تمكّنت عبير موسي زعيمة الحزب الدستوري الحر من فرض نفسها رقما صعبا في المعادلة السياسية التونسية، بعد معارضتها الشرسة لمنظومة الإسلام السياسي المزاحة مؤخرا، والتي كانت تقودها حركة النهضة لأكثر من عشر سنوات، ما فسح المجال أمام أسئلة المراقبين بشأن المستقبل السياسي للدستوري الحر وتموقعه الجديد في المشهد. تتصاعد وتيرة التساؤلات في تونس بشأن ملامح المستقبل السياسي للحزب الدستوري الحر (معارض) وزعيمته عبير موسي، بعد معارضتها لمنظومة الإسلام السياسي التي عجلت إجراءات الرئيس قيس سعيد بسقوطها منذ الخامس والعشرين من يوليو الماضي. وأعلن الحزب الدستوري الحر أنه سينطلق في جولة داخل المحافظات التونسية تحت شعار ”قافلة التنوير” بقيادة رئيسة الحزب موسي وثلة من أعضاء الديوان السياسي والقيادات الوطنية للتواصل مع الهياكل الجهوية والمحلية والقاعدية والمواطنين. وأشار الحزب في بلاغ صادر عنه نشره بصفحته الرسمية على موقع فيسبوك إلى أن الجولة ستتوج بتنظيم مسيرة وطنية الجمعة الخامس عشر من أكتوبر، بمناسبة إحياء الذكرى الثامنة والخمسين لعيد الجلاء. وطالب الدستوري الحر السلطة بـ”تأمين تحركات قيادة الحزب والمشاركين في التظاهرات وتجنب أي عرقلة مباشرة أو غير مباشرة لهذه التحركات السياسية المكفولة قانونا”. وأقرت أطراف سياسية بوجود الحزب الدستوري الحر كجسم سياسي في المشهد التونسي ساهم بقيادة زعيمته موسي في إزاحة المنظومة السابقة التي كانت تقودها حركة النهضة. وقال السياسي التونسي والنائب البرلماني حاتم المليكي “في تقديري قرارات الخامس والعشرين من يوليو أثبتت ضعف المنظومة الحزبية عموما، والدستوري الحر من بين الأحزاب التي واصلت المحافظة على مواقفها”. حاتم المليكي: الدستوري الحر هو واقع سياسي موجود وحزب يشتغل وأضاف في تصريح لـ“العرب” “أن الحجم الحقيقي لكل الأحزاب سيظهر في الانتخابات، ولكن الآن هناك غياب واضح لموعد محدد باستثناء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 2024”، موضحا “الدستوري الحر كتشكيلة سياسية هو واقع سياسي موجود وحزب يشتغل وله أطره”. وفسر المليكي تصدر الحزب لاستطلاعات الرأي بكونه “كان معارضا لمنظومة الإسلام السياسي ومن حركة النهضة، فضلا عن تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، حيث يعتقد الكثير بأن العهد السابق أفضل معيشيا”. واستطرد “إلى حد الآن الدستوري الحر موجود ميدانيا وسياسيا، ولكن الوضع العام السياسي في تونس متقلّب”. ويرى مراقبون أن الدستوري الحر اختار أن يكون في المعارضة، ضد خصومه من الإسلام السياسي (حركة النهضة وحلفاؤها)، وبعد سقوط تلك المنظومة، اتخذ من الرئيس سعيّد خصما سياسيا جديدا. وأفاد المحلل السياسي نبيل الرابحي أن “نشأة الحزب الدستوري الحر كانت على أساس معاداة الآخر، واتخذ من تيار الإسلام السياسي عدوّا، والآن بعد سقوط المنظومة التي كانت تقودها حركة النهضة، اختارت موسي أن يكون خصمها الرئيس سعيد”. وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “موسي حبّذت أن تكون في المعارضة (خصم سياسي) على أساس ملفات الفساد وجمعية اتحاد العلماء المسلمين وملفات التسفير، لكن سعيّد كان واضحا وقال إن كل هذه الملفات سيعالجها القضاء”. وتابع