روائيو الإمارات: التنوع الثقافي أثرى المشهد الروائي

  • 10/7/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يحتاج التنوع الثقافي الذي تتميز به دولة الإمارات العربية المتحدة، إلى دراسات متعددة في العلوم والفنون والآداب، لتأصيل منافعه التي تجلت في المكانة التي أصبحت عليها الدولة، والسمعة المرتبطة بتلك المكانة، والمتمثلة في منظومة القيم الإنسانية الرفيعة كالتسامح والتعايش والسلام، الذي يعكس الأمن والاستقرار. لكن الأدب بصفة خاصة يستطيع بأجناسه المختلفة أن يعكس الكثير من الصورة التي أصبحت عليها الدولة، ولعل الرواية تحديداً لما تتضمنه من سمات سردية خاصة، ولما تحمله من حيز مكاني متسع باتساع ثقافة من يعيشون فيه، ورؤية زمانية متصاعدة بتصاعد أحداثها، بالإضافة إلى نسيجها المنسدل الذي يطرزه كل كاتب بحسب ثقافته، التي اكتسب معظمها من البيئة التي يعيش فيها، وبما أن البيئة متنوعة بثقافاتها، وبما أن البيئة الإماراتية يعيش على أرضها شخوص ينتمون إلى مايربو على مئتي جنسية، فتحت «الاتحاد» باب النقاش للمختصين في الشأن الروائي، ولأجل أن يكون الباب المفتوح للمناقشة مقنعاً، جعلنا النقاش مكتملاً بوجود جيلين، جيل عايش السرد الروائي في معية التنوع وقت نموه ويتمثل في الروائيين سعيد البادي وأسماء الزرعوني، وجيل ثان عايش التنوع وهو شجرة وارفة في معية السرد الروائي ويتمثل في الروائيتين فتحية النمر ومريم الغافلي. تأثير إيحابي في البداية أكد الروائي والإعلامي سعيد البادي أنه بالفعل يوجد تأثير إيجابي خلقه هذا التنوع الثقافي في الإمارات على المنتج الإبداعي المحلي بشكل عام والروائي بشكل خاص، ذلك أن المنتج الروائي يعكس الواقع في كثير من الأحيان، لذلك قد نجد ذلك التنوع العرقي والثقافي أوالديني في بعض الأعمال الإبداعية المحلية، ويعد ذلك كله انعكاساً للواقع المتمثل في نجاح الإمارات في التعامل مع كافة أشكال العولمة الثقافية، عبر منهج علمي، وبفكر واع مستنير، الأمر الذي وضعها في المرتبة الأولى عالمياً في مجال التعايش السلمي بين الجنسيات. وتابع حديثه قائلا: في روايتي «المدينة الملعونة» أوردت شيئاً من ذلك عن بدايات التنوع الثقافي في الدولة من خلال سردي لفترة زمنية تعود إلى أواخر ستينيات القرن الماضي، حينها كان هناك مستشفى «كند» المستشفى الوحيد الذي يساعد تلك القرى المتفرقة في الصحراء، وأضاف البادي: في تلك الفترة حدث ذلك الاتصال بالغرب، سواء كان من منظور ديني أو ثقافي أو عرقي، فلم يكن هناك ذلك العدد الكبير من الغرباء في تلك الفترة الزمنية، خصوصا في تلك الصحراء التي تحولت حالياً إلى مدينة خضراء، مشيراً إلى أن ذاك كان بداية لغرس روح التسامح التي تسود الآن في الدولة، وهو ما عبر عنه كتاب آخرون في محتواهم الإبداعي بشكل أو بآخر، ثم تكرر تأثير ذلك التنوع الثقافي في رواية «مدن ونساء» حيث يظهر رفيق إحدى الرحلات «هندي» بما يحمل ذلك من سمات تتحدث عنها الرواية، لترسخ التنوع العرقي