ما تراه أنت لا أراه - نجوى هاشم

  • 2/9/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

كلما التقيتها مؤخراً سردت لي ما سبق وسمعته عشرات المرات.. وكلما استوقفتها تصرّ على أنني ينبغي أن أفند لها الصورة من كل الزوايا.. تلك الزوايا التي تكسرت وانحنت.. وتحولت إلى كل الأنواع.. تحاول أن تقنعني أن الأشياء تغيرت فجأة.. وأنها لم تكن كذلك أبداً.. ولا ينبغي أن أحمّلها ذلك الجزء الأهم من عدم الرؤية.. أو عدم قراءة الصورة بشكل جيد.. شهور طويلة ونحن نتحدث ونقرأ المشهد.. ونشرح ونحلل، وكلما وصلنا لمسار مشترك من الفهم نعود مرة أخرى إلى نقطة البداية، وللسؤال الثابت، لماذا لم أقرأ الصورة جيداً؟ ولماذا لانرى أحياناً من نفس الزاوية التي يرى منها الآخر؟ منذ سنوات قليلة سألتني قريبة لي في رأيي، وهي تحترمه، في عريس تقدم لابنتها وكان شاباً رائعاً ومحترماً ولي صلة بعائلته منذ طفولتنا وابنة قريبتي شابة مهذبة وتريد قبل أن تكمل العشرين أن يكون لها بيت منفصل وعائلة.. ولمعرفتي بظروف وتفاصيل كل عائلة وطريقة حياتها التي تختلف كلياً عن حياة العائلة الأخرى من حيث ارتباط الشاب بعائلته وتحركه من خلالها، ورغبة الفتاة في أن تستقل به بعيداً عنهم قلت لقريبتي: لا أعرف لكن من الصعب التوافق بينهما.. فقالت الفتاة: سوف أقدم كل التنازلات.. المطلوبة.. كنت أرى الصورة من زاويتي وكان الجميع سعداء بهذا الزواج.. ولم تمض ستة شهور حتى تطلقت وعادت إلى أسرتها وهي حامل بعد عدم التوافق وفشل العلاقة وعدم قدرة أي منهما على التنازل أو تغيير قناعاته.. عادت قريبتي لتقول لي: سبحان الله مقدر لها ذلك.. لو سمعنا كلامك كان ما صار اللي صار..! ليست المشكلة في استيعاب كلام الآخر ولكن في تقبله وقراءته وتحليله.. ولكن في معظم أمور الحياة المتعلقة بالقلب نحن نفقد الرؤية تماماً عندما نرى بقلوبنا، وبالتالي تكون الرؤية أحادية وغير قابلة للتعديل أو المناقشة.. ومن غير المنطق أننا نحمل مَن حولنا وأصدقاءنا بعد ذلك ضبابية ما رأينا.. كوننا لم نمنحهم الفرصة الكافية ليقولوا وأحياناً تجاهلنا ما قالوه..! هناك مثل شهير شعبي يقول "الحجر من الأرض والدم من رأسك.." بمعنى أنه عندما تنصح أحدهم بشيء وهو من طلب منك ذلك ومن ثم يفعل ما يراه هو بعد أن يهدر لك وقتك.. تقول له هذا المثل.. وهو في النهاية "حر" وعقله في رأسه وكما يقال "من يشيل قربة تخر فوق رأسه".. والمشكلة أنه عندما يغرق من الماء سيأتيك باحثاً عن وسائل التجفيف.. ليسترد وضعه الطبيعي، وأحياناً لمن اعتادوا على الغرق ليعاود مرة أخرى المحاولة.. لعلها هذه المرة تكون أفضل من سابقتها..! هل هناك شخص يتغير فجأة من وجه إلى وجه آخر؟ هل هناك من يكون على اليمين وينتقل فجأة إلى اليسار؟ هل الوجوه تتبدل وتسقط أقنعتها عندما نريد أن نراها كما هي عليه، أم أننا نحن من نجعلها ترتدي الأقنعة لنحتفظ بها؟ "لا أحد يتغير فجأة من حالة إلى أخرى.. كل ما في الأمر أننا في لحظة ما نغلق عين القلب، ونفتح عين العقل.. فنرى بعقولنا حقائق لم نكن نراها بقلوبنا" هذه الرؤية الجديدة لنا المعتادة من الآخرين ظهرت عندما قررنا أن نرى وأقصد بالرؤية هنا الرؤية المتعقلة.. التي ترى الأشياء كما هي عليه ولا تحملها ما ليس فيها.. ولا تجعل الصورة أجمل مما هي عليه.. فالمحب يرى حبيبه أجمل الناس بعينيه.. صديقة لي كانت تقول إن زوجها أجمل رجل في الكون وأحلاهم.. وهو في واقع الأمر شخص عادي جداً لا يلفت أي إنسان ولا تتوقف أمامه امرأة.. ولا تتمناه أنثى.. ليس به شيء.. شخص مثله ملايين.. يعبر ولا يلتفت إليه أحد.. وكانت تقول وهي عشرينية.. خذوا عيني وشوفوه بهما.. بعد سنوات أصبحت تراه كما هو عليه ويمكن أسوأ، وتتهم صديقاتها بمزح أنهن خدعنها، ولم يكنّ صادقات معها عندما تزوجت به.. لأنها كانت تراه بقلبها والآن عندما توقفت رؤية القلب.. وتيقظ العقل رأته بعقلها الواعي.. وهو في الواقع يقول لها إنه هو الشخص العادي وليس ما رسمته كصورة خيالية..! لا أحد ينجو من رؤية القلب.. في الحب وفي الصداقة وفي العمل عندما نقبل عليه، ولا أحد ينجو من التقييم الخاطىء للصورة؛ لأننا دوماً أسرى قلوبنا وفي النهاية تتردد نفس العبارة لقد خُدعت والصحيح أنك لم تُخدع ولم يضحك عليك أحدهم بل أنت من رأى وأنت من قرأ وأنت من قرر وأنت من اختلق صورة هلامية تحت تأثير مشاعرك وقلبك الذي قد يدفعك إلى الفراغ بعدها، ويترك في نفسك مرارة وألماً.. ولكن قد تتعلم من هذا الدرس لأنه من الصعب أن تعرف خلفية الصورة دون أن تقرأ وجهها.. وهذا لايعني أيضاً أنك قد تتوقف عن الرؤية بقلبك وتغمض أعين عقلك.. ولكن ستكون محطات قصيرة سرعان ما سوف تسترد منها رؤيتك الحقيقية والتي لاينبغي أن تدخلها في نطاق المادية البحتة أو العقلية الصرفة؛ لأننا بالعقل والقلب نعيش معاً.. ونرى ونتعامل بموضوعية وبدون قواعد متفق عليها في الغالب نحددها إما بفيض مشاعرنا وإما برؤية جافة أو عادلة.. ولكن لاينبغي أن تتجرد من روحها أو عدالتها أو موضوعيتها..!

مشاركة :