لو كان الفقر رجلاً.. | سعيد محمد بن زقر

  • 7/29/2013
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

يتوخّى المسلم في شهر رمضان المبارك فعل الخير، ويجتهد بما يستطيع لتحقيق مقاصد الحكمة الربانية من فرض الصيام، وهي ليست محصورة في الكف عن الشهوات، ولكنها تشمل تذكُّر أحوال الفقراء، والتأمّل بعمق في أساليب الحد من الفقر، أو تقليل أثره في المجتمع. لقد استعاذ الإمام علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- من الفقر، وقال: (لو كان الفقر رجلاً لقتلته). ولهذا منذ فجر الإسلام يسعى الأفراد والجماعات للقضاء عليه بشتى الوسائل والسبل، وأهم وسيلتين تستخدمان لذلك هما التبرعات الخيرية الإنسانية، وآلية اقتصادية عامة وهي التوظيف لمن يطلب العمل، ويكون قادرًا عليه. إن المقارنة بين الوسيلتين تُوضِّح ميزة كل منهما، فالوسيلة الأولى أقرب للموسمية والمؤقتة منها للعلاج الشافي، حيث تنشط الجمعيات الخيرية في مواسم الخير لحث الناس على العطاء والسعي لتوظيفه في وقته؛ بهدف كفالة حد أدنى من العيش الكريم للفقير، وتغيب عن مثل هذا الجهد الخيري الإستراتيجية البعيدة ذات الأثر الحقيقي في مكافحة الفقر. ولهذا يُعوِّل المختصون على الآلية الاقتصادية العامة مقارنة بالعمل الخيري، ولأنها تستهدف اقتلاع الفقر من جذوره، سواء بفرض ضرائب مباشرة على القادرين، أو تنشيط المسؤولية الاجتماعية في القطاع الخاص والعام لتمويل إستراتيجيتها في الرعاية الاجتماعية، مثل الإسهام في البرامج والأنشطة التي تهتم بتوظيف العاطلين، ومراعاة البعد الاجتماعي، ومن اللافت للنظر أن آلية التبرعات والعمل الخيري مقارنة بغيرها ظلّت على مدى أربعة عقود أو أكثر قليلة التأثير في الفقر، ولم تستطع تسجيل أهداف في مرمى الفقر. وهذا ما جعل معظم المتابعين يميلون إلى ترجيح سبب رئيس يُعرقل من إستراتيجية ضبط معدل الفقر، وهو أن غالب التركيز لم يكن على فكرة توفير العمل لمن يطلبه، كما أن آلية ضبط الفقر لم تستند على تحميل القطاع العام عبء النهوض بمسؤولية ضبط معدل الفقر في المجتمع، رغم أنه الجهة التي لا تعمل بمعايير الربح والخسارة، كما هو الحال في مؤسسات القطاع الخاص، التي تفرض عليها طبيعتها أن تشترط معايير ومهارات ودرجة معينة من الكفاءة، للتوظيف حين يعتبر جزءًا من معادلة توفير الرعاية الاجتماعية للفقير، ذلك لأن القطاع الخاص بطبيعته وتركيبته سيُحاجج حين تُرْمَى كرة "معالجة الفقر" في ملعبه بأن مبرر وجوده والهدف من إنشائه أن يعود بالنفع على أصحابه بالربحية، ولهذا سينقل المسؤولية إلى القطاع العام باعتباره الجهة الأقرب إلى تحقيق النجاح، والاعتماد في توفير الوظائف لمن يطلبها، والنهوض بالرعاية الاجتماعية، وبالتالي ضبط معدل الفقر في المجتمع، أو الحد من تمدده إلى أبعد مدى ممكن. وثمة مقارنة ترد إلى الذهن وتستدعي التفريق بين تصرف القطاع العام وسلوك القطاع الخاص، فالقطاع العام يتصرف على أساس أهداف عامة غير ربحية، والثاني يسعى لتحقيق أهداف ذاتية وبدون فهم واستيعاب عميق لطبيعة القطاعين العام والخاص، فإن تطبيق إستراتيجيات القضاء على الفقر سواء كانت خيرية تطوعية، أو رأسمالية من ضرائب وغيرها، قد لا تُحقق هدف الحد من معدل الفقر، وهذا يستدعي وضع إستراتيجية يتحمّل فيها القطاع العام عبء الحد من معدل الفقر في المجتمع.

مشاركة :