؤثراً في تاريخ الجزائر المستقلة. وهو من أبرز الفاعلين في النظام السياسي الجزائري، الذي اتسم بالاستبداد والفساد، والمقاومة الممنهجة والمنتظمة لأي شكل من أشكال التغيير والحداثة. لم يكن لدى الرئيس الراحل أي طموح لأجل جزائر قوية ومزدهرة؛ لأنه كان بطبيعته رجل سلطة، وظّف كل طاقته في تعزيز سلطاته على حساب المؤسسات، في وقت كانت فيه البلاد في أمس الحاجة إلى رجال دولة، قادرين على إدخالها في محفل الأمم العظيمة». وبحسب رحابي «تملك الجزائر من المزايا ما يمكنها من التصالح مع مصيرها، ذي العظمة التاريخية، لكنها لا تستطيع تحقيق ذلك إلا من خلال تبني المعايير اللازمة للحكم الراشد، واحترام حقوق الإنسان. ومن الصعب اعتبار أن هذه الشروط كانت جزءاً من أولويات الرئيس بوتفليقة. تغمده الله برحمته».

مشاركة :