المتناغم في الدولة، ثم إن ذلك الترحال الذي كتبت عنه يعتبر انعكاس لحالة الانفتاح الثقافي على الآخر نتيجة التنوع الثقافي في الدولة، وأكد البادي أن الدولة رسخت مبدأ التعايش والانفتاح على الآخر عبر مد جسور التواصل بين مختلف الثقافات، مشيرا إلى أننا لذلك نجد شخصيات مختلفة في الأعمال الروائية المحلية، ولعل أول رواية محلية وهي رواية «شاهنده» للمبدع عبدالله راشد النعيمي خير دليل، حيث مثلت بطلة الرواية وهي غريبة عن المنطقة ذلك البعد الثقافي، لافتا أن في أعمال الكُتاب الشباب نجد تلاقياً ثقافياً من خلال الشخصيات التي تمثل التنوع الثقافي واضحاً من خلال الشخصيات والأحداث التي يكون أبطالها من جنسيات مختلفة. تحولات جديدة أما الروائية أسماء الزرعوني، فقد أشارت إلى أنها كانت قبل خمسة عشر سنةً تقريبا صديقة د. فاطمة خليفة، التي كانت وقتها تعد لبحث ماجستير عن الرواية الإماراتية، مضيفة: وقتها على ما أذكر وجدت تقريبا مئة رواية، وإذا نظرنا الآن في الساحة الامارتيةً لوجدنا في اليوم الواحد صدور أكثر من عشر روايات، حيث إن الرواية أخذت مكانتها في الصدارة وتغلبت على الأجناس الأدبية الأخرى، كما ظهرت أسماء كثيرة وروايات أكثر تنوعت في أشكالها العاطفية والاجتماعية والسياسية والفلسفية والوطنية وغيرها. وأكدت الزرعوني أن الرواية تأثرت بكل التحولات الجديدة في الدولة، كما نعلم أن الكاتب ابن بئيته يتاثر بكل الأحداث التي تمر بها البلاد من تطورات، كما طرأت الحداثة أيضاً على الرواية حيث اتجه البعض إلى كتابة الرواية الفانتازية، والفانتازيا هي تناول الواقع الحياتي من رؤية غير مألوفة، ما يعني أن هنالك شكلا في عالم الرواية لايعرف بسهولة إن كان ينتمي إلى الواقع أم يرفضه، وفي نفس الوقت هو معالجة إبداعية خارجة عن المألوف للواقع المعاش، حيث تُعد الفانتازيا نوعاً أدبياً يعتمد على السحر وغيره من الأشياء الخارقة للطبيعة، كعنصر أساسي للحبكة (التي تُعد أنواعاً أدبية مُتفرعة من الخيال التأملي)، كل هذه الأشياء جعلت الروايات تتنوع في أشكالها، مع أننا إلى الآن نفتقد الرواية البوليسية وأدب الرحلات، وتابعت حديثها، قائلة: إلى الآن لم أقرأ سوى رواية بوليسية واحدة للراحل الإماراتي عبدالله الناوري، مضيفة: نحن نعيش الآن زمن الرواية والتي أصبحت مطلب الجميع، وفي المشهد الإماراتي أيضا نجد تجربة كتابة الرواية لبعض الشعراء. ابنة المجتمع وقالت الروائية فتحية النمر إنها كانت تسمع دائماً ما يقال عن الرواية من أنها ابنة المدينة، وتابعت: بيني وبين نفسي أفكر في العبارة كثيراً، وأقول إن تلك المقولة ليست دقيقة، لأن الرواية هي ابنة المجتمع أيا كان هذا المجتمع، وأينما وُجد، ولأنها تعبير عن الإنسان بأفكاره وعواطفه وأحلامه وطموحاته ومخاوفه وانكساراته وهمومه والأدب بشكل عام، والرواية تحديداً هي تعبير عن هذا الإنسان بكل هذه التنويعات والتشعبات، فلماذا ارتبطت الرواية بالمدينة؟