يبدو أن الأزمة التي تمر بها العلاقات الجزائرية الفرنسية، ستستمر، بحسب المؤرخ الفرنسي، جون سيفيا، موضحا أن هناك حسابات بين الجزائر وفرنسا لم تتم تصفيتها تعود إلى البدايات الأولى للاستقلال، الأمر الذي جعل التوتر يعود من حين إلى آخر بين الجزائر وباريس. ويعتقد جون سيفيا أن بناء العلاقات الجزائرية الفرنسية لم يكن على أسس متينة وسليمة منذ البدايات الأولى للاستقلال، فقد كانت المساومات السمة البارزة فيها. قضية الذاكرة ويرى المؤرخ أن قضية الذاكرة لم تصعد إلى الواجهة بالحدة التي هي عليها اليوم، إلا مع بداية الألفية وبالضبط خلال زيارة الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة إلى فرنسا في العام 2000، وكان ذلك في خطابه أمام الجمعية الوطنية الفرنسية (الغرفة السفلى للبرلمان)، والتي قدم خلالها «دروسا» لفرنسا، وتمثلت تلك الدروس وفق جون سيفيا، في ضرورة تقديم فرنسا الاعتذار للجزائر عن جرائم حقبة الاحتلال البغيض. وقال المؤرخ الفرنسي، لقد برز الحديث في فرنسا عن “Repentance” وتعني التوبة، مع العلم أن الجزائر لم تطالب بـ «التوبة» بل بالاعتذار والتعويض، وهو المطلب الذي أحدث جدلا بين النخب السياسية الفرنسية، وخاصة في أوساط النخب اليسارية «اليسار المثقف». كما يعتبر جون سيفيا تنويع الجزائر لشركائها، في المرحلة الراهنة، ضربا من ضروب المساومة، لأنها تشكل ضغطا على الشريك التقليدي، ممثلا في فرنسا، مشيرا في هذا الصدد إلى كل من الروس والصينيين، الذين أخذوا الكثير من الفضاءات التي كانت تحت سيطرة النفوذ الفرنسي. «جريمة دولة ضد الإنسانية».. قبل 60 عاما ويؤكد مؤرخون فرنسيون، أن «جريمة دولة ضد الإنسانية» قبل 60 عاما، فتحت سجلات «حساب» لم تتم تصفيته بين الجزائر وفرنسا..وقال المؤرخ والخبير السياسي الفرنسي، أوليفيي لوكور غراندميزون، إن المجازر التي ارتكبت يوم 17 أكتوبر/ تشرين الأول 1961 بباريس في حق متظاهرين جزائريين سلميين، تعد «جريمة دولة ضد الإنسانية»، اقترفت وفق «خطة منسقة» ضد مدنيين «عذبوا وأعدموا دون محاكمة». وأكد «غراندميزون» في حوار لوكالة الأنباء الجزائرية، أن «المسألة تتعلق بالاعتراف بجرائم الدولة التي ارتكبت آنذاك أكثر مما هي تتعلق بمعرفتها». مفكرون فرنسيون اعترفوا بمقتل مئات الجزائريين وقال المؤرخ أوليفيي لوكور غراندميزون ـ أستاذ جامعي ألّف عدة كتب حول الاستعمار الفرنسي ـ إن كتابا عاصروا تلك الأحداث على غرار المؤرخ بيار فيدال – ناكي، وبول تيبو، وجان بول سارتر، وسيمون دوبوفوار، كانوا على دراية جيدة بما حدث خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول من سنة 1961 عموما وخلال ليلة 17 أكتوبر/ تشرين الأول على وجه الخصوص. وأوضح أن هؤلاء كانوا أيضا على علم بأن «المئات من الجزائريين قتلوا ولم يترددوا، على عكس البعض اليوم، على وصف الأحداث بمجازر ارتكبت في إطار رعب دولة نفذت في الجزائر وباريس». وأضاف: إنه يتعين بمناسبة الذكرى الـ60 لهذه المجازر أن «توصف هذه الأخيرة بشكل دقيق من قبل رئيس الجمهورية، وان تبين مسؤولية الدولة في ذلك». حان الوقت للدولة الفرنسية ان تعترف أخيرا بمسؤولياتها واعتبر المؤرخ الفرنسي أن أحد العراقيل الكبرى يكمن في رفض رؤساء الدولة الفرنسية، سواء من اليمين أو من اليسار كانوا، الاعتراف بالجرائم التي اقترفت ابان الحقبة الاستعمارية في الجزائر منذ هجوم وحدات الجنرال بيجو على هذه المستعمرة.. كما أن مجازر 17 أكتوبر/ تشرين الأول 1961 تدل بأن تقنيات الحرب المضادة للثورة لم يتم تنفيذها بالضفة الأخرى من المتوسط فحسب، بل أيضا بضواحي باريس وبالعاصمة. وأعتبر انه “حان الوقت للدولة الفرنسية ان تعترف أخيرا بمسؤولياتها، مثل عديد الدول (ألمانيا وبريطانيا وكندا ونيوزيلندا وأستراليا والولايات المتحدة الأمريكية)، التي قامت بذلك، ويشير إلى أن «السلطات الفرنسية تتميز بجبن فاضح وغير مقبول» شجاعة الاعتراف بأخطاء الماضي ويرى المؤرخ الفرنسي، بانجمان ستورا، أن مأساة 17 أكتوبر/ تشرين الأول 1961 بدأت من الدولة الفرنسية حسب المؤرخين، والاعتراف بها اليوم لا يعتبر ضعفا وإنما شجاعة للإعتراف بأخطاء الماضي. وتشير صحيفة «ليبيراسيون» الفرنسية، إلى أنه رغم الوثائقيات والأفلام والصور وكتب التاريخ التي جمعت الجزائريين والفرنسيين يبقى التاريخ المشترك بين البلدين والشعبين مبهما وغامضا ويثير عديد التساؤلات؟!
مشاركة :