قام فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع بتعريب لملخص محاضرة باللغة الإنكليزية في مركز التثقيف الصحي المستمر في لندن. في العالم الغربي، بلغت نسبة زيارات من يعانون من الاضطرابات المرتبطة بالضغط النفسي والتوتر المزمن إلى مقدمي الرعاية الطبية والصحية العامة والتخصصية ما يُقدر بما يتراوح ما بين 75 إلى 90 بالمائة من جميع تلك الزيارات. والضغط النفسي هو حالة يمر بها الشخص عندما يكون هناك عدم توافق بين المطالب المتوقعة وقدرتنا على التأقلم والتكيف معها. وبعبارة أخرى، الضغط النفسي ما هو إلا الإحساس بالتوتر عندما لا يشعر الأشخاص أنهم قادرون على تحقيق كل ما هو متوقع منهم. وجدير بالإشارة إلى ما قامت به المؤسسات العسكرية من دراسات على نطاق واسع تتعلق بحالات التوتر، وأسفرت تلك الدراسات عن وضع نموذج دقيق للغاية معني بحالات التوتر التي عانى منها المعاصرون للحرب العالمية الثانية وذلك بهدف فهم ما يحدث للجنود عندما يكونون في ساحة المعركة، ويتعرضون لمئات - إن لم يكن الآلاف - من المواقف العصيبة. وبالنسبة للبعض منا، يمكن أن يشعر أن بيئة العمل أو المنزل تبدو في بعض الأحيان وكأنها منطقة حرب عملياً، وهو ما قد يفضي لأن تتأثر قدرتنا على الأداء الأمثل تأثراً خطيراً بطرق مضاهية لذلك المثال الأخير. والأشخاص الذين يعتقدون أن التوتر أمر محمود عادة ما يخلطون بين التوتر والشعور بالتحدي. فما يحدث في البداية، هو أن شعور تحدي المصاعب يعمل على تحسين أدائنا، ولكن مع استمرار حجم العمل وزيادة التحديات التي نواجهها في الحياة اليومية والمهنية، يمكن أن تتعرض قدرتنا على تقديم أفضل ما لدينا للخطر بشكل ملموس تماماً. عندما يقع جسم الإنسان تحت وطأة الضغط النفسي، يمر بالعديد من التغيرات الفسيولوجية التي يمكن قياسها وتحديدها، بما في ذلك زيادة معدل ضربات القلب ونسبة السكر بالدم ومعدل التنفس ويرتفع كذلك قياس ضغط الدم. ينقسم الجهاز العصبي المستقل أو الجهاز العصبي التلقائي (الذاتي) إلى جهازيْن وهما: الجهاز العصبي الودي (أو الجهاز العصبي السمبثاوي)، أو بالأحرى الجهاز العصبي المنشط والجهاز العصبي اللاودي (أو ما يسمى أيضاً الجهاز العصبي فوق السمبثاوي)، أو يمكن القول بأنه الجهاز الذي يجعل الإنسان هادئاً ومسترخياً. وجدير بالملاحظة أنه حال تنشيط الجهاز العصبي الودي لدى الإنسان، فإن حالة الدم تصبح أكثر لزوجة وأكثر عرضة للتخثر. علاوة على أنه أيضاً فهو يحفز على إفراز هرمونات بعينها يؤدي بعضها إلى حدوث ارتفاع في ضغط الدم، ومن ذلك على سبيل المثال: إنزيم الرينين والأنجيوتنسين. بالإضافة إلى ذلك، تزداد مقاومة الخلايا للأنسولين في البدن، وبالتالي يزيد معدل إفراز الأنسولين أثناء فترة الصيام. فضلاً على أن ذلك من شأنه أن يزيد مستوى الكوليسترول ويرفع ضغط الدم ويؤدي بدوره إلى تضييق الشرايين. كما أن هناك أيضاً ثلاث هرمونات رئيسية مسؤولة عن الشّعور بالقلق والتوتر وهي التي تعزز من قدرة أجسامنا في حالات الطوارئ وهي كالتالي: هرمون الأدرينالين والألدوستيرون والكورتيزول. يُعد هرمون الأدرينالين هرموناً تفرزه الغدة الكظرية الموجودة فوق الكلى، ويُفرز هرمون الأدرينالين في حالات الشعور بالتوتر الشديد أو التعرض للمواقف الحرجة. ومنْ ثَمَّ، فإن هذا الهرمون عبارة عن جزء من استجابة الجسم الحادة للضغط النفسي والتوتر، بل أن هذه العملية جزء جوهري مما يطلق عليها استجابة الكر أوالفر (وتسمى أيضاً استجابة المواجهة أو الهروب وهي رد فعل فسيولوجي يحدث استجابة للتعرض لأحداث جسيمة تهدد الإنسان أو حال مواجهة هجوم أو تهديد لبقائه على قيد الحياة تقتضي منه إما القتال للحفاظ على حياته أو الهروب جرياً بكل طاقته لتفادي مواجهة خاسرة). ومن المعروف أنه عندما تُفرز مادة الأدرينالين في الجسم، يرتفع معدل ضربات القلب وتنقبض الأوعية الدموية ويتسع مجرى الهواء التنفسي لدى الإنسان وكل ذلك يجلب المزيد من تدفق الدم إلى العضلات ويسمح بدخول المزيد من الأكسجين إلى الرئة. أما عن هرمون الألدوستيرون، فهو يُمثل هرموناً ضرورياً لحياة الإنسان، وذلك لأنه المسؤول عن