أماطت العملية الإرهابية التي جدت الأحد بمحافظة سوسة بالساحل التونسي والتي أسفرت عن مقتل شرطي، اللثام عن وجود خلايا نائمة توجه تحركاتها وأهدافها حسب المستجدات الواقعة في البلاد وفي مقدمتها التجاذبات السياسية التي أفرزت مشهدا متوترا وضبابيا. تونس – يطرح كشف الحرس الوطني التونسي عن خلية إرهابية متمرسة في عمليات التسميم والطعن والتفخيخ وصنع المتفجرات عن بعد، أساليب نشاط الخلايا الإرهابية النائمة وكيفية استفادتها من الأزمات السياسية والصراعات الحزبية القائمة في البلاد، لتستمر بعملها بعيدا عن الأضواء، وتعيد ترتيب البيت بعد الضربات التي وجهت لها في السابق. وأكّد العميد حسام الدين الجبابلي المتحدث باسم الإدارة العامة للحرس الوطني في تصريح لإذاعة محلية، الاثنين أنّ إدارة مكافحة الإرهاب قامت بإيقاف عدد من الأشخاص والكشف عن خلايا متمرّسة في عمليات التسميم والطعن وتلقت دروسا في التفخيخ وصنع المتفجرات عن بعد. ويقدر عدد الخلايا الإرهابية في تونس بأكثر من 180 خلية منتشرة في كامل أنحاء البلاد. وتضم كل خلية ما بين 3 و7 أشخاص وتكونت بعد أن استقطبت شبابا ينحدرون من فئات اجتماعية هشة. وتتصدر تونس قائمة البلدان المصدرة للإرهابيين حيث يبلغ عدد التونسيين المقاتلين في صفوف تنظيم داعش ما بين 6 و7 آلاف شخص يتولى العشرات منهم مراكز قيادية. وتستغل الجماعات الإرهابية تداعيات الأزمات السياسية من صراعات ومناكفات حزبية لتواصل نشاطها بعيدا عن الأضواء وتعيد ترتيب الأوراق من جديد بعد الضربات التي وجهت لها في السابق. وأفاد مختار بن نصر الرئيس السابق للجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب “أن التركيز على الأزمة السياسية ومن ورائها هشاشة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، أهمل نوعا ما الحديث عن الجهود الأمنية وهو ما لمسناه حتى في تصريح رئيس الحكومة الجديد الذي تطرق إلى الجوانب الاجتماعية والاقتصادية في برنامج حكومته ولم يتحدث كثيرا عن المنظومة الأمنية ومقاربات مكافحة الإرهاب”. وأضاف بن نصر في تصريح لـ”العرب”، “أن التجاذبات السياسية ساهمت بشكل كبير في عودة العمليات الإرهابية، وبعد 48 ساعة فقط من تسلم المشيشي لمهامه على رأس الحكومة جاءت عملية سوسة الإرهابية”. مختار بن نصر: بعد 48 ساعة من عمل الحكومة جاءت عملية سوسة الإرهابية مختار بن نصر: بعد 48 ساعة من عمل الحكومة جاءت عملية سوسة الإرهابية وأشار مختار بن نصر إلى أن جائحة كورونا ساهت في سهولة تنقل العناصر الإرهابية الذين استغلوا ارتداء الكمامات وقاموا بعدة عمليات في الثلاثة أشهر الأخيرة. ويبدو أن هناك ارتباطا وثيقا بين تطورات المشهد السياسي واشتغال “ماكينة” الإرهاب، حيث أثبتت الوقائع أن جل العمليات الإرهابية تستغل حالة التوتر والشغور السياسي في السلطة. وتزامنت عملية سوسة مع الذكرى الـ64 لانبعاث سلك الحرس الوطني في استهداف إرهابي لمفهوم الدول المدنية. واعتبر المحلل السياسي سرحان الشيخاوي أنه منذ 2011 إلى الآن اقترنت أغلب العمليات الإرهابية بأحداث سياسية، وهو ما يدل على وجود علاقة عضوية بين المفهومين. وأضاف الشيخاوي في تصريح لـ”العرب”، “المجموعات الإرهابية تستغل المشهد الضبابي وتشتت القوات الأمنية في فترات الحملات الانتخابية، تشكيل الحكومات والجلسات البرلمانية، وهي تقوم بعمليات لتثبت وجودها بهدف ترهيب المدنيين وإرباك نسق الحياة”. وانتقد المحلل السياسي وجود بعض الشخصيات السياسية من محامين وغيرهم تحت قبة البرلمان يدافعون عن مرتكبي جرائم الإرهاب بما يمثل حاضنة سياسية له، وقال “يطالبون بحسن المعاملة واحترام حقوق الإنسان وهو ما يجعل لهذه المجموعات صدى اجتماعي يمجد الإرهاب خصوصا في وسائل التواصل الاجتماعي وشبكات الإنترنت”. ويرى مراقبون أن العمليات الإرهابية عموما تستهدف المسار الديمقراطي للبلاد لإرباك عمل الحكومة الجديدة منذ بداية عملها. وقال المحلل السياسي عبداللطيف الحناشي في تدوينة نشرها على صفحته بفيسبوك “إذا كانت العملية الارهابية بأكودة تستهدف ضرب التجربة الديمقراطية التونسية وإرباك الحكومة الجديدة مع اختيار التوقيت بدقة (الذكرى الـ64 لتأسيس الحرس الوطني) نكاية بإنجازات هذا الجهاز في التصدي للإرهابيين، فمن المفروض أن يكون وراء هذه العملية الإرهابية تنظيم محكم يفكر وينفّذ، وبالتأكيد أنه سيختار استهداف هدف محدد تنتج عنه خسائر بشرية كبرى وتكون له تداعيات كبرى(سياسية واقتصادية..) كما كان الحال في عملية باردو ونزل الإمبريال في سوسة وتفجير حافلة الأمن الرئاسي، وهي العمليات التي تبنتها تنظيمات معينة من التنظيمات الإرهابية، على عكس هذه العملية التي لم يتبنّاها أي تنظيم إرهابي لحد الآن (كما كان الأمر للعملية الإرهابية التي حدثت بداية هذه السنة بالقرب من الطريق المؤدية لسفارة الولايات المتحدة واستهدفت أعوان الأمن المتواجدين)”. واعتقد المحلل السياسي “أن العملية كانت فردية قامت بها مجموعة (محبطة، يائسة) تربطها علاقة قرابة مؤمنة بالفكر التكفيري التدميري… لا نعتقد أن وعيها وإدراكها السياسي يرتقي لفهم خصوصية الوضعية السياسية التي تمر بها البلاد وأنها على معرفة بتاريخ تأسيس الحرس الوطني… نعتقد أن تقلص النشاط الإرهابي التدميري هو نتيجة عدة عوامل في مقدمتها النجاحات الأمنية في تدمير بنية التنظيمات السلفية التكفيرية الإرهابية في تونس”. وتقترن العمليات الإرهابية التي تستهدف قوات الحرس أو الشرطة أو الجيش أو مدنيين، بتواريخ مهمة وذات رمزية على غرار عملية استشهاد محمد البراهمي التي جدت يوم 25 يوليو ذكرى إعلان الجمهورية. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :