الراديو يصل الدراما التاريخية بجمهورها بكلفة إنتاج زهيدة | أحمد جمال

  • 9/28/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

غابت الدراما التاريخية عن التلفزيون والإذاعة في مصر خلال السنوات الماضية بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج وحدوث بعض الأخطاء التاريخية، لكن الجماهيرية المتزايدة للراديو أعادت اهتمام الجهات الحكومية بالدراما التاريخية لاسيما أن الإنتاج الإذاعي لا يتطلب كلفة عالية كما هو الحال في التلفزيون. شجعت نجاحات جماهيرية حققتها بعض الإذاعات الحكومية والخاصة في مصر مؤخرا على توظيفها كإحدى الأدوات المناسبة لاستعادة زخم الإنتاج الدرامي عبر إنتاج مسلسلات إذاعية بتكاليف منخفضة تضمن عدم تعرض قطاع الإنتاج التابع لاتحاد الإذاعة والتلفزيون (ماسبيرو) إلى خسائر جديدة، وتمنحه بريقا كاد يفقده. وعقدت الإذاعة المصرية اتفاقية تعاون مع اتحاد الإذاعات الإسلامية أخيرا لأجل إنتاج ثلاثة أعمال إذاعية بينها مسلسلان تاريخيان هما “عمر بن الخطاب” و”خاتم الأنبياء”، في عودة إلى الدراما التاريخية التي غابت عن الإنتاج المصري السنوات الماضية بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج وحدوث بعض الأخطاء التاريخية التي وقعت فيها سابقا وعدم ضمان جذب الجمهور لهذا النوع من الأعمال التي تتطلب إمكانيات فنية عالية. وأوضح رئيس الإذاعة محمد نوار أن نخبة من النجوم المصريين ستشارك في المسلسلين اللذين سيتم إنتاجهما قريبا، من بينهم سميحة أيوب ومحمود الحديني وحنان مطاوع وإياد نصار وسوسن بدر، وتتناول هذه الأعمال قضايا تاريخية وتراثية، ودينية تعبر عن وسطية الإسلام واعتدال منهجه، بما يخدم خطط الحكومة لتصويب الخطاب الديني الذي يعاني منذ فترة وتتعثر محاولات تجديده. عصام الأمير: الجهود تستهدف استعادة الثقة في الإنتاج الحكومي ويحظى المحتوى الديني في بعض الأعمال بنسب متابعة مرتفعة من جانب مستمعي الراديو في مصر، بطريقة لفتت الانتباه لضرورة طرق هذا الباب واختيار موضوعات تحقق رغبات مستمعين يريدون التعرف على تفاصيل بعض القضايا المهمة. وتشير إحصاءات أجرتها الإذاعة المصرية مؤخراً إلى أن إذاعة “القرآن الكريم” تجذب 92 في المئة من نسب الاستماع في الإذاعات الرسمية، وهو ما تحاول الحكومة تطويعه لإنتاج محتويات درامية تاريخية ذات بعد ديني تجذب المزيد من الجمهور. وما زالت البرامج الجادة قادرة على إغراء قطاعات ارتبطت بالإذاعة منذ فترة طويلة من خلال تقديم محتوى توعوي جاد يطرح أسئلة مهمة في الملفات التي تهم الناس. وحسب استبيان أجرته الإذاعة المصرية فإن “شبكة البرنامج العام” تجذب 65 في المئة من نسب متابعي الراديو الرسمي، ما يجعل هناك فرصة أمام الدراما التاريخية التي يغلب عليها الطابع التنويري لأن تحظى بنسب متابعة مرتفعة بعيداً عن المضمون الترفيهي والاجتماعي الذي يهيمن على الدراما التلفزيونية. وبرهنت تحركات الهيئة الوطنية للإعلام -وهي الجهة المسؤولة عن إدارة اتحاد الإذاعة والتلفزيون- عبر تدشين تحالفات مع إذاعات عربية وإسلامية لإنتاج برامج ومسلسلات مشتركة تحمل صبغة سياسية وتاريخية أن هناك رغبة في زيادة معدل المحتوى الثقافي على حساب الترفيهي، واستغلال نسب الزيادة الملحوظة في متابعة بعض الإذاعات لتقديم رسائل فكرية تستهدفها الحكومة للتعامل مع الخطاب المتشدد. وتبث 10 شبكات إذاعية في مصر 178.1 ألف ساعة سنويا وفقا للإحصائيات الرسمية، ويحتل المجال الترفيهي النصيب الأكبر منها بنسبة 22 في المئة تليه الثقافة بنسبة 17 في المئة، بينما تتوزع النسبة الباقية على النواحي الفنية والسياسية. وقال الرئيس الأسبق لاتحاد الإذاعة والتلفزيون عصام الأمير