طالب الزميل د. أحمد الجميعة في مقاله هذا الأسبوع بإيجاد صناعة ترفيه محترفة من منظور اقتصادي مهم ورافد قوي لتعزيز التوجهات الاقتصادية الجديدة في المملكة. وقال في مقاله المعنون ب"صناعة الترفيه.. مطالب لا تحتمل التأجيل!" والمنشور الاثنين الماضي، إن "صناعة الترفيه ستأخذ عهداً جديداً في المملكة، حيث وضعها المجلس الاقتصادي من بين أهم الصناعات التي تساهم في تنويع مصادر الدخل وجذب السائحين، وتطوير المواقع السياحية التي تتميّز بها المملكة في أكثر من مكان". المطالب التي ذكرها د. الجميعة في مقاله المميز ليست مستحيلة التحقق، كما أنها ليست ترفاً، بل هي باعتقادي من أهم الاحتياجات التي يجب الإسراع في توفيرها وذلك لأن المجتمع السعودي لم يعد ذلك المجتمع البسيط الذي كان قبل ثلاثين وأربعين سنة، بل أصبح مجتمعاً مدنياً بكل ما للمدنية المتطورة والمركبة من معنى، لذا فإن حاجته باتت ملحة للمنافذ والفضاءات الثقافية والفنية والترفيهية التي تمكّن أفراده من التواصل والتفاعل وإطلاق مواهبهم وتنميتها.. فضاءات إنسانية تبث الحياة في جسد المدينة الإسمنتي. إن ما يعانيه بعض الشباب الآن من انغماس في إرهاب ومخدرات ما هو إلا نتيجة لغياب المكون الثقافي والترفيهي من المشهد الحياتي اليومي، وأصبح مدننا في مجملها جافة وباهتة في نظر شباب لم يجد ما يشغل به وقت فراغه. حتى المدرسة أصبحت مجرد وعاء لتلقين المعلومات التي لا يجد فيها الطالب متعة ولا لذة، حيث غابت كل وسائل الترفيه والمتعة البريئة التي تجعل من المدرسة -وهي خط الحماية الأول- مكاناً يحبه الطلاب ويرتبطون به لما يجدون فيه من نشاطات موازية للعملية التعليمية تصقل مواهبهم وتنمي ذائقتهم. لقد اختفى المسرح المدرسي واستبدل بحفلات التخرج التي لا نسمع فيها سوى أناشيد تحمّل الطلاب الصغار مسؤولية ما يجري في العالم الإسلامي!. إن غياب الفنون والثقافة عن الفضاء الاجتماعي زاد من عزلة الشباب وجعلهم أكثر ميلاً لتقبل الأفكار المنغلقة وللمخدرات وغيرها من الاتجاهات المدمرة. إن وجود الترفيه ضروري في المدن الحديثة لما تخلقه من مناخ مشبع بالحب والرقة والإنسانية يمنح السكان الهدوء والسكينة والوعي بالذات وبالمحيط، وبغياب الترفيه ستتحول المدن إلى مجرد أبنية إسمنتية جافة لا حياة فيها ولا روح. المملكة وما تحمله من تطور في كل الميادين الاقتصادية والعلمية بحاجة ملحة وعاجلة لإعادة النظر في المكون الثقافي والترفيهي فهو العلاج الوحيد الذي من الممكن أن ينجح في القضاء على محاولة اختراق عقول الشباب من قبل التنظيمات الإرهابية أو عصابات المخدرات. فلم تعد ثقافة المولات والمطاعم كافية لاحتواء رغبات الشباب وتطلعاتهم، رغم أن بعض هذه المولات تغلق أبوابها في وجوه الشباب المغلوب على أمره!. المملكة وهي بلد بحجم قارة ومعظم سكانها من الشباب تحتاج إلى مسارح ودور سينما ومدن ألعاب على مستوى عال من الجودة، وذلك انطلاقاً من حقيقة لابد أن نقرّ بها جميعاً وهي أن المواطن السعودي أصبح ضيفاً دائماً على عواصم العالم بحثاً عن ترفيه وفن وثقافة يجدها في المتاحف والأمسيات الموسيقية والمسرح والسينما. فلم لا نوفر هذه الأساسيات الحياتية داخل الوطن ونمنح شبابنا نوافذ أكثر للحياة تبعدهم عن آفتي الإرهاب والمخدرات وغيرهما من الآفات المهلكة.
مشاركة :