دعت قيادات من حركة النهضة الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) إلى تفعيل مبادرة الحوار الوطني التي كان قد تقدم بها منذ مدة مؤكدة أنها مستعدة لتقديم تنازلات، في خطوة يرى مراقبون أنها تعكس استشعار الحركة للخطر الذي قد يهدّد موقعها في المشهد لاسيما في ظل احتدام مواجهتها مع الرئيس قيس سعيد. تونس- تُثير التصريحات المتواترة من قيادات في حركة النهضة الإسلامية بشأن استعداد الحزب لتقديم تنازلات من أجل حلحلة الأزمة السياسية التي تعرفها تونس تساؤلات بشأن تلك التنازلات التي قد تقدمها من أجل تلافي العزلة السياسية؟ ودعا عبداللطيف المكي القيادي بحركة النهضة ووزير الصحة السابق الاتحاد العام التونسي للشغل، المركزية النقابية في البلاد، إلى تفعيل مبادرة الحوار الوطني، مبينا أنّ الوضع السياسي أثّر على الوضعين الاقتصادي والصحّي. وأوضح المكي في تصريح لإذاعة محلية الاثنين “أن الاضطراب السياسي في البلاد انطلق منذ بداية التجاذبات حول حكومة الفخفاخ مرورا بإقالة مجموعة من وزراء النهضة ومن بينهم هو وصولا إلى استقالة الفخفاخ بعد تقديم لائحة لوم ضد حكومته بالبرلمان”. وأكد أن النهضة مستعدة لتقديم التنازلات، مستدركا “لكن يجب أن يبدأ الحوار دون شروط وأن تقدم كل الأطراف تصوراتها للخروج من الأزمة”. وترزح تونس تحت وطأة أزمة سياسية حادة منذ أشهر بسبب تعديل وزاري في حكومة هشام المشيشي يرفضه الرئيس سعيّد، ويتشبث بتمريره الحزام السياسي للحكومة بقيادة النهضة. وأصبحت الحركة لا تفوّت أي مناسبة للتصعيد ضد خصومها وخصوصا ضد رئيس الجمهورية. وتطرح دعوات قيادات النهضة إلى التسوية بتقديم التنازلات للخروج من الأزمة، حقيقة مخاوف الحركة كحزب يتصدر المشهد منذ أكثر من عشر سنوات، من خسارة موقعه في صناعة القرار السياسي، فيسارع إلى تقديم التنازلات . ولئن يعتبر تقديم التنازلات خطوة هامة نحو التسوية السياسية، فإنها (الخطوة) تحمل في طياتها قلقا واضحا من أغلب قيادات الحركة حول مستقبل الحزب في المشهد السياسي التونسي. وفي استعراض المقترحات والتنازلات التي يمكن أن تتقدم بها الحركة لتجاوز الخلافات القائمة بين رؤوس السلطة، وفيما إذا كانت جادة في انتهاج هذا المسار والدفع نحو التسوية، نسجت قيادات نهضاوية على منوال المكي بالدعوة إلى الحوار. وأفاد محمد القوماني النائب عن الحركة في البرلمان بأن “للنهضة قناعة بأن اجتماع الفرقاء هو بداية للحلّ السياسي، والذهاب للحوار هو الطريق الوحيدة لحلحلة الأزمة المترنحة والمعقّدة”. وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “المهم الآن أن ندخل مسار الحوار الوطني في مستوياته الصحية والاجتماعية والاقتصادية والصحية، ولدينا الأفكار والاستعداد للتحاور”. وتابع “أفهم من كلام المكي أن التنازلات مطلوبة من الحركة كما هو الشأن لبقية الأطراف وخصومها من أجل المصلحة العامة، والنهضة سبق وأن دعت سعيد في بيان مجلس الشورى إلى أن يبذل جهدا مع المشيشي لحلّ مشكلة