للمرة الثالثة على التوالي تفوز مصر بجائزة الشعر المسرحي التي تقدمها جائزة الأمير عبدالله الفيصل للشعر العربي، وتنظمها أكاديمية الشعر العربي التابعة لجامعة الطائف السعودية، ويرأس مجلس إدارتها الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة ومستشار خادم الحرمين الشريفين. فازت في الدورة الأولى مسرحية "الشيخ الرئيس ابن سينا" للشاعر الدكتور فوزي خضر، وفي الدورة الثانية فازت مسرحية "البيدق الأخير" للشاعر الدكتور سيد محمد عبدالرازق. ومنذ أيام قليلة أُعلنت نتائج الدورة الثالثة وفازت مسرحية "على خطى ليلى الأخيلية" للشاعرة جيهان بركات التي ترى أن الشعر المسرحي حظيَ منذ نشأته بنصيب مصري وافر، منذ أحمد شوقي وعزيز أباظة، ومرورًا بصلاح عبدالصبور وعبدالرحمن الشرقاوي، وصولًا الى أحمد سويلم وفاروق جويدة وغيرهم. والمتابع لحركة الشعر المصري يجد تجاربَ عديدةً لشباب استطاعوا أن يثبتوا وجودهم الشعري غنائيًّا، فلا أستبعد أن تكون مع هذه التجارب الغنائية تجارب مسرحية جادة، لكنها لم تجد طريقًا لها بسبب حال المسرح التي لا تخفى على أحد. قلتُ لها: شعراء كثيرون كتبوا عن شخصيات شعرية وتراثية في أعمالهم المسرحية، فأحمد شوقي كتب عن قيس وليلى في مسرحيته "مجنون ليلى، وعبدالرحمن الشرقاوي يكتب عن الحسين (ثائرا وشهيدا) وصلاح عبدالصبور كتب عن الحلاج في "مأساة الحلاج"، وعزيز أباظة يكتب عن "العباسة" وأحمد سويلم يكتب عن "اخناتون" وفاروق جويدة يكتب عن الوزير العاشق ابن زيدون، وفوزي خضر يكتب عن ابن سينا وعن داود الأنطاكي، وهناك من كتب عن الخنساء، وهكذا، وأنتِ تكتبين عن "ليلى الأخيلية"، فما الذي جذبك في تلك الشاعرة القديمة التي توفيت عام 80 هـ (حوالي 700 م) وتعد واحدة من أهم شاعرات العرب في القرن الأول الهجري، بعد الخنساء؟ قالت: منذ وقت طويل، زامَن تعرُّفي على "ليلى الأخيلية" وأنا تراودني فكرة الكتابة عنها في شكل مسرحي شعري، فقد بهرتني قوة شخصيتها، واعتزازها بحبها الذي حُرمتْ منه بسبب الأعراف الاجتماعية وقتها، لكنها مع ذلك لم تفرط في حقوق زوج فُرض عليها، واستطاعت أن تكون زوجة له وأمًّا لأبنائه دون أن تنسى حبيبًا أحبته حبًّا عذريًّا لا تشوبه شائبة، ولم تخن فيه نفسها. لكن الشواغل شغلتني، إلى أن أراد الله وحان وقتها، والحقيقة أني بدأت في نسج أولى خيوطها وأنا أدرس في مرحلة الليسانس بـ"دار العلوم"، وعندها أطْلعتُ أستاذي الدكتور حامد الشيمي على ما كتبت أثنى عليه". وأضافت "إنه قال – حرفيًّا -: "يتجلى لي أنكِ قرأتِ مسرح شوقي وأخذ بمجامع نفسكِ وهذا شيء جميل حقًّا، حتى إنني أحسُّ أن شوقي بكل ما أوتي من شاعرية وعطاء إبداعي هو من يحدثني، ولو أنني أخذتُ نصَّكِ هذا وقلتُ: "لقد عثر حامد الشيمي على نص مسرحي تاسع لـشوقي لم يكن معلومًا للناس، ثم نشرته بين الناس فلن يلاحظ كثيرون فرقا ما بين الإبداعين (طبعا هذا بعد أن أرشوكِ بقرشين) وضحكنا". وتردف "ثم نصحني ببعض النقاط لأراعيها