يحشد بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني، أنصار حزبه المحافظ أمس، وسط تعهدات بإصلاحات واسعة لوقف اعتماد اقتصاد المملكة المتحدة على العمالة الأجنبية الرخيصة. وبينما يقلل من أهمية التهافت الحالي على محطات البترول لشراء الوقود ورفوف المحال التجارية الخاوية، وتحذيرات المتاجر من صعوبات مقبلة في عيد الميلاد، يشير زعيم المحافظين إلى أن المعاناة سـتنتهي في الأمد القريب. وقال في خطاب اختتم فيه مؤتمر المحافظين، وفق مقتطفات نشرها الحزب أمس، "نتعامل مع أكبر القضايا الكامنة في اقتصادنا ومجتمعنا، المشكلات، التي لم تملك أي حكومة سابقة الجرأة للتعامل معها". وأضاف أن السبب هو "أننا نبدأ الآن تغيير الاتجاه، الذي تأخر كثيرا في اقتصاد المملكة المتحدة"، متعهدا عدم العودة إلى نموذج ما قبل "بريكست" القائم على "الهجرة غير المضبوطة". وبدلا من ذلك، سيتعين على الأعمال التجارية البريطانية الاستثمار في موظفيها والتكنولوجيا لدفع البلاد "باتجاه اقتصاد قائم على الأجور المرتفعة والمهارة العالية والإنتاجية الكبيرة". لكن التحول سيستغرق وقتا، وفي الأثناء، وافقت الحكومة على مضض على منح عدد محدود من التأشيرات قصيرة الأمد لجذب سائقي الشاحنات والعاملين في قطاع الدواجن من شرق أوروبا. وتلقي الحكومة بالمسؤولية على وباء كوفيد في النقص الكبير في العمالة، الذي يؤثر في اقتصاد المملكة المتحدة، وليس على نهجها المتشدد فيما يتعلق بـ"بريكست". لكن أزمة الإمدادات تحمل خطر تقويض قضايا شدد عليها جونسون في خطابه، بما في ذلك الدفع قدما بالنمو الاقتصادي وبـ"بريطانيا العالمية" بعد انفصالها عن الاتحاد الأوروبي. كما يتوقع بأن يتطرق إلى تحرك بريطانيا في مجال التغير المناخي والحاجة إلى تعاون دولي، قبيل انطلاق مؤتمر الأطراف الـ26 (كوب 26) المرتقب في اسكتلندا بدءا من 31 تشرين الأول (أكتوبر). وركب جونسون دراجة كهربائية أثناء جولة أجراها في مقر المؤتمر الثلاثاء، فيما صعد على متن جرار كهربائي ولعب بأحجية هدفها تجميع القطع لبناء منزل خال من الكربون. لكن مؤتمر المحافظين تجاهل بالمجمل مسألة التغير المناخي. وقال ريشي سوناك، وزير المال، الإثنين: إن ترك عبء الديون، التي تسبب فيها الوباء للأجيال المقبلة سيكون أمرا "لا أخلاقيا"، لكن دون أن يأتي على ذكر ملف التغير المناخي. ولفتت مسؤولية السياسات لدى "جرينبيس" في المملكة المتحدة ريبيكا نيوسوم إلى أن تجاهل مسألة المناخ "مؤشر مؤذ" قبيل "كوب 26". وأكدت أن "تخصيص مزيد من النقود للبنى التحتية النظيفة الآن سيوفر تكاليف هائلة لاحقا ويوفر ملايين فرص العمل في أنحاء المملكة المتحدة". ولم تتطرق ليز تراس، وزيرة الخارجية كذلك إلى المناخ أثناء خطابها الأحد، بينما تعهدت بدعم النمو "الصديق بشكل أكبر للبيئة" و"البنى التحتية النظيفة" في الدول النامية. وفي المقابل، كان "بريكست" المحور المتكرر بالنسبة لحزب جونسون، الذي يشدد على أن المشكلات الحالية المرتبطة بالانفصال عن الاتحاد الأوروبي مؤقتة. وحذر ديفيد فروست، الوزير المكلف بملف "بريكست" من "الأفكار المعادية للنمو" و"التعاسة الدائمة"، التي تعكسها جماعات الضغط "المناهضة لوسائل النقل وللسيارات". من جهتها، استغلت بريتي باتيل، وزيرة الداخلية، خطابها خلال المؤتمر الثلاثاء للتعهد بتحرك أكثر تشددا حيال المتظاهرين الناشطين في مجال المناخ، الذين يغلقون شوارع في أنحاء لندن، ورأت أن المتظاهرين "يفتقدون لحس المسؤولية". ونفى ألوك شارما، رئيس "كوب 26" بأن يكون الحزب متساهلا فيما يتعلق بمسألة تغير المناخ، قبل أقل من شهر من موعد استقبال جلاسكو وفودا من مختلف أنحاء العالم للمشاركة في المؤتمر. وقال وزير الأعمال التجارية السابق أمام