الرابحي “موسي ستحمّل الرئيس سعيّد البطء في فتح الملفات، أعتقد أنها لن تنجح في ذلك، وربما ستتدارك الأمر وتوضّح خطّها السياسي بالتحالفات”. وبخصوص تصدر الدستوري الحر لاستطلاعات الرأي في تونس، أشار الرابحي إلى أن “نتائجها ظرفية ونسبة الرضا غير مستقرة، بل تدل على آونة معينة، وموسي كونت شعبية بمعاداتها للإسلام السياسي، ومن المستحيل أن تضم صوتها للرئيس سعيد أو تتحالف معه”. وأظهر آخر استطلاع رأي حديث، تصدّر الحزب الدستوري الحر لنوايا التصويت لدى المواطنين في انتخابات البرلمان المقبلة. وبحسب ما نقلته وسائل إعلام محلية، فإن الاستطلاع الذي أجراه معهد “إمرود كنسلتينغ”، تصدر نوايا التصويت بنسبة ستة وثلاثين في المئة، أي أنه تقدم بثمانية في المئة مقارنة بشهر يوليو الماضي. نبيل الرابحي: نشأة الحزب كانت على أساس معاداة الإسلام السياسي وكشف الاستطلاع أن الحزب الذي تقوده موسي تقدم على حركة النهضة التي حصلت على ثلاثة وعشرين في المئة، بينما جاء حزب “قلب تونس” ثالثا بستة في المئة، وهي نفس النسبة التي حصل عليها ائتلاف الكرامة، المقرب من حركة النهضة، في استطلاع نوايا التصويت. وجرى استطلاع الرأي بين الثالث والخامس من سبتمبر، وشمل عينة من مواطني تونس. وأكدت النتائج استمرار تراجع شعبية حركة النهضة التي اتهمت بخدمة أجندات خارجية على حساب الأمن القومي لتونس ودول الجوار، وتعززت حظوظ الدستوري الحر الذي يبدي رفضا لمشروع حركة النهضة، في إطار التمسك بما يقول إنها “هوية راسخة” للدولة التونسية. وتمكنت موسي من تحقيق شعبية واسعة لدى التونسيين، في الوقت الذي تعمقت فيه الهوة بين الشارع والأحزاب الحاكمة في تونس، ومن ضمنها حركة النهضة. وكثيرا ما كانت تتطرق في مصافحة أنصارها إلى استعراض أهم المشاكل والأزمات، على غرار نسبة النمو الكارثية التي تعيشها تونس وقدرها 8.8 سلبي، ونسبة البطالة التي تجاوزت 18 في المئة، وتزايد مؤشرات إفلاس البلاد على يد من كانوا يعتلون السلطة ويتحكمون في صناعة القرار السياسي، بسبب سياساتهم التي تثبت الوقائع أنها إملاءات خارجية من دول وأنظمة إخوانية، فضلا عن رهن تونس لدى القوى الأجنبية وتفقير نسيج الإنتاج الوطني وتحطيم الثروة التونسية البشرية والمؤسسات، وهو ما تتبناه موسي. وسبق أن اتهمت موسي بانتهاج سياسة الاستعراض في التعامل مع الخصوم من خلال توظيف وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من الأساليب لعرقلة عمل البرلمان وترذيله. لكن زعيمة الحزب الدستوري الحر نفت ذلك مؤكدة أنها لم تقم بتعطيل سوى جلستين، الأولى تتعلق باتفاقيتين استعماريتين مع تركيا وقطر، والثانية تخص تعيين شخصيتين محسوبتين على اتحاد العلماء المسلمين، الذي يرأسه يوسف القرضاوي، على رأس المحكمة الدستورية بغية عزل الرئيس سعيّد. وهناك إجماع سياسي على أن ما ساهم في تعزيز شعبية موسي هو قيادتها لمشروع ليبرالي وتمسكها بمدنية الدولة أحد أهم مكاسب تونس منذ الاستقلال. ويرى مراقبون أن موسي ستنافس بقوة في الاستحقاقات المرتقبة، ليس فقط لجهة ما كشفت عنه استطلاعات الرأي المحلية الأخيرة التي يشكك البعض بها، بل وأيضا من خلال ما أظهرته من قدرة على الحشد في الشارع. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :