كثرت في الآونة الأخيرة قضايا ومشاكل هروب الخدم من كفلائهم في إمارة عجمان، وانتشرت قصص وحكايات عديدة وغريبة حول الخادمات وما يقمن به من تصرفات ومواقف تجاه الأطفال، خصوصاً في ظل غياب الوالدين. وسواء كانت تلك القصص حقيقية أو مبالغاً بها ومن نسج الخيال، إلا أنها لا تلغي فكرة وجود ظاهرة هروب الخادمات لسبب أو لآخر، حيث باتت من المشكلات والقضايا الكبيرة التي تؤرق وتقلق عدداً كبيراً من المواطنين والمقيمين، وألقت هذه القضية بظلالها على كل مناحي الحياة الاجتماعية، خصوصاً أنها أصبحت أكثر كلفة من الناحية المادية لمن يفكر أو يخطط لاستقدام خادمة للعمل في منزله وخدمة الأسرة، وهي بكل الأحوال تتطلب حلولاً جذرية سريعة. على الرغم من كثرة الشكاوى من قبل المواطنين والمقيمين بخصوص هروب الخادمات وما يترتب عليه من مشكلات وتعقيدات، وجهود الأجهزة الأمنية داخل الدولة في محاربة هذه القضية، ومما تسببه من قلق وهاجس وخوف على الكفلاء، إلا أن الخادمة غير مسؤولة أمام القضاء عن أي مساءلة قانونية، فالذي يتحمل المسؤولية الكاملة هو الكفيل، ولم يتوقف الأمر عند المساءلة القانونية، بل تعدى إلى دفع الغرامة التي وصلت حسب اللوائح والقوانين المنصوص عليها إلى 50 ألف درهم، إذا ضبطت تعمل لدى الغير قبل أن يبلغ عنها كفيلها. ومن أهم الأشياء التي باتت تؤرق وتتعب الأسر التي تريد أو تسعى لاستقدام خادمة، معاناة اختيارها من مكتب الاستقدام، حيث يقوم المكتب المسؤول عن استقدام الخادمات بعرض أكثر من سيرة ذاتية لهن، ومن ثم تختار العائلة التي تريدها عن طريق سيرتها، ناهيك عن مدة الاختبار التي لا تتجاوز شهرين حتى يتم تجريبها واختبارها تصلح أم لا. روايات وقصص متنوعة الخليج حاولت الوقوف على مشكلة وظاهرة هروب الخادمات، ومعرفة أهم أسبابها ونتائجها السلبية، وكيفية الحد منها. قال علي مراد، أحد المقيمين في الدولة منذ نهايات سبعينات القرن الماضي، إنه استقدم أكثر من خادمة طوال مدة وجوده في الإمارات، وشرح بعض تفاصيل هروب إحدى الخادمات من عنده، مشيراً إلى أن هذه الظاهرة أصبحت تتفشى وتنتشر من جديد، في حين لم يكن لها وجود قبل 10 أعوام، ولكن قد يكون أحد أسبابها مرتبطاً بالكثافة السكانية وكثرة الناس والازدحام وارتفاع الأجور وغيرها. وتابع قوله إنه استقدم خادمة قبل نحو 3 سنوات، وفق الأصول والقوانين المتبعة في الدولة، بدءاً باستكمال الاجراءات واستقدامها، وبعد شهرين من الاختبار وعمل الإقامة لها، أصبحت في البداية تخرج من البيت أثناء تواجده هو وعائلته في العمل من الصباح إلى المساء، وكثيراً ما فوجئ وأسرته بأن البيت غير نظيف، وما إن يسألها حتى تسارع إلى الإجابة بأنها كانت في نوم عميق، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث أصبحت تتأخر عن البيت، وفي أكثر الأحيان لا تكون موجودة عند عودتهم من العمل، بحجة أن لها أقارب وهي بحاجة إلى زيارتهم. وأضاف: هربت قبل أن تكمل سنة واحدة، فما كان أمامه إلا إبلاغ الشرطة بالواقعة كي يكون خاليا من المسؤولية تجاهها. ويكمل كلامه بقوله إن أصحاب مكاتب استقدام الخدم هم من أهم الأسباب التي قد تكون وراء هروب الخادمات، خصوصاً أنهم يتقنون فن الاحتيال على العائلات بعد استقدام الخادمات، ويكونون سبباً لهروبهن، كما أن الأمر لا يخلو من اتفاقات معهن بالعمل عند العائلات مقابل أجر بنظام الساعات، حيث إن معظم الخادمات اللواتي يعملن بنظام الساعات يتقاضين أجراً يقدر بنحو 50 درهماً مقابل كل ساعتي عمل، لافتاً إلى أنه لا يوجد أي قانون يكفل للعائلة حقها إذا هربت من عندها الخادمات. ومن جانبها، قالت