في زيارتي الأخيرة لأمريكا تنقلت بين ولايات عديدة وخرجت بانطباعات ستدهش القارئ المعتاد على صورة نمطية لأمريكا بأنها أغنى دول العالم ولكن معدل الفقر في أمريكا مزعج رغم المعلومات المنشورة حول تعافي الاقتصاد الأمريكي وتراجع البطالة فهذه معلومات غير دقيقة، إذ إن احصائيات واقعية تقول بأن ما يقارب نصف الأمريكيين متى تفاجأوا بفاتورة بها أربعمائة دولار فإنهم سيعجزون عن سدادها مما يعني أن نصف الأمريكيين لا يملكون أربعمائة دولار ويعني أيضاً أن الثراء يعمق التباين ولهذا تصنف أمريكا على مستوى الدول المتقدمة بأنها في المركز الأول في فقر الأطفال ونسبة البطالة بين فئة الشباب التي تتراوح بين 25-30% وصنفت جهة دولية بنيتها التحتية في الدرجة (دي-( d) مقبول وفق سلم تصنيف من أربعة أحرف (دي) آخرها ولهذا قد يتساءل القارئ ما الذي يحدث بأمريكا؟ لا شك أن الأيدولوجية الليبراليه تتحمل المسئولية بتقليصها للأنظمة الرقابية وتخصيص كل ما توهمته وإطلاقها يد السوق بافتراض أنه أعلم بأموره ويصحح نفسه ذاتياً وأن التجار أدرى بشئونهم وهذا سراب إن لم يكن كلمة حق أريد بها باطل فقد ساعد القوي على ابتلاع الضعيف باعتباره صيداً حلالا مما قضى على الطبقة الوسطى وعمق الطبقية وزاد من معدلات الفقر، والمستفيد من تلك الشعارات فئة لا تتجاوز 1% يتضاعف ثراؤها بقدرما يتعمق فقرغيرها. إن استخدام الاحصاءات أحياناً يضلل بقدرما يشوش ولهذا هناك ما يعرف بنسبة المشاركة فهي أقرب للتعبير عن الاقتصاد الأمريكي لأنها تحدد معدل البطالة بالمجتمع وهي اليوم في مستوى 63% لأنها تؤخذ من السكان الذين فقدوا الأمل بإيجاد عمل خلال بحثهم أو من الذين يستطيعون العمل الكامل ولكنهم لا يجدونه ولذلك يعملون جزئيا وبموجب هذه النسبة فان معدل البطالة مرعب لأنها تبلغ 37% من الشعب الأمريكي إما عاطل فاقد الأمل أو يعمل جزئياً مما يعني عدم استخدام السعة الإنتاجية للشعب ليتكبد الاقتصاد الأمريكي ما يعادل عشرة مليارات دولار يوميا ويزيد الفقر. توظيف الاحصائيات «لمآرب سوقية» وللتشويش يؤكدها وضع زبائن محلات «ولمارت» فهذه المحلات مع حجمها المدهش الذي يضاهي اقتصاد دول فإن شريحة هائلة من عملائها لا يجدون قوت يومهم ويقتاتون على كوبونات تسمى «فود ستامب» وتستبدلها «ولمارت «بالطعام فالأمر كله محزن مع نذر أزمة 2008 في الأفق لتكرر نفسها وما يحدث بقطاع المصارف الأمريكي يشير إلى أن «حليمة رجعت لعادتها القديمة» وأن البيروقراطيين قد باعوا دنياهم وآخرتهم بالرهان على توجهات خاسرة ولهذا إن حلت الكارثة فلن تستطيع الحكومة ومشرِّعوها بالكونغرس حماية 12مليون أمريكي من خسارة منازلهم وعيشهم كما أن توابع الزلزال المصرفي سيطال اقتصاد العالم، فالجميع لم يتعظ من الحصاد المر فإن تكرر سيهدد وجود النظام الرأسمالي ولكن لمن تدق الأجراس إن كان آفة حارتنا النسيان كما قال محفوظ.
مشاركة :