احفظ سرك في بئر بعيدا عني

  • 9/19/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الكلام التالي ليس من عندي بل من الثابت والمعلوم في كل الثقافات، وبين مختلف الأعراق والشعوب، أن النساء أكثر قدرة على التعبير عن النفس وأكثر ميلا إلى الثرثرة، ومن ثم النميمة مقارنة بالرجال، ولعل لذلك جذورا تاريخية اجتماعية متوارثة بعد ان صارت المجتمعات أبوية، وصار الرجل هو كاسب القوت وانحصر دور المرأة في شؤون البيت الداخلية وهي مهام رتيبة ومملة فكان ان لجأت النساء إلى بعضهن البعض لتمضية الوقت ولقلة المواضيع الصالحة للنقاش في تلك الأزمنة السحيقة صار معظم الونسات النسائية ينحصر في «سيرة الناس»، ورغم ان النساء صرن في بعض الحالات أرفع قامات من الرجال بعلمهن ووظائفهن إلا ان جرثومة الثرثرة لا تزال تلازم الكثيرات منهن، ومن ثم لم أعجب بنتائج استطلاع الرأي الذي نشرته صحيفة دايلي ميل البريطانية والذي اعترفت فيه 40% من النساء بأنهن لا يستطعن كتمان أي سر لأكثر من يومين حتى لو كان خاصا بهن، وقالت نسبة مماثلة إنهن لا يقدرن على كتمان السر لأكثر من خمسة أيام (يعني 80% من النساء لا يستطعن كتمان السر لأسبوع واحد). أعرف رجالا كثيرين نمامين، وبينما قد تمارس المرأة النميمة من باب التسلية وتتكلم في أمور قد تكون غير ضارة مثل «ظاهر أن مصطفى وزوجته متخاصمين، فهي لم تعد من بيت أبيها منذ السبت الفائت»... أو «راجل زوزو أكيد حرامي.. غيروا أثاث البيت مرتين خلال سنة واحدة».. تجد نميمة الرجال في معظمها ذات طابع «حاسد»: المدير غير جدير بمنصبه.. وعبدالرحيم نال ترقية وكان أبلد تلميذ في المدرسة.. وحماد رجل سفيه.. تصور أنه باع سيارة عمرها سنة واحدة، واشترى أخرى.. وهناك رجال نميمتهم نسوانية بل تترفع النساء المستنيرات عنها، أعني به صنف الرجال الذي يتوسط حلقات النساء ويتكلم عن بؤس الطعام الذي تناوله الناس في زواج محسن سرحان.. وفي بيت زعزوع قدموا لنا العصير في ستة أكواب كل واحد منها «من بلد». سأعترف بسر خطير: أحمل في جوفي أسرارا متراكمة لدرجة أنني نسيت معظمها، بعضها يخص مراحل الدراسة، وكثير منها ليس خطيرا ولكن الأشخاص المعنيين بها طلبوا مني التكتم عليها.. واعترافي يتعلق بأنني لا أستطيع كتمان الأسرار الخاصة بي.. يعني شاطر في إغلاق الخزينة على أسرار الآخرين ولكن الاحتفاظ بسر شخصي يرهقني، وأظل اجتهد حتى أعثر على شخص مناسب أخصه به.. وهكذا قد يكون هناك سر أخص به زوجتي، وآخر أخص به أحد عيالي «ويا ويلك لو كلمت ماما».. وهناك سر قد أخص به صديقا صدوقا من دون أن أبلغ به أحد افراد عائلتي.. والأدهى من كل ذلك أنني أتكلم في حضور زوارنا من الأقارب والأصدقاء عن أشياء تخصني قد تعتبرها زوجتي «أسرارا» لا ينبغي البوح بها، رغم أنها لا تتعلق بشأن «عائلي»، ولنفس هذا السبب فإن بعض أصدقائي يتردد في منحي ثقته في أمر أسراره باعتبار ان لساني فالت، واعترف بأن لساني فالت ولكن فقط في نوع الأسرار الهايفة، وهي النوع الذي يبدأ صاحبه بعبارة: أقول لك سر.. ثم يواصل هامسا: استحميت مرة واحدة هذا الاسبوع.. هربت من عيادة الأسنان بعدما أخذت البنج.. أخذت سلفة راتب شهرين وضاعت في كلام فارغ!! بصراحة استمتع بإفشاء مثل تلك الأسرار: أف.. ما هذه الرائحة هل تعطرت بزيت سمك؟ لماذا حنكك به ورم؟ ألم تعالج ضرسك؟ ممكن تسلفني 350؟ سمعت أنك أخذت سلفة.. ويكون الإفشاء أكثر امتاعا لو كان في حضور الطرف الذي يخفي عنه صاحب السر الأمر. ولهذا إذا قال لي شخص ما إنه يريد ان يخصني بسر فإنني أقول له بوضوح: لن أتعهد لك بكتمانه ما لم يكن سرًا «يستأهل»، وبعبارة أخرى فإنني لا أسعد بأن أكون مستودع أسرار أحد ما لم أكن قادرا على مساعدته في التغلب على الأمر السري.

مشاركة :