التحوير الوزاري، ودعت أيضا إلى توسيع الحزام السياسي للحكومة والاتفاق على برنامج وطني للإنقاذ”. وتعتبر شخصيات سياسية أن النهضة مازالت تناور خصومها وهي غير مستعدة لإجراء الحوار. وقال النائب حاتم المليكي في تصريح لـ”العرب”، “كل المواقف التي تصدر من القيادات توظفها النهضة حسب الأهداف وكثيرا ما تقول إنها غير صادرة عن مصدر رسمي لها (المكتب التنفيذي للحركة)”. وأضاف “الأسلم أن تخرج الحركة من منطق التنازلات، وإذا أرادت الحوار فعليها أن تقرّ بفشلها لمدة عشر سنوات، وتقرّ بأن النظام السياسي هجين ويشتّت القيادة، وإذا مازالت تريد المناورة وتستثمر في مواجهتها مع سعيّد ومعارضيها فلن تفلح في تجاوز الأزمة”. محمد القوماني: للنهضة قناعة بأن اجتماع الفرقاء هو بداية للحلّ السياسي ورأى المليكي أن “النهضة مازالت غير مستعدة للحوار، ولا توجد مؤشرات حقيقية لدخول الحوار”. وتُعول حركة النهضة الإسلامية في الظرف الراهن على حكومة المشيشي لتمرير أجنداتها خاصة في ظل خلافه مع الرئيس سعيد، لكن هذه الحكومة تواجه انتقادات متزايدة بسبب سوء إدارتها للعديد من الملفات الحساسة على غرار الجائحة الصحية والأزمة الاقتصادية الحادة. ويرى مراقبون أن الحركة التي تقود الحزام السياسي للحكومة مع قلب تونس وائتلاف الكرامة، يمكن أن تتخلى عن المشيشي كحلّ سياسي لكن الثابت لدى هؤلاء أن النهضة بصدد تصدير أزمتها الداخلية إلى المشهد العام. وأفاد المحلل السياسي نبيل الرابحي أن “النهضة عوّدتنا أنه كلما كانت لديها مشكلة داخلية تنقلها إلى المشهد العام، وآخرها أزمة مؤتمرها وخلافات قياداتها فأطاحت بإلياس الفخفاخ”. وأضاف في تصريح لـ“العرب”، “اليوم نفس الأزمة بصدد تصديرها ومجلس شورى الحركة لم يعلن عن موعد المؤتمر فصعّدت الخطاب مع رئاسة الجمهورية وراشد الغنوشي شخصيا يدعو إلى الحوار لكن هناك شق في النهضة يعارض”. وتابع “النهضة ليس لها خطاب متوازن، وتصعّد في كل بياناتها، وإلى حد الآن لم تستقر على موقف واضح، وعليها أن توضح موقفها لأن المكي لا يمثل حركة النهضة بل هو تابع لشقّ منها، على غرار رفيق عبدالسلام الذي يصعّد دائما ضد رئاسة الجمهورية”. تونس ترزح تحت وطأة أزمة سياسية حادة منذ أشهر بسبب تعديل وزاري في حكومة هشام المشيشي يرفضه الرئيس سعيّد وقال الرابحي “هناك عدّة تغيّرات إقليمية، والغنوشي سيزور قطر بعد التقارب السعودي السوري، فضلا عن التحولات الكبرى في ليبيا، ولم يبق للغنوشي إلا المحافظة على الكينونة السياسية للنهضة”، موضحا “أعتقد أن التصعيد مستبعد فالحوار وارد، والتضحية بحكومة المشيشي واردة أيضا”. وكان اتحاد الشغل التونسي قد عرض على الرئيس سعيد مبادرة تنص على إطلاق حوار وطني يضم كل الجهات الوطنية والسياسية لإيجاد حلول سياسية واقتصادية واجتماعية للوضع الراهن في البلاد. ومنذ الانتخابات التشريعية والرئاسية التي أجريت في العام 2019، يشهد المشهد السياسي التونسي تشرذما غير مسبوق أدخل البلاد في حالة تخبط واضطراب.
مشاركة :