تشير الزيارات الأخيرة لثلاثة وزراء إسرائيليين للرئيس الفلسطيني، محمود عباس في مقره الرسمي بمدينة رام الله في الضفة الغربية المحتلة، إلى حرص الجانبين على تعزيز الاستقرار وتحسين العلاقات حتى وإن لم تكن محادثات السلام على الطاولة. ولا يتشارك أعضاء الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الجديد، الذي وصل إلى السلطة في يونيو / حزيران الماضي بزعامة اليميني المتشدد نفتالي بينيت ويضم يساريين وإسلاميين، أي موقف بشأن إنهاء النزاع مع الفلسطينيين المستمر منذ عقود. وبينيت هو الرئيس السابق لمجلس المستوطنات “يشع” ويعارض إنشاء دولة فلسطينية، لكنه يتبنى وتحالفه على ما يقول سياسة موحدة بشأن تحسين الظروف الاقتصادية للفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة. وقال مصدر مقرب من بينيت في أوائل سبتمبر / أيلول: “لا توجد عملية سلام جارية مع الفلسطينيين ولن تكون هناك أي عملية سلام”. ويدعم بينيت تحسين مستوى معيشة الفلسطينيين في الأراضي الخاضعة للاحتلال منذ 1967. التقى عباس، مساء الأحد، بكل من وزير الصحة الإسرائيلي نيتسان هوروفيتش ووزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي عيساوي فريج وعضو الكنيست ميخال روزين، بعد نحو شهر على استقباله وزير الدفاع بيني جانتس. وتأتي هذه الزيارات المتلاحقة بعد نحو عقد من تجميد العلاقات بين الجانبين، تجاهل خلالها عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو بعضهما البعض. وعن الزيارة الأخيرة، قالت الرئاسة الفلسطينية إن عباس أكد خلالها على أهمية إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق السلام العادل والشامل ووقف الاستيطان والاجتياحات. بينما جدد وزيرا حزب ميرتس الإسرائيلي دعم حل الدولتين من أجل انهاء النزاع وضرورة بناء الثقة بين الجانبين. وكتب هاروفيتش الذي تعرض لانتقادات شديدة من قبل اليمين الإسرائيلي بسبب اللقاء، على تويتر: “لدينا مهمة مشتركة.. الحفاظ على الأمل في سلام يستند الى حل الدولتين”، مرفقا تغريدته بصورة تجمعه مع عباس خلال اللقاء. وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن إمكانية عقد لقاءات بين عباس ومسؤولين إسرائيليين آخرين خلال الفترة المقبلة. يقول المحلل الإسرائيلي ومدير مركز موشيه ديان لأبحاث الشرق الأوسط في جامعة تل أبيب عوزي رابي، إن الرئيس محمود عباس يحاول الاستفادة من السياق الدبلوماسي”. ويتمثل ذلك السياق بحسب رأبي في 3 نقاط أولها إدارة جو بايدن التي تعتبر أكثر تعاطفا مع الفلسطينيين من نظيرتها السابقة المتهمة بالانحياز المطلق لإسرائيل. أما النقطة الثانية، فتتمثل في وجود أعضاء في التحالف الحكومي الإسرائيلي يسعون إلى حماية حل الدولتين. فيما تتمحور النقطة الثالثة حول تراجع شعبية الرئيس الفلسطيني الذي يصفه رابي بأنه “غير محبوب” فيما يقدم نفسه على أنه الرئيس والخيار الوحيد لمواجهة حركة حماس. ويشير استطلاع حديث للمركز الفلسطيني للبحوث السياسية واستطلاعات الرأي إلى أن نحو 80 في المئة من الفلسطينيين يريدون استقالة عباس، وهذا يعتبر “غير مسبوق” ويمكن أن يجعل حماس تتقدم على فتح ورئيسها في أي انتخابات مستقبلية. ويعتقد 19 في المئة فقط من المستطلعين أن حركة فتح التي يتزعمها عباس تستحق قيادة الشعب الفلسطيني، فيما يفضل 45 في المئة حركة حماس الحاكمة في قطاع غزة. لقاء عباس بجانتس وغيره من الوزراء الإسرائيليين لم يمنعه من انتقاد الدولة العبرية التي منحها في خطابه الأخير أمام الأمم المتحدة “عام” للانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويبدو مطلب عباس غير واقعي وإنما وسيلة للضغط على إسرائيل للعودة إلى طاولة المفاوضات خلال فترة رئاسته وإلا فإن “الفوضى” ستسيطر على المشهد السياسي وعلى النزاع بين الجانبين. ويعيش أكثر من 675 ألف مستوطن على أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين، ويعتبر الاستيطان غير قانوني بموجب القانون الدولي. وتقول المتحدثة السابقة باسم منظمة التحرير الفلسطينية والمحامية ديانا بطو: “الإسرائيليون يريدون سلطة فلسطينية ضعيفة لكن حاضرة”. وتضيف: “لا يريدون التحدث عن قضايا إنسانية لكنهم لا يريدون أيضا الذهاب أبعد من ذلك والاستماع إلى حديث عن الحقوق أو الحريات السياسية”. ويرى المحلل السياسي الفلسطيني خليل شاهين أن الرئيس عباس يعتقد أنه ومن خلال لقائه مع الأطراف الإسرائيلية … سيخلق قوة دافعة للضغط على بينيت” وتوليد “ديناميكية” مواتية لاستئناف محادثات السلام المتوقفة منذ العام 2014. ويؤكد شاهين أن هذه الاستراتيجية قد تكون “غير فعالة”، لأن الوزراء الإسرائيليين الذين التقى بهم عباس يهتمون “ببقاء” حكومتهم الائتلافية أكثر من اهتمامهم بمحادثات السلام.
مشاركة :