علياء محمد، مدرسة وربة منزل، إن موضوع هروب الخادمات له علاقة ما بطبيعة وشكل تجمعاتهن عند خروجهن من المنزل لرمي القمامة، وتحريضهن لبعضهن البعض، ومعرفتهن قبل مجيئهن إلى الكفيل أو العائلة، حيث تأتي الخادمة لا تتقن اللغة العربية أو الإنجليزية، ولا تعرف أي شيء عن البلد التي جاءت إليه، وكل هدفها يكمن في جمع المال والكسب، بحجة إنها أرملة، أو أن لها عائلة تصرف عليها في بلدها، وعند وصولها إلى الدولة، تقدم نفسها للعائلة بأنها من أفضل الناس وأحسنهم، وذلك حتى تكمل إجراءات الحصول على الإقامة وفترة التجربة، وبعدها تبدأ برحلة جديدة عنوانها الأساسي البحث عن عمل جديد آخر، طريق الأشخاص الذين تعرفهم قبل مجيئها، أو عن طريق نفس المكتب، كونها أصبحت تعرف أن هناك أماكن أخرى سيقبل أصحاب العمل أن تعمل عندهم حتى وإن لم تكن على كفالتهم. وتتابع علياء قولها: في نهاية المطاف بعد ضبط وإحضار الخادمة الهاربة من قبل المسؤولين أو المكتب، يقوم الكفيل بدفع تذكرتها ونهاية خدمتها لتسفيرها. مطالبة بوضع قوانين مشددة تردع الخادمات من الهروب، وتلزم المكتب بدفع تكاليف استقدامها، وتسيرها أو أي تكاليف أخرى في حال هروبها، والبحث عن حلو جذرية لهذه الظاهرة. في المقابل ترى المواطنة سلامة منصور، ربة منزل، أن أحد أسباب هروب الخادمات، يتعلق بسوء معاملة بعض الأسر لها، مثل شتمها أو ضربها، فلا يبقى للخادمة إلا الهروب، كون العائلة تهين كرامتها، وغير ذلك، هناك بعض العائلات تعطي ثقة للخادمة أكبر من حجمها، وتدعها تتصرف كما تشاء، الأمر الذي يدفعها إلى أن تتعامل مع أشخاص غرباء من خارج المنزل، وبالتالي من المتوقع أن يدفعوها أو يحرضوها على الهروب، والعمل عند أناس آخرين مقابل أجر أعلى وأكثر. وتابعت: هناك مشهد ثالث، حيث إن بعض الأسر تحرص على معاملة الخادمات بشكل إنساني واضح ولافت، إلا أن الخادمات يتحججن أحياناً بالمعاملة السيئة لتبرير هروبهن للعمل بنظام الساعات الأكثر فائدة لهن. أمر صعب ومرهق وبدوره، قال مالك النجار موظف، إن معاناة الأسر التي يهرب من عندها الخدم، تكمن في تحمل مصاريف الهروب وتذاكر سفرها، ورسوم إخلاء المسؤولية التي تدفعها للتعميم بهروبها، بالإضافة إلى الغرامة المالية إذا تم ضبطها قبل الإبلاغ عن هروبها، موضحاً أنه استقدم خادمة قبل أقل من شهرين، حيث تتفاوت أسعار استقدام الخادمة من جنسية لأخرى، وأقل سعر حصل عليه 8 آلاف درهم، بالإضافة إلى تكاليف الإقامة والفحص الطبي وغيره. ولفت إلى أن من أهم الشروط التي وقع عليها قبل استقدامها، تحمل تذاكر السفر في حال مخالفتها، ومدة التجربة شهرين لاستبدالها إذا لم تعجبه، أو لم تكن مناسبة، مؤكداً أن موضوع البحث عن خادمة أصبح أمراً صعباً ومرهقاً، لما واجهه من صعوبات في البحث، وتعب نفسي في التفكير في جنسية من يريد أن يستقدمها. بدوره، أشار المحامي يوسف حماد، إلى أن هروب الخادمة في جانب منه يرتبط بمن اشترك أو شارك في أسباب هروبها، حيث إن الخادمة يخيل لها أنها ستأخذ راحتها عند مجيئها وكأنها في بيتها، وعند وصولها وعملها عند الأسرة تتفاجأ بالحالة التي جاءت عليها، كما أن من بين الأسباب الأخرى لهروبها الترتيب المسبق مع أحد أقاربها. وأكد أن القانون الإماراتي الحالي الموجود لا يضع أي مسؤولية قانونية على الخادمة، وإنما تقع المسؤولية على كفيلها، إلا إذا تم ضبطها تعمل عند أحد غير كفيلها، مضيفاً أن هناك صعوبة لدى الأجهزة الأمنية في معرفة مكان هروب الخادمة. وأضاف حماد هناك جانب يجب عدم تجنبه وهو الجانب الإنساني والمعاملة الحسنة للخادمة، حيث إن معظم قضايا المحاكم