مجموعة صغيرة من الحضور على هامش المؤتمر الرئيس في مانشستر: "أحيانا لا يرى الناس أن المحافظين يقومون بدور ريادي في هذا المجال". لكنه شدد على أن "زملائي في الحكومة يدركون في الحقيقة سبب الأهمية البالغة، التي يجب أن تولى للتحرك بشكل صحيح في هذا الصدد". وأكد "أنه فرصة حقيقية لتوفير الوظائف والنمو والاستمتاع ببلد وكوكب أكثر صحة". وفي سياق متصل، لا يرى دين آرني سائق الشاحنات البريطاني بعد 40 عاما خلف المقود، أي مغريات قد تدفع بآخرين لامتهان وظيفته، مؤكدا أثناء توقفه بين لندن ونفق المانش أنها مهمة "لا تستحق العناء". ويشرح "انفصلت عن زوجتي، وهذا مرتبط بالوظيفة لسوء الحظ، وهو شائع"، كما يقول وهو جالس في شاحنته في آشفورد في كينت في جنوب شرق إنجلترا، وهي نقطة توقف لسائقي الشاحنات الثقيلة خلال تنقلهم من وإلى القارة. ووفقا لـ"الفرنسية"، يوضح: سألني ابني عن العمل سائقا وقلت له: "لا، الأمر لا يستحق العناء"، ويسرد ظروف عمل شاقة وحياة أسرية صعبة ومردود ضئيل لقاء الجهد. وأمام نقص حاد في عدد سائقي الشاحنات الثقيلة تسبب في نقص إمدادات الوقود ومخاوف من فقدان سلع في متاجر السوبرماركت خلال فترة أعياد الميلاد، عرضت الحكومة البريطانية تقديم الآلاف من التأشيرات المؤقتة لسائقي شاحنات أجانب. وفي قطاع يبلغ متوسط عمر السائقين نحو 58 عاما، لم يكن العرض الحكومي كافيا لجذب موظفين جدد رغم الحاجة الماسة إليهم. وقال ستيفن إيفانس، مسؤول شركة نقل مقرها ليفربول بشمال غرب إنجلترا، بعدما اضطر للجلوس خلف المقود لمساعدة صديق: إن خطط الحكومة "جيدة" للقطاع. وبينما تحسر على الظروف السيئة لمنشآت توقف الشاحنات البريطانية وتكرار سرقة البضائع المشحونة ليلا، عبر عن سروره إزاء كسب السائقين أجورا أعلى. وقال إيفانس "كنت أدفع للسائقين ألف جنيه (1200 يورو) أسبوعيا عادة، لكن مع العمل ساعات إضافية أصبحت 1400 جنيه (1650 يورو) أسبوعيا"، مضيفا أن الأجور يمكن أن ترتفع أكثر. غير أن آرني كان أقل تفاؤلا إزاء آفاق المستقبل، وقال: إنه كان في التسعينيات يكسب أكثر، مقارنة بما يكسبه حاليا، وانتقد أيضا المستوى المنخفض للتدابير الأمنية في محطات توقف الشاحنات البريطانية. وقال: "ندفع الرسوم وفي كثير من محطات توقف الشاحنات تصل هنا، وفي الصباح تجد الستارة ممزقة والبضاعة مسروقة والديزل مسروق، هذا يحصل في أوروبا لكنه هنا يطرح مشكلة". وبالنسبة للسائق ستيفن آبوت البالغ 35 عاما، فإن من أكثر ما يدفع للعمل في القارة هو الطعام. في المملكة المتحدة يتعين على السائقين أن يدفعوا بين سبعة وعشرة جنيهات لطبق عادي مثل المعكرونة والبطاطا المقلية أو شطيرة اللحم، كما قال. وأضاف "في فرنسا، نحصل على طبق مقبلات ثم الطبق الرئيس وحلوى لقاء 10 أو 11 يوروالفرق كبير". ولكونه أصغر سنا في هذا القطاع يختار آبوت القيام برحلات قصيرة تسمح له بالعودة إلى المنزل كل مساء، وأضاف آبوت أنه رفض عقدا بأجر أعلى لكن يتطلب منه تمضية معظم لياليه في الطريق. وقال "يمكنني أن أجني عشرة آلاف جنيه إضافية، لكنني لن أرى أطفالي وهم يكبرون". والزوجان الرومانيان ماريان وماريانا لوريدنا إيفانيسي، وكلاهما سائقان، يتناوبان كل أربع ساعات خلف مقود شاحنتهما على الطرق بين أوروبا وشمال إفريقيا. وخلال توقفهما في آشفورد بسبب مشكلة إدارية، قالا: إنهما لا يفكران في التقدم لطلب عمل في المملكة المتحدة، وأكد ماريان وهو ينتظر شطيرة بيتزا "إن ذلك يعني الانتقال إلى هنا ودفع بدل إيجار في بريطانيا". ويرى إيفانس أنه يتعين على المملكة المتحدة النظر في الأسباب الجوهرية لنقص أعداد السائقين، قيل لنا: إن السائقين الأجانب يأخذون وظائفنا، حسنا لا يوجد بريطانيون ليأخذوا تلك الوظائف".
مشاركة :