دعا الفرع الجزائري لمنظمة العفو الدولية السلطات إلى إطلاق «تحقيقات جادة» حول ما جرى خلال فترة الاقتتال بين قوات الأمن والجماعات المتطرفة (1992 - 2000)، التي يطلق عليها «العشرية السوداء». وفيما يذكر الإسلاميون أن عددا كبيرا من ضحايا الحرب الأهلية كان بفعل تصفيات جسدية نفذتها أجهزة الأمن، تلقي الحكومة بالمسؤولية على التنظيمات المتشددة. ومرت أمس 10 سنوات (27 فبراير/شباط 2006) على صدور قانون تنفيذ «ميثاق السلم والمصالحة الوطنية»، الذي أيده الجزائريون في استفتاء نظم في 29 من سبتمبر (أيلول) 2005، وبهذه المناسبة نشر فرع «أمنيستي» بموقعه الإلكتروني مطالب «جمعيات المفقودين»، وهم أقارب ضحايا الاختفاءات القسرية، الذين يفوق عددهم 15 ألفا، ولا يعرف لهم أي أثر منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، والذين يرفعون شعار «الحقيقة والعدالة». ودعا التنظيم الحقوقي الحكومة إلى «اتخاذ إجراءات فعالة من أجل محاربة الإفلات من العقوبة حتى لا تتكرر حالات خرق حقوق الإنسان»، وعد ذلك «أمرا ضروريا لطي الصفحة». ويعني «الإفلات من العقاب»، حسب هؤلاء، حماية رجال الأمن المتورطين في التجاوزات من المتابعة القضائية. وفي هذا السياق أوضح التنظيم أنه «بدل أن تجري السلطات الجزائرية تحريات حول الجرائم التي ارتكبت خلال مرحلة الصراع الداخلي، أصدرت مجموعة من التدابير القانونية كرست الإفلات من العقاب، وحرمت الضحايا وأقاربهم من حقهم في معرفة الحقيقة وفي الإنصاف والتعويض». واحتجت «العفو الدولية» على «منع مواطنين من التعبير ومن تنظيم تجمعات، ذلك أن القوانين المعمول بها تتيح المتابعة بتهمة القذف ضد أي شخص يتحدث عن ضلوع رجال الأمن في الاختفاءات القسرية». ويقترح «قانون المصالحة» على عائلات المفقودين مبالغ مالية وشهادات إدارية تثبت وفاة المختفين. غير أن الجمعيات التي تدافع عن هذه الفئة، التي تنتمي إلى ما يسمى «المأساة الوطنية»، رفضت العرض، وأصرت على متابعة رجال الأمن الذين اعتقلوا أبناءهم واقتادوهم إلى مراكز الشرطة والدرك، وحتى إلى معتقلات للمخابرات العسكرية، ولكن من دون أن يعودوا إلى بيوتهم، ولم تتم محاكمتهم ولا يعرف مصيرهم حتى الآن. وبمرور السنين اقتنع ذوو المفقودين أنهم قتلوا إما رميا بالرصاص، أو شنقا، أو تحت التعذيب. لكن السلطات ترفض هذه الرواية بشدة، وأغلقت الباب أمام أي احتمال لمتابعة رجال الأمن، خاصة أنه من الصعب جدا على أهالي المفقودين التعرف عليهم بعد مرور سنين طويلة. وجاء في «ميثاق المصالحة» بهذا الشأن أن «ملف المفقودين يحظى باهتمام الدولة منذ عشر سنوات خلت، وهو محل عناية خاصة قصد معالجته بالكيفية المواتية، ومأساة الأشخاص المفقودين هي إحدى عواقب آفة الإرهاب، التي ابتليت بها الجزائر، فتلك الافتقادات كانت في الكثير من الحالات بفعـل النشاط الإجرامي للإرهابيين، الذين ادعوا لأنفسهم حق الحكم بالحياة أو الموت على كل إنسان جزائريا كان أم أجنبيا». وبناء على هذا التفسير فإن السلطات، وعلى عكس التنظيمات الحقوقية، تحمل الإسلاميين المسلحين مسؤولية الاختفاءات القسرية. وفي موضوع متابعة رجال الأمن يذكر «الميثاق» أن الشعب الجزائري صاحب السيادة يعتبر أن الأفعال الجديرة بالعقاب، والمقترفة من قبل أعوان الدولة الذين تمت معاقبتهم من قبل العدالة كلما ثبتت تلك الأفعال، لا يمكن أن تكون مدعاة لإلقاء الشبهة على سائر قوات النظام العام، التي اضطلعت بواجبها بمؤازرة من المواطنين وخدمة للوطن. ويعني ذلك أن السلطات هي من تبادر بمتابعة أعوانها إذا ثبت في حقهم تجاوز، وليس عائلات المفقودين والتنظيمات الحقوقية، ولكن لم يثبت أن فعلت ذلك. وزيادة على حظر ملاحقة رجال الأمن في القضاء، منعت السلطات قادة «جبهة الإنقاذ» المحظورة من المشاركة في الانتخابات، ومن تأسيس أحزاب، بحجة أنهم كانوا سببا في الدعوة إلى «الجهاد».
مشاركة :