، قائلة: عرفت الجواب الذي أقنعني ويتمثل في أن في المدينة التنوع وفي المدينة الغنى وفي المدينة الثراء وفي المدينة الاختلاف، أما في القرية فإن الناس كلهم ينتمون إلى هذه القرية تحديداً، وفي القرى الناس قلة والثقافات واحدة، والأفكار مكررة إلى درجة النسخ، لذا فإنه من الصعب أن يكتب الأديب رواية حيوية وثرية عن القرية، وإذا كتبها فإنه لن يكون أمام خيارات بل سيكون أمام المحدودية، مضيفة: صحيح أن في القرية أناساً مختلفين، هذا في الوقت الحاضر لأن الناس لم يعودوا ثابتين بل متحركين ومتنقلين، وقد خرجوا من القرية وذهبوا إلى أمكنة عديدة ثم عادوا إليها ومعهم الفكر الجديد بشكل عام، أما بالنسبة للمجتمع والأدب الإماراتي فإنه تغير جذرياً، فهو لم يعد مجتمعاً صغيراً يحوي بين جنبيه أهله فقط، بل هو مجتمع منفتح جاء إليه أناس من بلاد العالم كله واستقروا فيه، فصارت الإمارات عالماً كونياً، فكل الجنسيات موجودة عندنا وكل الثقافات جاءت إلينا، لقد تغير المجتمع الإماراتي اليوم كثيراً. وأضافت النمر: نحن ككتاب باعتبارنا مرآة عميقة للمشهد، ولأننا وجدنا لنعبر عنه، وليكون ما نكتبه انعكاس لما يعيشه الناس، فإننا استفدنا كثيرا من هذا التحول والحراك والتغير، وصارت الثيمات مختلفة عن ثيمات المؤسسين، حين كانوا يكتبون في زمنهم، اليوم أنا ككاتبة إماراتية مثلا أكتب في موضوعات لم يفكر فيها الأوائل، أكتب عن المرأة، هم أيضا كتبوا عنها لكن المرأة التي رسموها كانت تناسب ذلك الزمان البسيط من الطاعة والبساطة والقناعة والرضا والخجل والحياء المبالغ فيه، أنا أكتب عن المرأة في المجتمع المعقد والمتنوع، لذا فإنها ستكون المتمردة والمتحررة والقلقة والمؤرقة بأمور ربما اعتبرنها النساء السابقات من قبيل الممنوع والمحرم، حتى والتي تطالب بالمساواة التامة مع قرينها في أمور قد لا يعيرها البعض اهتماماً، كأن يكون لها حق الكامل في الاختيار والحق في الرفض والحق في النقاش والحق في الدفاع عن نفسها وتوجهاتها، وكلها من الموضوعات الجديدة التي راح الأدب الإماراتي والرواية الإماراتية يعكسانها. التنوع دافـع للكتابة أكدت الروائية مريم الغافلي أن دولة الإمارات هي المكان المثالي للأشخاص من مختلف المنابت والأصول، ليس من اليوم ولكن منذ القدم، هذا التمازج والتلاحم بين الجميع كان ملهماً لكثير من الأدباء. مضيفة: نجد هذا واضحاً في كثير من الأعمال الأدبية فمعظم رواياتي تناولت هذا الجانب، وقد انعكس هذا على تنوع المنتج الأدبي ما بين شعر ونثر ومسرح ورواية، وأشارت الغافلي إلى أن الكثير من الروايات كتب هنا، ومن كتاب عاشوا بيننا واستلهموا الأحداث من هذه الأرض، ولا يخلوا منتج أدبي من وجود شخصيات تنتمي لمناطق ومذاهب وديانات مختلفة تحتضنهم الأعمال الأدبية بكل سلاسة. هذا التنوع والزخم في الواقع كان دافعاً وملهماً للكتابة، مؤكدة أن الإمارات أرض السلام والوئام والأمن، والآخر مرحب به دائماً بين أهلها، ليتمازج معهم في أجوائها وعلى أرضها، كما هو العالم الروائي.

مشاركة :