في إحدى الأمسيات في مدينة الرياض، كنت ألقي محاضرة حول كيفية تبني الابتكارات والاختراعات العربية. وكان أغلب الحضور من المخترعين، يتقدمهم شاب سعودي عرَّفني بنفسه قبيل المحاضرة بأنه مخترع ماكينة لقمة القاضي- نوع من الحلويات الشرقية- وشرح لي كيف واتته الفكرة؛ بسبب عشقه لتلك الحلوى، كما كانت أمه تتقن تنفيذها، فأراد مساعدتها باختراع هذه الآلة، ثم قام أقنع مصنع بلاستيك بالفكرة عارضًا اقتسامه لأرباح بيعها. تحمس مدير المصنع للفكرة وحسب بيع الآلة بخمسة وعشرين ريالاً، ولم يتحمل التكاليف فحسب، بل ساعد الشاب في تطوير فكرته وإنهاء الرسومات التفصيلية للقوالب المعدنية (الإسطمبات) التي تكلفت عشرات الآلاف من الريالات لتنتج الآلاف من هذه الآلة. يوضع العجين بالآلة، ثم تضغط ربة المنزل على زر خاص؛ فتنسكب كمية محسوبة من العجين في الزيت، مكونةً كرات لقمة القاضي؛ فسألته هل قمت بتسجيل اختراعك؟ فأجاب: لا، لم أستطع الصبر سنوات حتى أحصل على براءة اختراع، وأخشى أن يسبقني أحد؛ فحذرته من نزول اختراعه للأسواق دون حماية. وكم كانت سعادتي عندما وجدت هذا المنتج في الأسواق بعد شهور قليلة، لكن للأسف صدق توقعي، فقد وجدت كميات هائلة من نفس المنتج مكتوبًا عليها صنع في إيطاليا، وفي هونج كونج، وفي تايوان، وفي الصين، وبسعر تسعة ريالات فقط! قام المخترع – لاحقًا- بتسجيل اختراعه في مكتب براءات الاختراع لدول مجلس التعاون الخليجي، وكنت أتمنى أن يفعل ذلك مبكرًا. تذكرت أيضًا موقفًا آخرًا سرده لي أحد كبار رجال الأعمال في مصر شاكيًا موظفًا عمل في شركاته أكثر من عشرين عامًا، ثم انتقل للعمل مع أحد المنافسين ونقل له الأسرار التجارية الخاصة بشركاته؛ مثل أساليب البيع، والتوزيع، والوصول للمستهلكين، واستراتيجيات الدعاية والإعلان، وقوائم الموردين، والزبائن، ووسائل التصنيع. دعاني هذان الموقفان إلى التوعية بماهية وأهمية الملكية الفكرية وفائدتها في عالم ريادة الأعمال والمنشآت الصغيرة والمتوسطة، فمنذ زمن بعيد كنا نرى أصول الشركة التقليدية في المباني والآلات والسندات المالية والبُنى التحتية، وكلها أصول مادية، ولكنَّ الوضع تغير الآن؛ فصارت الأصول غير المادية تمثل الأهمية الأكبر وهي التي تجمع بين رأس المال البشري، والمهارات، والأفكار، والعلامات، والرسوم، والنماذج، وسائر الثمار غير المادية المستخلصة من طاقات الشركة الإبداعية؛ حيث يمكن اكتساب حقوق الملكية الفكرية من خلال وسائل الإنتاج الابتكارية، والمصنفات الثقافية والفنية والأدبية، التي تشمل أيضًا برامج الكمبيوتر، والرسوم، والنماذج الإبداعية، والرقاقات الدقيقة بموجب حماية تصاميم الدوائر المتكاملة. أتفق مع من ينادي بتقنين هذا الموضوع ومنع باب الاحتكار من جانب الشركات الكبرى، لكن لا أتفق مع من يبيح لنفسه القرصنة أو سرقة أعمال غيره، وأُذكره بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَه”. وقد ذكر العلماء أن العلم الذي يُنتفع به- بنص الحديث- هو من عمل الإنسان، وهو الذي يبقى له بعد موته، وإذا كان يبقى له أجره في الآخرة، فكذلك ينبغي إذا كان له مستحقات دنيوية أن تبقى له أو لورثته من بعده؛ فهذا الحديث يمكن الاعتماد عليه في تأصيل مسألة حقوق الملكية الفكرية. فإذا كان لديك أفكار مبتكرة، أو ترقى لمستوى الاختراع مثل مخترع ماكينة لقمة القاضي، أو تخشى على أسرارك التجارية مثل رجل الأعمال؛ فعليك حماية أفكارك وأسرارك، والتعرف أكثر على حقوقك، وما الذي يمكنك استفادته من حقوق الملكية الفكرية في هذا المضمار، فهي التي تمنحك حقوقًا حصرية، واحتلال منصب الصدارة في السوق، وتعزيز الصورة الإيجابية لها، وزيادة عائدات الاستثمار، وفرصة ترخيص الاختراع أو بيعه؛ وهو ما يفيد أيضًا عند البحث عن شركاء تجاريين، أو تعظيم قيمة الشركة في السوق. اقرأ أيضًا: الإذاعة.. وتعطل فيس بوك رائد الأعمال.. وإعمار الكون للوطن يوم الجامع والجامعة.. وريادة الأعمال ثلاث مدارس للنجاح المالي الرابط المختصر : يرجى ترك هذا الحقل فارغا مرحبا 👋 سعداء بالتواصل معكم قم بالتسجيل ليصلك كل جديد نحن لا نرسل البريد العشوائي! اقرأ سياسة الخصوصية الخاصة بنا لمزيد من المعلومات. تحقق من علبة الوارد أو مجلد الرسائل غير المرغوب فيها لتأكيد اشتراكك.
مشاركة :