التي تخص هروب الخدم المعاملة السيئة التي لا تليق بالخادمة من قبل الأسرة ولا تستطيع أن تتحملها مما يدفعها إلى الهرب، لافتاً إلى أن السفارات يجب أن تتحمل جزءاً من المسؤولية وتوعية الخادمات بمهامهن وواجباتهن، وغيرها من أغراض التوعية. توعية وإرشاد من جانبه قال العميد محمد عبد الله علوان، مدير الإقامة وشؤون الأجانب في عجمان، إن نسبة كبيرة من مكاتب استقدام الخدم قد تكون متعاونة مع الخادمات الهاربات، لافتاً إلى أن الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب عملت على توعية المكاتب بالمخاطر والغرامات المترتبة عليها إذا تم اكتشاف ذلك، بالإضافة إلى أن الإدارة العامة للإقامة قامت بالعديد من حملات التوعية التي تهدف إلى توعية أصحاب المكاتب بأهمية الالتزام باللوائح والقوانين لتجنب أي مساءلة قانونية. وناشد علوان جميع الأهالي والعائلات في أي مكان، عدم التعامل والاتفاق مع الخادمات الهاربات والمخالفات والتأكد من إقامتهن قبل بدء العمل، والإبلاغ عن أي حالة مخالفة، فهناك نسبة كبيرة من الخادمات قد تكون إقامتهن منتهية، الأمر الذي قد يزيد من خطورتهن على المجتمع، بالإضافة إلى أنه يتطلب من الجميع مواجهة الظاهرة من خلال عدم التعاون مع أي خادمة هاربة لا تعمل عند كفيلها، وعدم السماح لها بالعمل بنظام الساعات، إلا إذا كان لديها ترخيص معتمد يسمح بذلك. وأكد أن الإقامة وشؤون الأجانب نقلت موضوع ضبط المخالفين إلى الشرطة منذ بداية عام 2014، حيث يتم تنظيم حملات مكثفة لضبط المخالفين لأنظمة الإقامة في الدولة والعمالة الهاربة من كفلائها، وتهدف الحملة الأمنية إلى الحد من انتشار العمالة السائبة وضبط المخالفين الذين يشكلون خطراً على أمن وسلامة المجتمع، بالإضافة إلى أن هناك فرق عمل تقوم بالبحث والتحري لمعرفة أماكن تواجد العمالة الهاربة في المناطق السكنية والصناعية والتجارية. صدمات الكفلاء والمكفولين هي المشكلة قال الدكتور فلاح خطاب، استشاري ورئيس العيادة النفسية في مستشفى الشيخ خليفة بن زايد بعجمان، إن ظاهرة هروب الخدم ترجع لعدة أسباب، منها سقف التوقعات الذي تضعه بعض الخادمات، وعند وصولها للواقع يصيبها نوع من الصدمة، فتلجأ للهروب بحثاً عن دخل أكبر، وحرية أفضل، بعيداً عن ضغط العمل في المنزل، كما أن بعض ربات المنازل يضع سقف توقعات آخر بأن الخادمة التي ستعمل لديها، ستكون على دراية بجميع الأمور، وسيكون أسلوب التواصل معها سهلاً، ولكن تصيبها حالة من الصدمة أيضاً عندما تكتشف أن الخادمة لا تعرف شيئاً، ولا يمكنها التواصل معها لأنها لا تتقن اللغة التي تتحدث بها. وأضاف: تلجأ بعض ربات المنازل للضرب أو السب والشتم، من أجل تعويض نقص ما في شخصيتهن، فمثلاً تجد أن الخادمة أجمل منها، فيدفعها ذلك إلى إيذائها. وقال إن الموضوع يعتمد على طبيعة كل شخص، وثقافته وتعليمه، والأسلوب الذي تربى عليه، فهناك من تعرض في طفولته إلى الضرب، والتعامل معه بشكل مسيء، ما يجعله يتوحد مع الشخصية العدوانية التي اعتدت عليه في صغره ويقوم بإيذاء الآخرين. وأوضح أن الضرر الأكبر من هذه الظاهرة يقع على المجتمع، فوجود أشخاص بطريقة غير قانونية في المجتمع يدفعهم إلى عمل كل شيء غير مشروع، سواء سرقة أو احتيال أو بعض الأمور المخلة بالآداب. وأشار إلى أنه يمكن تجنب هذه الظاهرة من خلال إعداد دورات يتم من خلالها تقييم الحالة النفسية للخادمة قبل أن تعمل في منزل الأسرة، وهذه الدورات ستساعد على معرفة الاضطرابات النفسية التي تعاني منها، إضافة إلى تعليمها بعض الأساسيات التي تساعدها في التواصل مع الأسرة التي ستعيش معها.
مشاركة :