أثناء الكتابة، كي لا تكون مسرحيتي طبعة جديدة من إحدى مسرحيات شوقي، مع تأكيده على علمه بأنني لم أرسل له سوى افتتاحية المسرحية". وأضافت جيهان بركات: بالفعل فقد كان هذا الجزء من زمن الأخيلية وكان مكتوبًا بالشعر البيتي، لكن المسرحية لها أبعاد أخرى عصرية، انتهجتُ فيها الشعر التفعيلي، فهي لم تقتصر على العصر الأُموي بأجوائه، ولكنها تفاعلت مع عصرنا الحالي، ونقلت بعض صوره ومنها – مثلًا - سطوة "الإنترنت" على حياتنا، مع إضافة بعض الأفكار والأبعاد الترميزية، وإبداء النقد لواقعنا المُعاش. فقد أخذتُ من حياة ليلى الأخيلية - الشاعرة الحجازية - ميدانًا للتعبير من خلاله عن واقع معاصر، وذلك بالربط بين قصتَي حياة ليلى الأخيلية وليلى أخرى معاصرة". وتابعت حديثها "أظن – وليس كلّ الظن إثمًا - أنني من خلال هذه المسرحية قد خرجتُ بإبداع يقع وسطًا بين التغنِّي بالتراث والتغنِّي بالواقع عبر التراث. وأكدت الشاعرة جيهان بركات أن رأي الدكتور حامد الشيمي كان داعمًا لها، لكنها شُغلت بالدراسة، إلى أن انتقلتْ لمرحلة تمهيدي الماجستير، وكانت عاودت الكتابة. وقالت: أخذتُ رأي - أستاذي حينها، وزوجي اليوم - الأستاذ الدكتور مختار عطية - فكان رأيه دافعًا للمواصلة، حتى إنه كان يسألني عنها باستمرار، إن كنت قد أتممتها أم لا، فعرَفت أن بها شيئًا يستحق الكتابة، لذلك حين أنهيتها قررت ألا أنشرها نشرًا عاديًّا، فأنا أريد لأول أعمالي في مجال المسرح الشعري أن يقيَّم ويحكَّم، حتى أعرف جيدًا موضع قدميّ. وها قد عرَفت! فلله الحمد على منحِهِ الفكرةَ والعمل عليها، وله الحمد على توفيقها هذا التوفيق المبهر! وعن الصعوبات التي قابلتها وهي تكتب مسرحيتها قالت جيهان بركات: هذه هي المرة الأولى التي أكتب فيها المسرح الشعري، نعم، وقد تسرقني الفرحة بفوز المرة الأولى فأنتشي، لكن دون أن ينسيني ذاك الانتشاء فترات البحث والقراءة التي سبقت هذه المرة الأولى، سواء في إبداعات المسرح الشعري لشعراء كبار سبقوني إليه، أو في الدراسات التي دارت حوله، إلى جانب البحث في مادة الشخصية التراثية التي تعاملت معها في النص، وكيفية تطويعها لتنتج ما يمكن أن يقدم جديدًا في الواقع المعاصر. لكن ذلك كله لم يكن ليحدث لولا توفيق الله وإلهامه، فله الحمد! سألتها: لماذا لم يستمر الشعراء العرب في مشوارهم في الشعر المسرحي، ويكتفون بأعمال قليلة، هل لأن المسرحية الشعرية صناعة ثقيلة؟ قالت: بالطبع هي صناعة ثقيلة، وتستطيع - وأنت الشاعر الكبير والروائي كذلك - أن تدرك الفرق بين كتابة عمل مسرحي متشعب الأفكار والمحاور والشخصيات، وبين قصيدة تكتب فيها ما يخطر على قلبك من شعور ذاتي لا يشاركك فيه أحد. قد يكون هذا سببًا بالفعل، لكني أظن أن السبب الأهم هو الإحباط الذي قد يواجه الشاعر حين لا يجد جدوى من كل هذا الجَهد المُهرَق على الورق، فهي في النهاية لا تجد طريقًا لخشبة المسرح، وأين مسرحنا الآن ليتلقف الأعمال الشعرية ويقدمها للمتلقي؟! جيهان بركات