إن “الراديو على مدار تاريخه كان له الذراع الطولى في إنتاج الدراما التاريخية واستطاعت الإذاعات المختلفة أن تحقق أصداء جماهيرية على المستوى المحلي وتخطته إلى النطاق العربي، والجهود الحالية تستهدف استعادة الثقة في الإنتاج الحكومي المباشر من خلال قطاع الإنتاج عبر مدخل الإذاعة التي قد تكون فيها نسبة المخاطرة محدودة”. وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الإذاعة الشهيرة “صوت العرب” قدمت من قبل مسلسلات إذاعية بالتعاون مع إذاعات عربية من دول العراق والكويت والسعودية، وحققت نسب متابعة كبيرة، في مقابل أن كلفتها الإنتاجية بسيطة للغاية، إضافة إلى أن العبء يكون مشتركاً مع الجهة الأخرى، وهي صيغة مقبولة تتماشى مع أوضاع الإنتاج الحكومي في الوقت الحالي. عبدالرحمن رشاد: الراديو امتلك مقومات نجاح ساعدته على تحقيق أهدافه وسبق أن قدمت الإذاعة المصرية عبر الإنتاج المشترك مسلسلات تاريخية ناجحة على رأسها “الكعبة المشرفة”، و”طارق بن زياد”، و”الظاهر بيبرس”، و”صلاح الدين”، و”فارس العرب”، و”نسور العبور”، و”رحلة في الزمن الجميل”، و”مذبحة القلعة”، و”أصحاب الناقة”، و”الفارس الأسود”. وأوضح الأمير أن الهدف من تقديم المسلسلات التاريخية يتمثل في مخاطبة ربات البيوت وشرائح عديدة في القرى والنجوع ما زال الراديو بالنسبة إليها يمثل وسيلة اتصال مهمة، ونسبة هؤلاء مرتفعة ويشكلون فئة مهمة تستهدفها خطط التوعية. ومثلما غابت الدراما التاريخية عن التلفزيون المصري فإنها غابت أيضا عن الإذاعة خلال السنوات الماضية، في حين أنه جرى التوسع في إنتاج المسلسلات الإذاعية في موسم رمضان الدرامي، ويبدو أن جهات الإنتاج الرسمية تستهدف توظيف استقطاب الراديو لنجوم فنية مع تقلص الإنتاج التلفزيوني كعامل مساعد يدعم نجاحها. وتعترض قدرة الراديو على جذب الجمهور عبر المسلسلات التاريخية بعض المشكلات، على رأسها ما يتعلق بالكفاءات القادرة على كتابة وتأليف مسلسلات إذاعية ذات محتوى موثق بعد أن غاب هذا النوع من الأعمال عن صناع الدراما مؤخرا، وأن تقديم مسلسل يتسم بقدر كبير من الاستسهال -كما هو الحال في بعض الأعمال التي جرى تقديمها- لن يحقق الهدف المرجو. وحاولت إذاعات حكومية السير في نفس طريق نظيرتها الخاصة وتخلت عن قدر كبير من الرصانة التي اتسمت بها سابقا، ووجدت نفسها في مفترق طرق؛ فإما أن تمضي في مجال استقطاب جمهور الشباب الذي من الصعب جذبه إلى هذا النوع من المسلسلات، أو الحفاظ على جمهورها الأصلي الذي يواجه خطر التلاشي لأن الأجيال الصاعدة قليلة الارتباط بالإذاعات القديمة التي شكلت وجدان شريحة من المصريين. وأوضح رئيس الإذاعة المصرية الأسبق عبدالرحمن رشاد أن الراديو استطاع أن يحقق نجاحات مهمة لأنه امتلك مقومات نجاح متعددة ساعدته على تحقيق أهدافه، وهو أمر يختلف في الوقت الحالي وبحاجة إلى استعدادات مختلفة لتقديم أعمال ناجحة ومؤثرة، على رأسها الاستعانة بخريجي المعاهد الفنية ممن لديهم القدرة على التحدث باللغة العربية الفصحى، في ظل محدودية بعض الممثلين الذين يفتقرون إلى ذلك. وشدد في تصريح لـ”العرب” على “ضرورة تقديم أعمال تخاطب الجمهور العربي وليس المحلي فقط، وتمديد خيوط التعاون مع الدول التي ما زال الراديو يشكل فيها وسيلة اتصال مهمة كما هو الحال في كل من السعودية والجزائر والسودان، وأن الاعتماد فقط على الجمهور المحلي لن يأتي بنتائج إيجابية مع تقلص حضوره”. وطالب بدعم الأعمال المقدمة بمعلومات ووثائق تاريخية كي تمتزج بالحبكة الدرامية القادرة على دغدغة خيال المستمع، وهو ما يفرض القيام بتدريب المخرجين والمؤلفين أولاً قبل الشروع في تصوير الأعمال ذات الأبعاد التاريخية العميقة.

مشاركة :