تنظيم الإلكتروليتات/الكَهارِل (المعادن) في البدن، والتي تشمل عناصر مهمة من أمثلتها: الصوديوم والبوتاسيوم. كما أن هرمون الألدوستيرون ينتج أيضاً من الغدة الكظرية ويسبب إعادة امتصاص مادة الصوديوم في مجرى الدم، وهو ما يُعد أمراً ضرورياً عندما يتعرض الإنسان للمواقف العصيبة وأوقات الضغط. كما تنتج الغدة الكظرية هرمون الكورتيزول أيضاً، ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الجسم يحتاج إلى الكورتيزول لضخ عنصر السكر في مجرى الدم عندما تعاني من الضغط النفسي لأنك تحتاج إلى استخدام السكر في عضلاتك لمواجهة الشدة النفسية والبدنية التي تكابدها. تؤدي هذه الهرمونات الثلاثة دوراً مهماً في بقائنا على قيد الحياة، وتكمن أهميتها في أنها تُثار وتُفرز عندما يمر الإنسان بحالة من حالات الطوارئ، ومن المهم ملاحظة أن ذلك يحدث بسرعة فائقة، ولكن للأسف الشديد فإن تأثيرها قد يستمر لساعات أو أيام بعد إفرازها في البدن حتى بعد زوال المحرض الذي أدى لإفرازها وهنا يمكن فعلياً لمفاعيل الضغط والتوتر النفسي والعقلي التأثير على صحة الإنسان الجسمية والعقلية. وفي الواقع فإن استمرارإفراز الهرمونات المسؤولة عن مواجهة التوتر لدى الإنسان، يؤدي لحدوث حالات ارتفاع ضغط الدم المزمن، وينتهي بنا الحال للإصابة بالقرحات المعدية، ونصبح أكثر عرضة للعدوى الفيروسية والجرثومية جراء ضعف جهازنا المناعي، وهو ماقد يؤدي إلى زيادة معدلات الإصابة بالسرطان. ومن ناحية أخرى، يؤدي استمرار إفراز الهرمونات المسؤولة عن مواجهة الضغط النفسي إلى انخفاض مستوى هرمون التستوستيرون/ الهرمون الخُصوِي(وهو الهرمون الرئيسي المولد للخواص الذكرية، ويفرز من الخصيتين)، ويؤدي كذلك إلى عدم انتظام الدورة الشهرية عند النساء. والجدير بالذكر أن الضغط النفسي لا ينتج عنه بعض التغيرات الفسيولوجية في أجسامنا فحسب، بل إنه يتسبب أيضاً في حدوث تغيرات عاطفية وعقلية، حيث أظهرت الأبحاث أن الأشخاص الذين يقعون تحت وطأة الضغط والتوتر يعانون من التثبيط المعرفي أو ما يعرف بالكف المعرفي، مما يجعلهم لا يتخذون أفضل الخيارات حكمة ورشاداً. بالإضافة إلى أن الضغط النفسي بفضي إلى فقدان قدرات التركيز العقلي، وهو ما يؤثر بدوره على حالة الصفاء الذهني لدى الإنسان، وتدني قدراته الإبداعية. ومما لا شك فيه أن الضغط النفسي يؤثر على قدرتنا على الاسترخاء والنوم، إلا أن الأكثر من ذلك سلبية هو ما يحدث عندما نشعر أننا لا نستطيع التعامل مع جميع العناصر المدرجة في جدول أعمالنا أو لا يمكننا إنجازها، فإن التوتر في هذه الحالة يصبح له آثار سلبية كبيرة على ثقتنا بأنفسنا. فضلاً على أن التوتر المزمن يؤدي أيضاً إلى الشعور بالغضب المزمن، مما يزيد من خطر الإصابة بالنوبات القلبية إذ تزيد نسبة التعرض لها 230 في المئة عن المعدلات الوسطية عند من يعانون من شدة نفسية مزمنة، وفعلاً الإحساس بالغضب المستمر جراء الإحساس المزمن بالشدة النفسية يمثل أحد أكثر المشاعر فتكًا بالقلب. ولقد أظهرت الأبحاث العلمية بأنه حتى إذا ما قام الطبيب بإعطاء لقاح الإنفلونزا لمن يعانون من الإرهاق والإنهاك الجسدي والنفسي الشديدين، فقد لا يستجيب هؤلاء لهذا اللقاح المضاد للإنفلونزا، وهو ما يعني أنهم ليس لديهم الأجسام المضادة اللازمة لحماية أجسامهم مما أخذوا اللقاح لأجله، ويمكن تفسير ذلك أنهم ربما كانوا في هذه الأثناء تحت ضغط شديد لدرجة أن أجسامهم وجهازهم المناعي لم يكن بإمكانهاإنتاج الأجسام المضادة. وترتبط مستويات الكورتيزول المرتفعة ارتباطاً وثيقاً بسرعة وتيرة حدوث الشيخوخة ويظهر ذلك جلياً في حالات ضعف الذاكرة وعدم القدرة على التعلم، بل وحتى الإصابة بهشاشة العظام. وبالإضافة إلى كل ذلك، فإن هناك علامة أخرى للشيخوخة تنتج من الإجهاد المزمن، وتتمثل هذه العلامة في انخفاض كتلة العضلات في الجسم. ويؤدي الضغط النفسي إلى التأثير سلباً على البدن بزيادة معدل سكر في مصل الدم. علاوة على أن التوتر يجعل أيضاً مرضى السكري في حالة أسوأ بكثير.فضلاً عن أن المستويات المرتفعة من إفراز هرمون الكورتيزولسوف تؤدي لا محالة إلى زيادة الوزن.
مشاركة :