تتمنى بالطبع أن تأخذ مسرحيتها طريقها نحو خشبة المسرح ليشاهدها الجمهور منفذةً بإخراج وديكور وممثلين .. الخ. وقالت: أتمنى هذا، وقد فرحت للغاية حين علمت أنه من فاعليات التكريم في أكاديمية الشعر بجامعة "الطائف" أن يؤخذ مقطعٌ من المسرحية ويمثَّل على خشبة المسرح. وأضافت: الحقيقة أنا أرجو أن يزدهر المسرح بشكل عام، ليأخذ مكانته التي يستحقها في واقعنا الثقافي. سألتُها: كيف تقدمتِ للمشاركة في المسابقة التي تجريها أكاديمية الشعر العربي بجامعة الطائف السعودية تحت مسمى جائزة الأمير عبدالله الفيصل في الشعر العربي، وهل كنتِ تتوقعين الفوز؟ فقالت: منذ كتابتها وأنا أفكر في التقدم بها لإحدى المسابقات، لكنني – كعادتي - تكاسلتُ كثيرًا، إلى أن جاء يومٌ فكرتُ فيه بشكل جديّ وعقدتُ العزم على إرسالها، والجميل أنه بعد مراودة هذه الفكرة بسويعات، جاءني خبر فوز صديقتي المقربة الشاعرة رشا زقيزق بجائزة "الشارقة" لأدب الطفل، وهو الفرع الذي لم تكتب فيه من قبل! فأخذتُ البُشرَى من هذا الخبر، وعددتُه وميضَ أملٍ في فوز مشابهٍ لمجال جديد عليّ أكتب فيه – كذلك - للمرة الأولى". واضافت "بالفعل خلال أيام أعددتُ كل ما هو مطلوب للمشاركة وتوكلتُ على الله وتقدمت بها، وكلِّي يقين في أن الله سيسوق لها الخير إن كانت تستحق، مع ثقة لمستُها في تحكيم الجائزة من موسمَيها السابقين. وحين علمت أن عدد المسرحيات الشعرية المشاركة كان خمسين مسرحية، ولشعراء لهم أسماؤهم في الشعر الغنائي والمسرحي على السواء، زادت سعادتي وثقتي في قدرة النصّ على المنافسة، فلله الحمد على مَنحِه بَدءًا، وتوفيقه انتهاءً! أما عن توقع الفوز، فالحقيقة أني لم أشعر بأني أرسل نصَّ المسرحية للجائزة، بل كان شعوري أني أسلمه لله! تركته بين يدي الله، وسلمتُ إليه – تعالى - أيَّ تعلُّقٍ قلبيٍّ بالفوز، فكنت أدعو الله بالتوفيق بالطبع، لكن مع تمام الرضا بمشيئته – سبحانه، خاصة حين سألني شاعر أقدِّره عن كيفية التسجيل والمشاركة، وقتها أصبح لدعائي صيغة مختلفة – وقد تكون غريبة - دعاء مفتوح بأن يقدِّر الله ما يشاء، لأنه – حتمًا - سيكون الأخْيَر. لم تتقدم جيهان بركات من قبل للمشاركة في جائزة الأمير عبدالله الفيصل للشعر العربي من قبل، سواء في فرع الشعر أو في فرع الشعر المسرحي، وهذه هي المرة الأولى التي تشارك بنصها المسرحي "على خطى ليلى الأخيلية" وهي تصف لنا إحساسها بالفوز بالعبارات التالية: أولًا - أن يُقال حين منح الجائزة: "الشاعرة المصرية جيهان بركات"، فهو شرف لصاحبة الاسم أن تكون سببًا في ذكر اسم "مصر" في هذا المحفل العالمي. ثانيًا - أن يكون هذا القول على لسان الأمير المثقف الشاعر خالد الفيصل بنفسه، ويكون التكريم على هذا المستوى فائق الرقي، فهو شرف على شرف. ثالثًا - هذه هي المرة الأولى التي أكتب فيها مسرحًا شعريًّا كما تفضَّلتَ، فأن ينافس هذا النصّ نصوصًا أخرى من أنحاء الوطن العربي كافّة ويتفوق عليها، فهذا داعٍ للسرور والفرح عظيم. رابعًا - تتمتع الجائزة بقدر عالٍ من النزاهة والدقّة في الفصل بين المتقدمين، فلا وساطة ولا معرفة بالقائمين عليها يجب أن تتوفّر في المتقدم إليها، حيث التقديم إليكتروني، فوسيطي الوحيد بيني وبين الجائزة كان حاسوبي الشخصي. وعن أهمية جائزة الأمير عبدالله الفيصل للشعر العربي بشكل عام ترى جيهان بركات أنها تعد من أهم الجوائز العربية التي تُعنى بالإبداع الشعري، سواء أكان بالاحتفاء بتجارب الشعراء المعاصرين، أو الكتابة للمسرح الشعري، أو القصائد المغنَّاة (وهو الفرع الذي لم تهتم به جائزة سواها)، أو تكريم المبادرات التي تخدم الشعر العربي. فبالنظر إلى الفروع التي تغطيها يتضح كيف أنها شملت جوانب الإبداع الشعري جميعها. كل هذا والجائزة هي نشاط واحد من أنشطة أكاديمية الشعر العربي، مما يعني أن هذه المؤسسة قد حملت أمانة تنمية الشعر العربي دراسةً، ونشرًا، ودعمًا للشعراء والنقاد وأصحاب المواهب، عن طريق عديد من الفعاليات والبرامج. وهي مبادرة رائدة للأمير الشاعر خالد الفيصل ممَّا زادها قيمة ومنحها ثقلًا دوليًّا، كما أن إدارتها من قِبَل الدكتور منصور الحارثي جعلتها تخدم الشعر إبداعيًّا وأكاديميًّا ونقديًّا، فبوركت جهود القائمين عليها! جيهان بركات سبق أن شاركتْ من قبل في مسابقة "أمير الشعراء" بأبوظبي، وأحرزتْ مركزًا مرموقًا، واليوم تفوز بجائزة كبرى في المملكة العربية السعودية، وتصف لنا الفارق بين اللحظتين، مواجهة شعرية في أبوظبي، مع مواجهة مسرحية في الطائف بالسعودية قائلة: لكل فوز مذاق. كانت "مسابقة أمير الشعراء" لها طابع تفاعلي جميل بين الشعراء، فكان يجمعنا الشعر طوال ليالي المسابقة وأيامها، فعدنا بعد انتهاء موسم المسابقة إلى بلادنا وكل منا قد اكتسب أصدقاءً للشعر وإخوة للحرف. أما هذه المسابقة، مسابقة الأمير عبدالله الفيصل في الشعر العربي فالتقدم إليها فرديّ، عن إبداع فردي لم يطلع عليه إلا المحكمون وحدهم، على عكس مسابقة أمير الشعراء العلنية، ذات التحكيم اللحظي، لكن كله فوز، وكله حلو المذاق، وكله توفيق من الله، فله الحمد والمنّة على ما وهب! جيهان بركات من مواليد الإسكندرية في 18/12/ 1972. عضو اتحاد كتاب مصر. حاصلة على الليسانس في العلوم العربية والدراسات الإسلامية، من دار العلوم جامعة القاهرة، في العام 2018. حاصلة على الماجستير في الآداب، تخصص البلاغة والأسلوبية، كلية الآداب، جامعة المنصورة 2020. اجتازت دورة العروض بمؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، وتم اختيارها كممثلة لخريجيها لحضور المؤتمر الذي عقدته المؤسسة بالكويت في أكتوبر 2008. صدر لها أربعة دواوين شعرية: "حان قطاف التفاحات" 2009 عن دار التلاقي للنشر. "قلبي وإرثُ الأمتعة" 2013 عن الهيئة العامة لقصور الثقافة. "جذوة الصُّلب والترائب" 2016 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. "المنح والمنع بحسبان" 2020 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
مشاركة :