هذه العبارة الساحرة لأحدهم تستحق التوقف أمامها.. وتستحق تفنيدها.. لأنها ترتبط بالرؤية وهي شمولية المعنى.. حيث تشمل رؤية العين.. ورؤية القلب.. ورؤية العقل.. ولكن الرؤية تبدأ بالعين.. حيث إنّ الإنسان يلتقط الصورة التي أمامه بعينيه.. برؤيتها بالتدقيق فيها.. بالتعامل معها كحقيقة.. لايمكن تغييرها أو الاستدلال عليها بشيء آخر.. وهذا هو نطاق الصورة وإطارها وتقنين محتواها.. ولايقصد هنا الصورة الثابتة بل ربما المتحركة.. أو المشهد بشكل عام.. ربما مشهد عاجل يعتمد على اللمحة وأحياناً مشهد طويل تعيشه متداخلا ًمع حقيقيته.. غير متوقف أو باحث عن كينونة ما يوجد في الداخل.. أو ما يمكن أن يكون في خلف الصورة أو ما يحمله الوجه الثاني لها..! ليس كل ماتراه حقيقيا.. لمن يتعامل مع الصورة كما هي.. أو بعادية النظرة.. والإحساس.. سيقول: ماذا هناك؟ ماذا خلف الصورة؟ كلنا يرى وربما يكون نظري أفضل منك وأقوى.. وبالتالي لاتجردني من قدرتي على الرؤية.. لأنه يعتبر مارآه هو الحقيقة.. ولاشيء غيرها.. خاصة عندما تكون الصورة معروضة بشكل مثالي.. وعندما يرى هو كما يعتقد من كل الزوايا.. فيقول إنه رأى المشهد من عدة زوايا وشاهد نفس الحقيقة.. وأحسّ بنفس الإحساس الذي لم يتغير رغم أنه عاد وشاهد عدة مرات..! ستقف بجانبه وسترى ما رآه.. ولكن السؤال الأهم.. هل هذه الصورة حقيقية؟ وهل ماتراه أيضاً حقيقي، أم أنّ هناك شيئاً آخر غير مرئي أو واضح ولن تستطيع أن تقرأه على الأقل الآن؟ في الحياة قد نستسلم لما نراه.. ربما لأننا لم نقرأ جيداً.. وربما لأننا اعتقدنا أنّ هذه القراءة هي الحقيقية.. وربما لم يكن لدينا خيارات لحظتها تمنحنا قراءة أفضل.. ولكن الأهم من ذلك ومن أجل ألا تحمل نفسك مسؤولية سوء القراءة.. قد يكون المشهد طاغياً وصعب التفنيد.. ولديه القدرة ليقنعك بما يريد أن تقتنع به.. وليس بما هو حقيقي وفعلي.. في الوقت الذي تقتنع فيه أنت بما صدّره إليك.. دون أي ميول أو مشاعر ارتيابية تسمح لك بأن تجنح بعيداً لتفكر بأنّ ما تراه ليس حقيقياً.. هل لأنك سُلبت من اي قدرة على التفكير الحر والنزيه الذي قد تصل من خلاله إلى ماهية الصورة وتفاصيلها..، أم لأنك ودون تفكير مقتنع بأنّ ماتراه هو الحقيقي والواقع..؟ ربما كل تلك الأسئلة والتي تحمل إجاباتها لك من حيث لاتعلم.. فما تراه في الواقع تراه أولاً مثله مثل أي صورة بعينيك.. كأن ترى سيارتك وتعرفها من لونها وماركتها.. وترى مكان عملك أو شارعك.. حيث هي صور لاتقبل التخيل أو التفكير في أنها تحمل معنى مختلفا وغير حقيقي لها.. لكن أغلب مواقف الحياة ينبغي أن تُقرأ بشكل مختلف وبصورة مختلفة.. وغير اعتيادية.. بعضها من أجل أن تفهمه.. ينبغي أن تعاود رؤيته مرة أخرى.. لتُحّسن قراءته وتصل إلى جزء من حقيقته.. وهذا يعتمد على التركيز والقراءة العادية المكثفة.. والبعض الآخر يحتاج إلى رؤيته من مبدأ أنّ الصورة غير حقيقية.. أو ليس كما يُروج لها.. وبالتالي هو يرى من منطلق ارتيابي وهو إحساس لابأس به حتى يثبت العكس.. ويرى ماينبغي أن يراه بطريقة مختلفة.. وقد تكون صعبة.. ومسارها طويل ومعقد.. ومع ذلك للبحث عنها ومع الحاجة للمخيلة إلا أنه لابد أن تكون مخيلة مقننة ولا ترمي ماتبحث عنه بعيداً وتسلمك للوهم..! البعض يسلّم بما يرى ولايعبأ بأن هناك حقيقة بعيدة المدى.. قد تكون مخطوفة.. وأحياناً حقيقة قريبة جداً منه وتختلف تماماً عما رآه.. لكنه لايحمل وقتاً من أجل البحث عنها أو حتى التفكير بأن الرؤية لاتعكس المضمون الفعلي للصورة.. والبعض يجهد نفسه للبحث عن الخبايا.. ولايصدق كل مايراه ويغرق في دائرة البحث والتجريد لكل شيء.. بحثاً عن الحقيقة.. وبحثاً عما يبحث عنه هو.. وقد يجده وقد لايجده مهما أضاع من وقت للبحث عنه.. والغريب في مفهوم الرؤية التي لاتعكس الحقيقة.. أن الباحثين عن الحقيقة قد يصلون إلى حقيقة متواضعة وصادمة.. وصامتة أحياناً ومختلفة عن ذلك النطق الذي باحت به الرؤية الأولى.. وما بين من ارتضى الرؤية واقتنع بحقيقة ما رآه من المرة الأولى، وبين من تحمل مسؤولية البحث لقناعته التامة بأن الحقيقة ليست ما رأى.. ستظل دائماً أسيراً للرؤية الصحيحة وغارقاً في البحث وازداوجية التسليم لما رأيت أو لما سترى بموضوعية أحياناً، وبلا مبالاة أحياناً أخرى..!
مشاركة :